مقالات

من يتابع مسار المواجهة والعمليات العسكرية في غزة مؤخرًا، يجد أن مستوى عمليات المقاومة ضد وحدات الاحتلال التي تنفذ عملية "عربات جدعون" قد ارتفع بشكل لافت وصادم، كمًّا ونوعًا، وليتكبد العدو بنتيجة هذا الارتفاع في عمليات المقاومة يوميًا، أعدادًا كبيرة من الخسائر البشرية بين قتلى ومصابين
وبشكل تصاعدي تقريبًا، تجاوز معدل خسائره خلال مسار العدوان على غزة، منذ عملية طوفان الأقصى وإطلاق العدو حربه ردًّا عليها.
فكيف تدير المقاومة مناورة المواجهة ضد جنود العدو حاليًا؟ وما أسباب هذا الارتقاء في عملياتها ؟
بداية، لناحية مناورة المقاومة القتالية حاليًا، من الواضح أن السمة الرئيسة لها، تقوم على تنفيذ العمليات المركبة، إذ يتم أولًا تفجير العبوات الناسفة بوحدات العدو المنتقلة بالآليات المدرعة أو بعناصر المشاة المتوغلة سيرًا، وذلك كمرحلة أولى؛ ليكون الاشتباك المباشر وإطلاق النار والقذائف الصاروخية ضد العناصر التي تفر من انفجارات العبوات إلى المنازل أو ركام المنازل القريبة، وذلك كمرحلة ثانية، لتأتي المرحلة الثالثة والاخيرة من العملية، وهي عبارة عن إغارة صاعقة على مجموعات الإخلاء التي تهرع لنجدة العناصر المستهدفة في المرحلتين الأولى والثانية.
وفي هذا السياق، جاءت عملية بيت حانون الأخيرة، والتي سقط فيها للعدو خمسة قتلى وأكثر من خمسة عشر مصابًا، بعضهم حالتهم ميؤوس منها؛ لتشكل أحد النماذج اللافتة لهذه العمليات المركبة.
الجانب الآخر من مناورة المقاومة ضد وحدات العدو، يقوم على تنفيذ عمليات استثنائية وغير مألوفة عادة لدى الجيوش والمجموعات المقاتلة، وذلك بتنفيذ أحد المقاومين وَثْبة سريعة والوصول إلى آلية مدرعة مباشرة حتى مسافة صفر، ووضع عبوة العمل الفدائي أو عبوة الشواظ في فتحة السائق أو في فتحة آمر الآلية، لتنفجر داخلها مسببة سقوط أغلب طاقمها بين قتيل وجريح.
ما يميز تنفيذ الإجراءين أعلاه: تفجير العبوات الناسفة بالمجموعات المنتقلة، أو وضع العبوات الخاصة في فتحات الآليات المتوقفة، أنها توَّثَّق بشكل احترافي، تصويرًا حيًّا بالصوت وبالصورة، منذ التخطيط للعملية حتى انتهائها وانكفاء عناصر المقاومة، مرورًا بمراحل التنفيذ كافة، وليكون هذا التوثيق أحد أهم عناصر العملية تأثيرًا، عسكريًّا ومعنويًّا.
أما لناحية أسباب نجاح المقاومة في تنفيذ هذه العمليات القاتلة ضد وحدات العدو، بشكل متكرر وبشكل متصاعد، فهناك أسباب متعلقة بمناورة المقاومة، وأسباب أخرى متعلقة بنمط عمل وحدات العدو.
لناحية الأسباب المرتبطة بارتقاء مستوى مناورة المقاومة؛ يمكن الإشارة إلى أهمها، وهي:
- ثبات عناصر المقاومة في المواجهة وارتفاع مستوى التزامهم بقتال العدو، رغم الضغوط الهائلة والإجرام غير المسبوق الذي يمارسه العدو، تدميرًا وقتلًا، وخاصة بحق أهاليهم المدنيين الجائعين.
- اكتساب هؤلاء المقاومين، نتيجة مرور فترة طويلة من الحرب لامست السنتين تقريبًا، خبرة قتالية ملحوظة، جعلتهم يبرعون في تنفيذ عمليات المواجهة المباشرة والقتال المتقارب ضد وحدات العدو.
- أصبح هؤلاء المقاومون، ومع استمرار الحرب، يفهمون جيدًا طريقة قتال وحدات العدو، المدرعة أو وحدات المشاة، الأمر الذي ساعدهم على اختيار التوقيتات والإجراءات المناسبة للإطباق عليهم وتنفيذ العمليات المنتجة والناجحة.
أما لناحية الأسباب المرتبطة بتراجع المستوى القتالي لدى وحدات العدو، فيمكن الإشارة إلى أهمها، وهي:
- اليأس الذي أصاب وحدات العدو، قيادة وضباطًا وجنودًا، بسبب امتداد أمد الحرب دون تحقيق أيٍّ من أهدافها الأساسية، ولكونها أصبحت دون أفق من الناحيتين العسكرية والميدانية، مع مراوحة وحدات العدو المهاجمة مكانها، حيث أخذت خسائرها البشرية تتراكم وتتزايد، دون أن يقابلها أي إنجاز ذي قيمة عسكرية أو ميدانية على الأرض، ليكون إنجازها فقط (في مفهومها العدواني) إسقاط أكبر عدد من المدنيين وخاصة من الأطفال والنساء.
- الخلافات الحادة التي ظهرت مؤخرًا للعلن، بين المستويين السياسي والعسكري، وخاصة الخلاف الفاضح بين رئيس أركان جيش العدو وبين نتنياهو، والذي جاء على خلفية إصرار الأخير على إكمال عملية "عربات جدعون" رغم وصولها إلى طريق مسدود، ورغم استحالة تحقيقها الأهداف الموضوعة لها، ورغم النزف القاتل في أرواح الضباط والجنود دون أي جدوى ميدانية أو عسكرية.
فإلى أين يمضي نتنياهو في غطرسته المدمرة لجيشه، والقاتلة والمدمرة لغزة ولأبنائها؟ وهل ينجح هذه المرة الرئيس الأميركي في فرض التسوية التي تنهي حربًا عنيفة دون أفق، والتي هي عمليًا، خشبة خلاص سوف تنقذ كيان الاحتلال من مسار النزف الذي يقوده نتنياهو نحو الانهيار؟