اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الشيخ نعيم قاسم يستقبل الوزير عراقتشي‏.. وتأكيد دور إيران ‏الإيجابي في المنطقة

مقالات

تركيا والعراق بعد طيّ صفحة حزب العمال (PKK)
مقالات

تركيا والعراق بعد طيّ صفحة حزب العمال (PKK)

97

تبدو التطورات المتسارعة، في ملف حزب العمال الكردستاني التركي المعارض (PKK)، وكأنها تؤشر إلى استحقاقات سياسية وميدانية مهمة، يرتبط جزء كبير منها بالعراق أكثر من أي طرف اخر. وبقدر ما يُفهم  من تلك التطورات المتسارعة على أنها بداية النهاية لأزمة عميقة بين العراق وتركيا، والتي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن، قد تكون بمثابة إعادة تدوير للأزمة، لاسيما إذا كانت المسوّغات والحجج والذرائع المطروحة من تركيا، تختلف تمامًا عن النوايا والخطط والمشاريع الخفية.  

إذا كان القرار السريع والمفاجيء لزعيم حزب العمال عبد الله أوجلان، وهو القابع في سجن انفرادي في جزيرة إيمرالي منذ ستة وعشرين عامًا، ثم إجماع قيادات الحزب على حله وإنهاء مسيرة العمل المسلح، في المؤتمر الاستثنائي الثاني عشر الذي عقد في الثالث عشر من شهر أيار/مايو المنصرم، قد أحدث صدمة عند العديد من الأوساط والمحافل السياسية والإقليمية والدولية، فإن قراءة واستشراف تداعيات ذلك القرار التأريخي وآثاره وتبعاته، تبدو صعبة إلى حد كبير، وتحتاج إلى المزيد من المعطيات الواقعية والعملية على الأرض، من قبيل: الشروع الفعلي بنزع سلاح الحزب ومنظومته العسكرية، إنهاء العمليات العسكرية سواء من الحزب أم من تركيا، والانطلاق بعملية واسعة تتضمن أساسًا إغلاق الكثير من المعسكرات والمقرات والقواعد لكلا الطرفين، في الأراضي العراقية، في مناطق جبل قنديل ودهوك واربيل والسليمانية والموصل، وربما مدن عراقية أخرى.

بيد أن إجراءات من هذا القبيل، لا بد أن تسبقها خطوات تُعدّ مقدمات ضرورية، مثل تحديد مصير ألاف المقاتلين من حزب العمال الذين قضوا القسم الأكبر من أعمارهم  وهم يحملون السلاح ويسكنون الجبال. وأكثر من ذلك، تحديد وضع الحزب، هل سينتهي تمامًا وتطوى صفحاته كلها أم أنه سيتحول إلى العمل السياسي التقليدي؟، وهل سيكون بإمكانه الانخراط في المشهد السياسي التركي، حاله حال بقية الأحزاب والقوى السياسية الأخرى؟

يرى البعض أن تنفيذ الإعلان التأريخي بحلّ حزب العمال الكردستاني نفسه وإنهاء العمل المسلح، لا يُتوقع أن يكون سريعًا، نظرًا إلى ضخامة البنى التحتية العسكرية للحزب وخريطة انتشار عناصره، والعدد الكبير من الملاحقين قضائيًا داخله من الدولة التركية، وكذلك الحاجة إلى فهم الخطوة التركية المقبلة، والتي يجب أن تشمل عفوًا عامًا عن الذين لا يملكون أي قيد جنائي، ولم يتورطوا بمهاجمة القوات التركية أو تنفيذ أعمال عدائية داخل الأراضي التركية.

بالفعل؛ بالنسبة إلى تركيا، يتطلب الأمر التأسيس لمبدأ الثقة مع قيادات الحزب وكوادره بعد قرار حله وإنهاء العمل المسلح، ذلك المبدأ الذي يقوم على إسقاط وإلغاء الإجراءات القانونية والقضائية كلها ضد قياداته وكوادره، وإطلاق سراح زعيمه أوجلان، والعمل على دمجها في الواقع السياسي القائم. وكذلك اتخاذ خطوات جادة لتقليص حجم الترسانة العسكرية التي وظفت لمواجهة حزب العمال، والتي تركزت في المجمل على الأراضي العراقية.

يًذكر أن البيان الصادر عن مؤتمر الحزب الذي اتخذ قرار الحل قد تضمن إشارات واضحة بهذا الشأن؛ عندما قال: "إن إنهاء الكفاح المسلح يُشكّل أرضية قوية للسلام الدائم والحلّ الديمقراطي، ويتطلب تنفيذ هذه القرارات أن يُمنح القائد أوجلان حق إدارة المرحلة وتوجيهها، وأن يُعترف بحقّه في العمل السياسي، وأن تُوفّر ضمانات قانونية شاملة".. ". وعلى البرلمان التركي أن يتحمّل مسؤوليته التأريخية في هذه المرحلة"، فضلاً عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمعارضة وجميع الأحزاب الممثلة في البرلمان التركي ومنظمات المجتمع المدني والجماعات الدينية والمؤسسات الإعلامية الديمقراطية ومختلف فئات المجتمع التركي.

مما لا شك فيه أن الخطوات والإجراءات كلها من الطرفين تحتاج إلى وجود جهات محايدة فاعلة ومؤثرة، تتولى مهام الرقابة والمتابعة والتقييم والتنسيق، لأنه من دون ذلك لن تتحول القرارات النظرية إلى واقع عملي على الأرض.

صحيح هناك تواصل وحوار ونقاش بين بغداد وأنقرة، عبر لجان سياسية وأمنية وفنية مشتركة، إلا أن لأصحاب القرار في بغداد قناعة، مفادها أن إنهاء وجود حزب العمال، وكذلك الوجود العسكري التركي في شمال العراق، لن يتحقق ما لم تُترجم قرارات الحزب إلى خطوات عملية، وما لم يكن عندى الحكومة التركية الإرادة الجادة في التعاطي مع استجابة حزب الـ(PKK) بواقعية وصدق، بعيدا عن المراوغة والتغالب.         

طبيعي أن ملفًا معقدًا وشائكًا ممتدًا طوال زمنية طويلة، تناهز النصف قرن من الزمان- مثلما أشرنا أنفا- لا يمكن إنهائه وإغلاقه في وقت قصير، وهذا ما تدركه الحكومة العراقية، ومعها أوساط ومحافل سياسية مختلفة في بغداد وأربيل والسليمانية.

هذا من جانب، لكن من جانب آخر، هناك من يعتقد أن هدف الوجود التركي في العراق، بطابعه العسكري والسياسي والاستخباراتي والثقافي، يتجاوز إلى حد كبير قضية حزب العمال. وهو يرتبط بمشاريع ومخططات ومطامح ومطامع ذات أبعاد تأريخية تعود جذورها إلى ما قبل تأسيس الدولة التركية العلمانية الحديثة، في الربع الأول من القرن العشرين. وفي ضوء ذلك؛ تبرز واضحة رؤية تتبناها نخب سياسية وأكاديمية وثقافية عراقية تستبعد أن تحزم أنقرة حقائبها كلها وتغادر العراق، بعد طوي صفحة حزب العمال. وتستند تلك الرؤية إلى جملة من الدلائل والمؤشرات والشواهد المقنعة.

في الوقت ذاته، لا تهمل تلك الرؤية فرضية أنه ربما تحصل انشقاقات وانقسامات في منظومة الحزب بمستوياتها المختلفة، وتاليًا تحول دون إغلاق ملفه بالكامل. وكما يقال: "من المهم عدم الإفراط بالتفاؤل في كون ورقة العمّال قد طويت، إذ إن الحزب عقائدي، وقد تنجم عنه انشقاقات أو جيوب رافضة لتنفيذ مقررات المؤتمر"، فضلًا عن أنه قد تكون هناك أطرافًا خارجية، لا ترغب بحل الحزب وإنهاء نشاطه المسلح، بسبب مشكلاتها وتقاطعاتها مع تركيا.

كذلك؛ مما لا خلاف عليه هو أن المسارات كلها، بمخرجاتها الإيجابية والسلبية، لابد أن تنعكس على العراق الذي يتمركز على أراضيه الآلاف من مقاتلي حزب العمال مع عائلاتهم، والآلاف من الجنود الأتراك في عشرات القواعد والمقرات العسكرية والاستخباراتية الدائمة والمؤقتة، يضاف إليه الثقل والتأثير والحضور السياسي والمجتمعي لكلا الطرفين المتصارعين، في مساحات غير قليلة من الجغرافيا العراقية في الشمال.

خلاصة القول، ملف حزب العمال في حال أغلق تمامًا، سيتطلب ذلك وقتًا طويلاً، وخلاف ذلك، ستبقى الأمور تدور في حلقة مفرغة، كما في السابق، وسيبقى العراق، شاء أو أبى، ساحة الصراع الأكبر بين أنقرة وبقايا حزب العمال وتشظياته.

المصدر : العهد
الكلمات المفتاحية
مشاركة