نقاط على الحروف

لم تكن الغارات "الإسرائيلية"، ليلة أمس، على الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت بلا مؤازرة "محليّة"، فقد سبقتها ورافقتها وتلتها غارات مماثلة، ولكن بذخيرة "إعلامية" لا تقلّ إرهابًا وهمجيةً عن تلك التي أسقطتها الطائرات الحربية فوق المباني السكنية في الضاحية..
ليلة أمس، ليلة العيد، وفي ما كان أهل الضاحية يتّجهزون للعيد، والذي رغمًا عن أنف العدا والقهر سيظلّ محطّة للفرح والصمود، حلّ خبر التهديد كصاعقة إرهاب: أربعة أحياء سكنية، تضمّ مئات العائلات الآمنة، دخلت دائرة الاستهداف؛ وكان على سكّانها أن يغادروها في غضون دقائق: عوائل وأطفال وكبار سنّ، كان بعضهم نيامًا تعرّضوا لهذا الوابل من الترهيب، ودخلوا في سباق مع الوقت كي يحتموا من الهمجية الصهيونية التي ارتأت، وبغطاء دوليّ وإعلاميّ محليّ - مع الأسف - أن تستهدف بيوتهم وأحياءهم في هذا اللّيل.
بدأت الغارات؛ وكان دويّها يؤدي إلى ما يشبه الهزّات الأرضية المتتالية في بيوت الضاحية كلّها.. مبانٍ سكنية سُوّيت بالأرض بثوانٍ معدودة، فقط لأن مزاج الإرهاب الصهيوني الأميركي اختارها كي تكون مصبّ ناره في ليلة العيد: ذريعته الواهية أسقطها الجيش اللبناني؛ ولكن لم يغيّر واقع إسقاطها في قرار العدوان شيئًا: فقد واصل "الإسرائيلي" شنّ الغارات، ومعه واصلت MTV وصوت بيروت انترنتشونال وقناة الحدث وغيرهم، اختلاق الذرائع لها في تغطية إعلامية أقلّ ما يمكن وصفها به بالمعادية..
وإن يظنّ المرء أنّ أوقح ما قد يسمعه، في ليلة مماثلة، هو أن يقول وزير الحرب "الإسرائيلي" إن الحكومة اللبنانية تتحمّل مسؤولية منع خرق وقف إطلاق النار، فيذهله أن بعض الإعلام اللبناني بدا ملكيًا أكثر من الملك!. .إذ على وقع العدوان على البيوت، والتي يعرف العدوّ قبل الصديق أنّها شقق سكنية لا تحوي أيّ شكل من أشكال النشاط العسكري، والتي فحصها الجيش اللبناني بعد تواصل بين الحكومة اللبنانية والأميركيين لتأكيد خلوّها من أيّ سلاح، كانت MTV تروّج لكذبة أن المباني المهدّدة بالاستهداف التي صارت الآن ركامًا هي مصانع مسيّرات، وتستنطق السفير الأميركي السابق ديفيد هيل كي تحمّل مسؤولية ما يجري لحزب الله وتتهمّه بخرق وقف إطلاق النار كونه لم يقبل بنزع سلاحه! ثمّ تأتي بالنائب إلياس اسطفان كي يكمل المشهد ويشنّ غارات تضليلية تبرّىء "الإسرائيلي" من دمنا..
هل اكتفت بهذا الكمّ الوقح من التضليل؟ أبدًا، استحالت إلى منصّة تنقل حرفيًا كلّ ما يرد عبر الإعلام "الإسرائيلي"، وتسوّق له كأنّه حقيقة لا تقبل الشكّ.
على خطّ موازٍ، قامت "صوت بيروت انترناشونال" بالدور نفسه: نقل ما يُقال على منصات العدوّ من ذرائع للعدوان، وكأنّها مسلّمات ووقائع، في محاولة لتصوير هذا الإرهاب المشهود على أنه إجراء طبيعي ومحقّ! لم يكلّف المحرّر نفسه، في هذه الإذاعة، عناء التعليق على ما ينقله من أضاليل وأكاذيب وتهديدات، أقلّه على سبيل الادّعاء أنّه يرفض أو يستنكر هذا العدوان. على العكس، بدا الناقل "أمينًا" على المحتوى المعادي؛ فقدّمه كحقيقة ساطعة! وكذلك فعلت، كعادتها، قناة الحدث، إذ استلمت زمام التغطية التي يريدها العدوّ لإرهابه هذا. تسويغ واختلاق ذرائع وتعمية عن الحقيقة، وهذا كلّه في إطار تحميل المقاومة مسؤولية العدوان الذي يتعرّض له أهلها على مرأى العالم كلّه.
وكما قنوات الإعلام التي اعتدنا على خطّها المعادي؛ كذلك بعض الحسابات على منصّات التواصل التي كانت تهلّل للقصف بوقاحة تتمادى: لم يبلغ إنسان هذا الدرك من الوقاحة والحقارة في آن، أن يبهجك قصف مواطنين لبنانيين في بيوتهم؛ يعني أنّك بالكامل في معسكر العدو، ولو بصفة حاقد أعماه حقده حتّى عن كونه إنسانًا!
الآن، لا يغيّر الحديث في طبيعة عمل هذا "الإعلام" شيئًا، إلّا أنّه يضع المعنيين بالعمل الإعلامي كافة في لبنان، ولا سيّما المسؤولين فيه، أمام وجوب القيام بإجراءات صارمة تمنع حاملي الهويّة اللبنانية من التطبيل والتعاون مع العدوّ، وفقًا للقوانين النافذة والمرعية الإجراء في لبنان، والتي تجرّم التعاون مع العدوّ بأي شكل من الأشكال.
إنّ وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام والنواب المعنيون مطالبون، اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى بوضع حدّ لهذه المهزلة المعادية، على الأقل حفاظًا على صورة لبنان وتماهيًا مع الموقف الرسمي والشعبي الرافض لهذا الإرهاب الذي تتعرّض له قرى الجنوب والبقاع والضاحية، على الرغم من التزام لبنان، وبشهادة العالم، ببنود إعلان وقف إطلاق النار!