اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي بيرم: أين وزارة الخارجية من التهديدات الأميركية؟

مقالات

التوغل الصهيوني في قبرص.. توسع أم هجرة وهروب جماعي؟
مقالات

التوغل الصهيوني في قبرص.. توسع أم هجرة وهروب جماعي؟

114

مع صمود المقاومة والتمسك بالحق التاريخي، تظل الحقوق حاضرة والحقائق جلية مهما حاول الكيان طمسها تاريخيًّا، وهو ما اتضح مؤخرًا من عنوان أبرز صحيفة قبرصية دقت جرس الإنذار حول التغلغل الإسرائيلي في قبرص، وكان العنوان لافتًا ومذكرًا بالحق الفلسطيني، حيث جاء على النحو الآتي: " كأنها أرض موعودة أخرى… لماذا يشتري اليهود الأراضي في قبرص؟".

وما يجعلنا نقول، إن المقاومة هي التي أجبرت أكبر صحيفة في بلد من أكبر أصدقاء الكيان وحلفائه على التذكير بالحق الفلسطيني، هو أن ضربات المقاومة منذ طوفان الأقصى بجبهاتها كافة، هي التي دفعت الصهاينة للهروب إلى قبرص، وهو ما تكثف مؤخرًا تحت وابل الصواريخ الإيرانية، كما أن هذه الضربات والمستقبل الغامض للكيان أدَّيا إلى انكباب الصهاينة على شراء الأراضي والعقارات، وهو ما يوحي بأنه إعداد لوطن احتياطي أو بديل.

وحتى لا يكون الكلام من منطلق الأماني والتحليلات الانطباعية، فلا بد من استعراض التقارير القبرصية والإسرائيلية، وكذلك إلقاء الضوء على بعض الحقائق والإحصائيات التي تؤكد الحالة البائسة للكيان رغم الادعاءات الفارغة بالنصر وبأن "إسرائيل" أقوى من أي وقت مضى، كما جاء على لسان مجرم الحرب الكذوب نتنياهو.

أولًا: التقارير التي تفيد بنفور الصهاينة من الكيان

هناك جملة من التقارير التي صدرت لرصد القلق القبرصي من تصاعد شراء الأراضي بشكل مريب، ويمكن استعراض أبرزها بشكل موجز:

1- تقرير أبرز صحيفة قبرصية "بوليتس"، عن تصاعد شراء الإسرائيليين للأراضي والمنازل في قبرص، أشار صراحة إلى زيادة الوتيرة بعد انطلاق المواجهة الأخيرة بين "إسرائيل" وإيران، ولفت إلى نشاط حركة حباد اليهودية في المنطقة، وهي إحدى المنظمات المتطرفة والاستيطانية، والتي ينتشر أعضاؤها في عدة دول، منها الولايات المتحدة وفرنسا وكندا، إضافة إلى الإمارات التي أنشؤوا فيها المركز المجتمعي اليهودي الذي يحوي كنيسًا ولفائف من التوراة.

2- التصريحات القبرصية لفتت إلى حالة تسلل مشابه لما حدث في فلسطين، وهو ما يرمي إلى وطن بديل، وكان لافتًا كلام ستيفانوس ستيفانو، الأمين العام لحزب أكيل اليساري، وهو أكبر أحزاب المعارضة في قبرص، والذي قال، إن الإسرائيليين يشترون الأراضي في بلاده بشكل غير خاضع للرقابة، وقال: إن "بلدنا يُنتزع منا… إسرائيل تحتلنا".

وخرجت منشورات حزب أكيل على وسائل التواصل الاجتماعي لتقول عبارات مثل: "إسرائيل الجديدة، والدولة الجديدة التي احتلتها إسرائيل".

3- جملة من البيانات الحكومية القبرصية ربطت الظاهرة مباشرة بأزمة الكيان، سواء الحربية أو السياسية عند أزمة التعديلات القضائية، حيث قالت البيانات، إن الإسرائيليين أصبحوا الآن رابع أكبر مجموعة من المشترين الأجانب - بعد البريطانيين والروس في بافوس وخلف اليونانيين والروس في ليماسول – كما شهد الحضور الإسرائيلي في قبرص تصاعداً لافتاً، إذ ارتفع عدد العائلات المقيمة من 2000 إلى 3500 بعد السابع من أكتوبر، ليصل عدد الإسرائيليين إلى نحو 15 ألف شخص، كما أن بعض التجمعات السكنية بدأت تخرج عن الطابع الفردي أو السياحي، وتتحول إلى نواة اجتماعية ودينية شبه متكاملة.

كما رصدت التقارير استغلال السياحة في الاستكشاف والتسلل، حيث قالت في هذا الصدد، إن قبرص أصبحت وجهة مفضلة للسياح الإسرائيليين، حيث زارها أكثر من 411 ألف إسرائيلي خلال عام 2024، ما يجعلهم ثاني أكبر مصدر للسياحة بعد البريطانيين، ورغم الطابع المؤقت الذي يؤكده بعض الوافدين، فإن الحضور الإسرائيلي آخذ في الترسخ والتوسع.

وقالت، إن التصاعد تزامن مع التعديلات القضائية المثيرة للجدل عام 2023، وكل هذا يؤكد نفور الصهاينة من الكيان وتطوراته، وما صاحب هذه التعديلات من تحول الكيان للقمع والديكتاتورية الصريحة.

4- نقلت التقارير كلامًا صريحًا عن أسباب الهجرة، إذ نقلت عن الحاخام آري راسكين، أحد وجوه الجالية اليهودية في قبرص قوله، إن الكثيرين غادروا "إسرائيل" بحثاً عن "مكان أكثر هدوءًا وأماناً"، مستغلين فرص العمل عن بُعد، كما اعتبر آخرون قبرص نقطة عبور للهروب من القبضة الاجتماعية والدينية للكيان.

وهو دليل على الفشل الاقتصادي للكيان وتحوله لبلد طارد لسكانه، وكذلك الفشل الاجتماعي وتغلغل الانقسامات فيه.

ثانيًا: لماذا قبرص؟ ودلائل كونه وطنًا بديلًا

هناك عدة حقائق تقول بأن هذه الظاهرة تعبر عن قلق وضبابية تغلف مستقبل الكيان، بعد اهتراء الوضع الداخلي وافتقاد الأمن، والذي يعد العامل الأبرز في جذب المستوطنين، وهو ما تم نسفه بالبقاء الدائم في الملاجئ، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية المتلاحقة بسبب الحرب والخراب اللاحق بالاستثمارات، وخلو الشمال على الحدود مع لبنان، وهو أكبر المناطق الصناعية، وضرب سمعة الشركات الناشئة في الوسط ومنطقة غوش دان "تل أبيب الكبرى"، ويمكن رصد هذه الشواهد تاليًا:

أولًا: قبرص تشكل تاريخيًّا حليفًا قويًّا للكيان ولا تشكل خطرًا يستدعي توسيع الكيان على حسابها وما يترتب على ذلك من استعداء لصديق دافئ، حيث تسمح قبرص بوجود عناصر من "الموساد" و"الشاباك" في مطارات بافوس ولارنكا، وهو ما يعكس عمق التعاون بين الطرفين.

ثانيًا: الجزيرة القبرصية كانت من بين المواقع المرشحة لإقامة وطن قومي لليهود، إلى جانب أوغندا والأرجنتين، وذلك قبل استقرار الاستعمار على اختيار فلسطين كموقع للمشروع الصهيوني.

كما صدرت مبادرة عن الإسرائيلي يوسف لاوفر، تنحو لإقامة بؤرة استيطانية في قبرص، وقد سوَّغ مبادرته هذه باستدعاء التاريخ، إذ قال، إن الجزيرة تقع ضمن ما أسماه "حدود دولة إسرائيل الكبرى"، والتي تمتد لتشمل سيناء، جنوب لبنان، جنوب تركيا، وشرق البحر المتوسط. وقال، إن رؤيته تماثل تجربة الاستيطان في فلسطين، واستدعى لاوفر التاريخ اليهودي في قبرص، مشيراً إلى وجود طوائف يهودية استوطنت الجزيرة بين عامي 1883 و1939، بهدف إعطاء طابع "تاريخي" لفكرته الاستيطانية.

ورغم صياغة المبادرة باعتبارها توسعية فإنها قوبلت بهجوم شديد وعريض ممن عدُّوها مبادرة أزمة لا مبادرة توسُّع، إذ تم وصف مروِّجيها بالخونة للحلم الصهيوني.

ثالثًا: تشكل القواعد العسكرية الوطنية والأجنبية في قبرص ولا سيما القواعد البريطانية والأميركية، مركزًا لجمع المعلومات الاستخبارية وشبكة مراقبة لمنطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط، واستخدمت القوات الأميركية والبريطانية القواعد العسكرية في قبرص كمركز انتشار؛ لتنفيذ عمليات واسعة شملت دولًا إقليمية، بما فيها سورية والعراق وأفغانستان وليبيا واليمن.

كما تخدم هذه القواعد المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة عبر التعاون العسكري والاستخباراتي، ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، تدعم القوات الأميركية والبريطانية "إسرائيل" في العدوان الذي تشنه على قطاع غزة، وتزودها بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، مستخدمةً قاعدتي أكروتيري وديكيليا.

وهو ما جعل الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله يصدر تحذيرًا مباشرًا  للحكومة القبرصية من مغبة فتح المطارات والقواعد القبرصية لإسرائيل إذا قررت شن حرب على لبنان. 

كما تفيد التقارير بأن القوات البريطانية والأميركية تدعم الهجوم الذي تشنه "إسرائيل" على غزة بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية من قاعدتي أكروتيري وديكيليا، وأن الولايات المتحدة تنقل أسلحة إلى "إسرائيل" من مختلف أنحاء أوروبا باستخدام قاعدة أكروتيري.

وبالتالي فلا حاجة للتوسع الصهيوني والاحتلال؛ بدليل عدم امتلاك "إسرائيل" أي مرافق عسكرية في قبرص، واكتفائها بالارتباط بعلاقات عسكرية ومعاهدات أمنية مع قبرص وبريطانيا وأميركا، مما يخولها الاستفادة بفاعلية من القواعد العسكرية في الجزيرة.

وهو ما يؤكد أن هذا التدافع نحو قبرص هو نوع من الاحتماء بأميركا وبريطانيا، على غرار الاحتماء بالانتداب البريطاني لفلسطين وتوغل العصابات الصهيونية تحت جناحه وقضم فلسطين قطعة تلو أخرى.

إن هروب الصهاينة في أثناء الحرب مع إيران وما سبقه من بدايات رصدتها التقارير عند بداية طوفان الأقصى، وكذلك عند أزمة التعديلات القضائية وما صاحبها من احتجاجات، هو خير دليل على فشل المشروع الصهيوني وبداية انهياره وفقدانه لعامل الجذب الاستيطاني، وبالتالي هو هروب جماعي وليس توسعًا باتجاه "إسرائيل الكبرى"؛ بدليل حرص الكيان على منع الهجرة وحبس المستوطنين، وانزعاج الحكومة الصهيونية من الفرار إلى قبرص، وإلا لكان الكيان اتخذ الحرب ذريعة لتشجيع الهجرة والاستيطان والتسلل، فيما الواقع يقول، إنه احتماء بالقوى الأمريكية والبريطانية التي تحتل قبرص عمليًّا.

الكلمات المفتاحية
مشاركة