اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي طلاب الشهادة الثانوية في البقاع يستكملون امتحانهم على وقع الغارات الصهيونية

نقاط على الحروف

برّاك نجم الإعلام المتأمرك
نقاط على الحروف

برّاك نجم الإعلام المتأمرك

87

منذ زيارته الأخيرة إلى بيروت حتّى الساعة، يملأ المبعوث الأميركي توم برّاك دنيا الإعلام المتأمرك في لبنان، ويُشغل الناس، تارّة بتصريح إلى صحيفة، يعود ويوضحه عبر "تغريدة"، وطورًا بمواقف متفرّقة حول الملف اللبناني. ولا حاجة لبرّاك طبعًا بمنصّة إعلامية خاصّة تنقل مواقفه وتصريحاته وتفنّدها وتحلّلها وتؤولها، فبعض المحطات والصحف اللبنانية تقول له في هذا المجال لك صدر مساحات الخبر ولكلّ خبر سواك "العتبة". هذا بالضبط ما يُرى على شاشة MTV وصفحات نداء الوطن: همسات برّاك قبل كلماته تحتلّ الهواء وتُسيّل في الحبر. وقد بلغ الأمر أحيانًا حدّ دخول المؤسّستين في طيّات بال الرجل، لنقل ما يجول فيه، أو ما يدور في ذهنه وخياله.

طبعًا، توم برّاك اليوم ليس مجرّد شخص أو مبعوث دبلوماسيّ، هو تجسيد وتجلّي الولايات المتحدة الأميركية في عين عبيدها، المؤمنين بوحدوية قيادتها للعالم، الخاضعين لسطوتها، والرافعين كراماتهم قرابين لمرضاتها، والساجدين عند نوافذ أوامرها، والباكين عندها بكاء المتذلّلين. توم برّاك، بالنسبة لهؤلاء، هو حامل الرسالة الأميركية، المبشّر بشروطها وأحكامها. تؤخذ تصاريحه ومواقفه وهمساته ولمزاته على أنّها أحكامٌ مبرمة لا سبيل للاعتراض عليها، ولا يصحّ فيها إلّا التسليم المطلق. وبناء على ذلك، تتولّى كلّ من المؤسستين المذكورتين أعلاه دور الناقل المباشر لكلّ ما يصدر عنه، كي لا يفوت السيادة اللبنانية ذرّة من تقريع أو تحقير أو استباحة.

وفي اجتهاد إعلاميّ واضح، بل فاضح، تقوم الجريدة التي تحوّلت إلى مسلسل مكتوب بطله توم برّاك مع زميلتها الشاشة المتفانية في الوفاء بعهد الأمركة، بتقديم شروحات وتحليلات وانطباعات عن أنفاس برّاك، مستفيضة في ترجمتها إلى تهديدات واضحة قد لا تكون مرّت في ذهنه أساسًا. بناء على ذلك، إذا أردتَ الاطلاع على صورة حقيقية للاحتلال الأميركي والأدلّة عليه، ما عليك سوى مشاهدة MTV أو تصفّح "نداء الوطن!".

في هذه الأيام المباركة التي نستعيد فيها ذاكرة نصر تمّوز ٢٠٠٦، ونعيش خلالها تمامًا في عين عاصفة الاعتداءات الأميركية "الإسرائيلية" المتواصلة على لبنان، لم يخرج الإعلام المتأمرك عن عادته؛ وإن كان ناقل الكفر ليس بكافر، فناقل الخبر الذي يقدّم الأميركي كمخلّص للبشرية والصهيوني كحملٍ وديع والتكفيريّ كرجل دولة وقانون هو حتمًا كافر بأرضه، مرتدّ عن شرفه الوطني، ومرتزق يعمل كبوق في خدمة دولة معتدية.

ضجةٌ كبرى أثارتها تصريحات برّاك إلى صحيفة "ذا ناشيونال" الإمارتية نهاية الأسبوع المنصرم، والتي لمّح فيها إلى احتمالية ضمّ لبنان إلى الدولة السورية، وقد أخذت حيّزًا واسعًا من اهتمام ذوي السيادة الانبطاحية بحيث استثارتهم حدّ رفع الصوت عاليًا، لا ضدّها طبعًا، بل ضدّ سلاح حزب الله، على اعتبار أنّ هذا التلويح الأميركي هو ردّ فعل طبيعيّ على عدم نزع السلاح، وبالتالي علا الصوت المطالب بالاستعجال بنزعه إذعانًا للشرط الأميركي وإلّا تفقد خارطة العالم الجزء المخصّص منها لاسم لبنان. ولأنّ لكلّ أسبوع مادته البرّاكية، تلقّفت الوسائل الإعلامية المغرقة في مستنقع الأمركة تصريحات جديدة له، يقول فيها إنّ "الجماعة المسلحة التابعة لحزب الله هي المنظمة الإرهابية التي نواجه معها المشكلات"، وإنّ "الأسلحة التي نريد من حزب الله التخلي عنها هي تلك التي تهدّد إسرائيل" وإن "الخوف من نزع سلاح حزب الله ومنع الحكومة لهذا الأمر قد يؤدي إلى حرب أهلية".

هذه الجمل الثلاث احتلّت مساحات الخبر في المؤسسات الإعلامية التي سبق ذكرها، صارت هي المادّة الأدسم التي تحوم حولها كلّ الأقلام الحائزة على شهادات حسن سلوك من عوكر، مذيّلة بعبارة "عليك أن تثابر أكثر". ولأن من طبيعة دور هذه المؤسّسات نقل الخبر الأميركي وتفنيده في قالب تهديديّ وتحريضيّ ومضلِّل، كان من البديهيّ ألّا يتحسّس هؤلاء من وضوح الانتهاك الفاضح لأدنى مقوّمات الشرف الوطني، ولعلّ من الواجب تقديم كلمة شكر لتوم برّاك على وضوحه وأسلوبه المباشر الذي يُظهّر الهيمنة الأميركية على البلد وكذلك على عقول من باعوا نفوسهم في سوق نخاسة يُسمّى"الشروط الأميركية"، فبالنسبة للجملة الأولى والتي تتحدّث عن "جماعة إرهابية مسلّحة" يواجه الأميركي معها المشكلات، فمن البديهي فهم المقصود المتمثّل بأن لا بأس بتسلّح كافة المكوّنات اللبنانية وغيرها ما دامت لا تعادي أميركا، وأنّ السلاح ممنوع فقط على من يعاديها؛ بمعنى آخر، ينبغي نزع سلاح من يعادون أميركا و"إسرائيل" كي يتسنّى لأطراف مسلّحة أن تقضي عليهم. وتأكيدًا للفكرة، ذهب برّاك إلى الجملة التالية القائلة صراحة بوجوب تسليم السلاح الذي يهدّد "إسرائيل". هنا يقول بوضوح ألّا مشكلة بسلاح خار

لنعد قليلًا في مسار الضغط الأميركي على لبنان في الأشهر الأخيرة، ونلحظ أنّ التهديدات تصاعدت: لا وقف للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة إلّا بعد نزع سلاح المقاومة، لا إعادة إعمار إلّا بعد نزع سلاح المقاومة. عدم نزع السلاح سيؤدي إلى إلغاء وجود لبنان. عدم نزع السلاح سيؤدي إلى حرب أهلية في لبنان. سياق واضح ومحاولات ضغط متكرّرة، لا تدوس رأس السيادة فحسب، بل تهدّد مباشرة بحرب أهلية. ولأن مسرّة الإعلام المتأمرك تكمن في ترجمة هذه الضغوط إلى تهويل وتهديد ووعيد، بدا لافتًا أنّ هذه التصريحات والمواقف التي تنتهك الأصول الدبلوماسية والعلاقات الدولية وبديهيات الشرف الوطني قد حلّت على قلوب المتأمركين المتعطشة لتنفيذ الأوامر الأميركية كقطرات ماء منعشة، فهبّوا ينقلون التهديد ببهجة من يستعجل إشعال النار في بلده، ظنًّا منه أنّه إن فعل ذلك وواصل عمله في صفّ المعسكر المعتدي، لن يحترق في جمرها ولن يطاله لهيبها.

في الواقع، هؤلاء لا ينبطحون بصمت أمام الأوامر الأميركية، بل يستنفرون كلّ طاقتهم في معاداة من لا ينبطح مثلهم، ويطالبونه بالخضوع غير المشروط حتّى، علمًا أنّهم لو تفكّروا قليلًا لفهموا أن من تسمّيهم أميركا اليوم وعلى لسان برّاك "جماعة إرهابية مسلّحة" هم أهل أرض وشرف وعزّة، لا يخضعون للذلة، مهما كان الثمن!.

الكلمات المفتاحية
مشاركة