مقالات

بعد عدة أشهر على إطلاق العدوّ "الإسرائيلي" عدوانه القاتل (الاستثنائي) تحت عنوان "عربات جدعون"، (أقرها مجلس حرب العدوّ المصغر في مطلع أيار/مايو من العام الحالي) والتي هدف منها إلى تحقيق نصر حاسم، عسكري وسياسي على المقاومة الفلسطينية في غزّة، كانت النتيجة وبلسان خبراء عسكريين صهاينة، ومنهم ايال عوفر لصحيفة "يديعوت أحرونوت": "إن عملية "عربات جدعون" تعد من أكثر العمليات فشلًا في تاريخ الجيش "الإسرائيلي"، قياسًا لحجم الموارد العسكرية، والأضرار الدولية، والثمن الذي دفعه جنود الجيش من دمائهم".
هذا الفشل الذي منيت به وحدات العدوّ في العملية المذكورة، دفع بقيادتيه العسكرية والسياسية إلى الانحراف عمليًّا نحو عملية أخرى وبإستراتيجية مختلفة دون تغيير اسم العملية للتهرب من تأكيد فشلها علنًا، عمادها: التدمير والقتل وتقطيع أوصال غزّة بفصل مناطقها عن بعضها بعضًا، وبدفع أبنائها إلى ساحات قتل محدّدة، بعد جرهم مرغمين إلى نقاط توزيع فتات الطعام هربًا من الموت جوعًا.
عمليًا، العنصر الأساسي الذي بنى العدوّ إستراتيجيته هذه عليها، يقوم على فرض إخلاء أبناء غزّة مناطق معينة بالنار وبالتدمير، وهذا حصل في رفح بداية، عبر فصلها عن خان يونس بما أسماه محور "موراغ"، الممتد من منطقة الفخاري جنوب شرق مدينة خان يونس حتّى المواصي جنوب غرب المدينة المذكورة.
في المرحلة الثانية بعد فرض خط "موراغ"، ومع ارتفاع نسبة عمليات المقاومة ضدّ وحداته في كامل شرق خان يونس، بين القرارة وبني سهيلا ومعن والمداخل الشرقية للمدينة وصولًا جنوبًا إلى الفخاري، طوّر مناورة الفصل ليخلق محورًا ثانيًا باسم "ماجين عوز"، بهدف فصل شرق خان يونس عن غربها، بعد فرض تهجير أبناء غزّة من شرق المدينة إلى غربها، ليراكم تجميع المدنيين في منطقة المواصي، والتي أصبحت تحضن ما يقارب ثلث أبناء غزّة في مخيمات، تشكّل دائمًا أهدافًا قاتلة لقاذفاته ولمسيّراته.
لاحقًا، وبعد رفعه مستوى الضغط بالنار وبالتدمير في شمال القطاع، محاولًا دفع المواطنين من خط بيت حانون - جباليا - الشجاعية - التفاح، نحو وسط وغرب مدينة غزّة، جوبِه بمقاومة عنيفة في كامل شرق المناطق المذكورة شمال القطاع، ليسقط له عشرات الجنود (ومن الوحدات الخاصة ) بين قتلى ومصابين، في سلسلة من العمليات القاتلة المركبة، والتي حضّرتها المقاومة كنقطة ارتكاز في عملياتها شمال القطاع، لتكون تلك العمليات الضربة القاضية لعملية "عربات جدعون".
اليوم، ومع فشل العملية المذكورة، "عربات جدعون"، ومع فشل عملية تقطيع القطاع وتهجير أبنائه إلى نقاط محدّدة، رغم مجازر القتل غير المسبوقة تاريخيًا التي تلاحقهم من حيّ إلى حي، ومع تنامي الخلاف بين المستويين العسكري والسياسي لدى العدو، على خلفية استنفاد كلّ الوسائل والمناورات مع المقاومة الفلسطينية في غزّة، يبدو أن نهاية العدوان على القطاع تقترب شيئًا فشيئًا، ليؤكد هذا الأمر، قرار نتنياهو بإبقاء وفد التفاوض "الإسرائيلي" في الدوحة لاجتراح التسوية المنتظرة والتي لا بد منها بالنهاية.