عين على العدو

قال الصحافي الاستقصائي، في صحيفة "هآرتس الإسرائيلية"، غيدي فايتس: "إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قال لأحد محاوريه في الأيام التي قُدّمت فيها لائحة الاتهام ضدّه في قضايا الألف (قضايا تحقيق جنائي ضد نتنياهو، 1000، 2000، 4000) إن: "الدولة العميقة" ورأس الحربة فيها النيابة العامة أخطر من حزب الله، وربما حتى من إيران".
وأضاف: "بالفعل، الحملة الحالية لا تدفعه هو ومبعوثيه للتخلي عن المشروع الذي قام من أجله الائتلاف: السيطرة على الشرطة وعلى الشاباك وعلى الجهاز القضائي ووسائل الإعلام، وردع ممنهج للمعارضين والمنتقدين، وإخضاع كامل للعدو الداخلي".
ولفت إلى أن: "خطة عزل المستشارة القانونية للحكومة لم تُلغَ، ونتنياهو مصرّ على تعيين رئيس الشاباك القادم، على الرغم من تضارب المصالح الصارخ الذي يواجهه بسبب التحقيقات ضدّ مقربيه في قضايا قطر".
وتابع أن: "نتنياهو قال لمحققي الشرطة حين واجهوه بأنه كان على علم بخط إمداد صناديق "الشمبانيا" من أصدقائه الأثرياء لزوجته، "أنا أعدّ الصواريخ، لا الزجاجات". وهذه العبارة الساخرة تهدف إلى تقديمه كما يحاول تسويقه لنفسه هذه الأيام: "قائد يفكر بأمور كبرى، غارق كليًا في ضمان بقاء الشعب اليهودي، وليس بأمور تافهة مثل من اشترى له ولزوجته السيجار والشمبانيا والمجوهرات"؛ وفقًا لزعمه.
وأردف: "لكن مراجعة سلوك نتنياهو، في السنوات الأخيرة، تثير الشك بأن الهجوم على إيران لم يكن فقط لإزالة التهديد الصادر عنها أو لمحو عار 7 تشرين الأول/أكتوبر، لقد شكّل الائتلاف وقاعدته الجماهيرية حول هدف واحد واضح: تدمير المؤسسات التي حققت معه وقدّمته للمحاكمة، والتي تقيّده، فيما النتيجة المرجوة بالنسبة إليه ستكون الإفلات من محاكمة "الألف" بأقل خسائر ممكنة، ومع التوافق شبه الكامل حيال الحرب، فإن الطريق إلى ذلك قد تختصر".
وأكد فايتس أن: "غريزة الانتقام عند نتنياهو من كل من يُزعم أنه تآمر عليه، كانت ولا تزال الدافع الأقوى على الإطلاق، وليس من قبيل الصدفة أنه استخدم ضدهم مصطلحات مخصّصة للأعداء من الخارج، ففي آذار/مارس 2023، عندما اجتاحت البلاد موجة احتجاجات ضد الانقلاب القضائي، وبعد تجمهر قرب صالون التجميل الذي كانت فيه زوجته، تقرر عقد لقاء أسبوعي بين نتنياهو ورئيس الشاباك، رونين بار. وفي ذلك اللقاء، كما علمت صحيفة "هآرتس"، قدّم رئيس الحكومة بعض قادة الاحتجاج ضده كما لو كانوا نشطاء إرهاب، وادعى أنهم يريدون تغيير "جوهر الدولة" (وفقًا لتعبيره)، وفي تلك المناسبة أوضح لبار أنه إذا وقعت "إسرائيل" في أزمة دستورية، فعليه أن يطيعه: "المحكمة العليا ليست القائد للشرطة، الشاباك، الموساد أو الجيش"".
فايتس أشار إلى أن: "خريطة الطريق التي يتبعها نتنياهو تُظهر عبثية محاولته تأطير الحرب ضد إيران، في صراع شبه توراتي بين أبناء النور وأبناء الظلام، حيث "إسرائيل" هي رأس الحربة في مواجهة الديكتاتوريات القمعية. وفي السنوات الأخيرة، قوّض نتنياهو كل الأسس التي تُعرّف النظام الديمقراطي، ومنها العلاقة بين ثقة الجمهور بالقائد ومنحه الصلاحية لتوجيه "إسرائيل" نحو تضحيات هائلة، واضطراب تام في الحياة، وقلق جماعي، وضحايا بشرية، عندما كان نتنياهو في المعارضة، هاجم يتسحاق رابين "المنغلق" الذي نفّذ خطوات تاريخية من دون دعم جماهيري قائلًا: "ليخرج إلى المفترقات، ليخرج إلى الشوارع، ويسمع الموجة الهادرة". أما هو، فقد انطلق إلى الحرب متجاهلًا تلك الموجة، بينما يقود مجتمعًا مكونًا منذ البداية من قبائل متنازعة، تعيش حربًا أهلية باردة كان حريصًا على تأجيجها بجنون لتخدم أهدافه".
وقال إنّ: "قدوته التي تحولت إلى "كليشيه" مهترئة، ونستون تشرشل، تمتع خلال الحرب العالمية الثانية بنسبة دعم بلغت نحو 80%، كذلك كان الحال مع قدوة أخرى له، فرانكلين روزفلت، عندما دخل الحرب في العام 1942، بينما نتنياهو لم يحتج إلى مثل هذا الدعم لجر "إسرائيل" إلى واحدة من أكثر المغامرات العسكرية طموحًا في تاريخها".
ورأى فايتس أنه: " "في "دولة" (كما أسماها) عاقلة، كان نتنياهو يُعزل بعد أيام من 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وكان آخرون يحاولون إصلاح الكارثة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي نشأت خلال سنوات حكمه الأبدي، فالفكرة بأن من ارتكب أخطاءً مميتة هو من سيصلحها بنفسه، فكرة باطلة من أساسها".
وسأل بشكل بلاغي: "من منا يثق بتسليم نفسه لجرّاح أخفق في عملية؟ من يصعد إلى حافلة يقودها سائق تسبب سابقًا بحادث مميت؟ سائق الحافلة نتنياهو لم يرفع يديه عن المقود لحظة واحدة، منذ الحادث الأكثر دموية في تاريخنا، حتى عندما بدا أن السقوط لا مفرّ منه، نجاته، بموهبة سياسية استثنائية، فاجأت حتى أقرب الناس إليه".
وأضاف: "الآن، يقف نتنياهو وحيدًا على القمة، بلا معارضة تتحداه، بينما رؤساء المؤسسة الأمنية لا يجرؤون على النطق بكلمة اعتراض".
وختم: "ظهوره العام المفعم بالسرور هو جرس إنذار لكل من يتذكر إلى أين اندفع بعد انتصاراته الانتخابية في 2015 و2022، والسيطرة على أجواء طهران، والتي تثير الآن الإعجاب العام، هي ستار دخاني مخدّر ومخادع، وتعاظمه، قد يدفعه هو وشركاؤه إلى الانقضاض على ما تبقى من الديمقراطية وإتمام مشروعهم الكبير، ومن المشكوك فيه أن تكون إيران نووية خطرًا أعظم من ذلك على "إسرائيل"".