مقالات

ليس من باب المصادفة على الإطلاق، أن تندلع حوادث السويداء، في الجنوب السوري، بعد اللقاء المعلن بين ممثلين عن "الكيان الإسرائيلي" ورئيس سلطة الأمر الواقع الراهنة في دمشق، أحمد الشرع (أبي محمد الجولاني)، الذي انعقد في إذربيجان، في الأيام الفائتة.
وهنا يرّجح مرجع سياسي سوري أن "الطرفين المذكورين قد توصلا إلى اتفاقٍ لدخول بعض عناصر ما يسمّى بـ "الأمن العام السوري" بأسلحتهم الخفيفة، إلى السويداء، على ألا يتجاوز عدد هؤلاء الحد الذي رسمته "إسرائيل"، لسببين:
أولًا: كونها لا تسمح بأن يكون الجنوب السوري، بؤرة لمسلحي تنظيم "القاعدة" المتشددين. وثانيًا: لن تدخل "تل أبيب" في أي "مشروعٍ" قد يستثير غضب الموحدين الدروز في سورية وفلسطين المحتلة، لما لدروز الأراضي المحتلة من تأثيرٍ وحضورٍ في الوضع الداخلي للكيان، وهذا الأمر ليس خافيًا على أحد.
ويتوقع المرجع أن "تكون "سلطة دمشق" قد أخلّت بالاتفاق المذكور آنفًا"، مرجحًا أن "يكون الخلل قد وقع بعد دخول الفصائل الإرهابية المتشددة إلى المدينة الدرزية، التي عاثت أي (الفصائل)، في السويداء، قتلًا وإجرامًا وإهانة للشيوخ ورجال الدين، أضف إلى ذلك انتهاك الأعراض، وحرمات البيوت، من دون حسيبٍ أو رقيبٍ".
وفي هذا الإطار، يسأل المرجع عينه "من حرّك قبائل البدو، في سهل حوران، ضدّ أهالي السويداء، في هذا التوقيت بالتحديد، أي بعد (اللقاء بين الجولاني - والصهاينة في أذربيجان)؟ أو على الأقل لماذا لم تضبط "سلطة الجولاني" طريق الشام - السويداء، حيث يتعرض أهالي السويداء للاختطاف والاعتداءات في شكلٍ مستمرٍ، من دون أي يحرّك المعنيون ساكنًا؟".
يذكر هنا، أن الخلافات بين أهالي السويداء وقبائل البدو، ليست مستجدةً، ولكن كانت مضبوطةً قبل الحرب على سورية، في منتصف آذار 2011، وكانت تحدث هذه الخلافات، في أغلب الأحيان، عند رعي البدو، ماشيتهم، في الأراضي الزراعية، في السويداء.
بالعودة إلى لقاء أذربيجان المذكور آنفًا، تكشف مصادر سياسية سورية واسعة الاطلاع أن "هدف هذا الاجتماع، هو التفاهم بين الجولاني وممثلي الكيان الصهيوني، على "قواعد اشتباكٍ" جديدةٍ بين الطرفين، على غرار اتفاق "فض الاشتباك" بين دمشق والعدو الصهيوني، الموّقع في العام 1974، بعد حرب تشرين 1973، ولكن من دون نشر قواتٍ عسكريةٍ سوريةٍ، عند خط الفصل بين القوات المتحاربة، وما بعد هذا الخط أيضًا الواقع في القنيطرة، في الجنوب السوري، بل في كلّ الجنوب".
وتلفت إلى أن "ليس لدى الجولاني جيش نظامي في الأساس، كي ينشره". وتؤكد المصادر أن "الجيش النظامي يلتزم بقواعد الاشتباك، ولديه مناقبية عسكرية، فلا يحلق شوارب المشايخ، ويغتصب النساء والفتيات..".
وتلفت المصادر عينها إلى أن "جماعة الجولاني تحركوا إثر عودته من أذربيجان، في اتّجاه السويداء، لترهيب أهلها، ظنًا منهم أن "الكيان الصهيوني"، سمح لهم بذلك، بموجب اتفاق أذربيجان، وسبق ذلك وقوع إشكالاتٍ أمنيةٍ بين أهالي السويداء والبدو". "رغم ذلك، وافق وجهاء جبل العرب على دخول ما يسمّى بـ "الأمن العام" إلى مدينتهم، وربما تسليم السلاح الثقيل أيضًا إلى "سلطة دمشق"، التي أدخلت بدورها، الفصائل التكفيرية المسلحة، إلى المدينة الدرزية، وذلك في انقلابٍ على الاتفاق، فانتفض الجبل على الجولاني وجماعته التكفيرية، وشهدت السويداء مواجهاتٍ كبيرة بين الأهالي والمجموعات التكفيرية، التي استقدمت بدورها المدرعات، واستخدمت الأسلحة الثقيلة، في محاولةٍ للسيطرة على جبل العرب، ولا أمل لهم بذلك من دون استقدام المدرعات"، ودائمًا برأي المصادر. وهنا "انقلب السحر على الساحر".
وتشير المصادر عينها إلى أن "استقدام جماعة الجولاني للمدرعات والأسلحة الثقيلة، إلى منطقةٍ يحرص العدوّ "الإسرائيلي"، على أن تبقى منزوعة السلاح، أغضب الكيان، وفي إثر ذلك، أغارت طائراته الحربية على مبنيَي القصر الجمهوري ووزارة الدفاع في دمشق، ففهم الجولاني الرسالة، وانكفأ وجماعته، وعادوا أدراجهم إلى خارج الجنوب، الذي بات تحت إمرة "إسرائيل" بالكامل.
في الخلاصة، أسهمت هذه "المغامرة الجولانية" في إخضاع الجنوب السوري بأكمله، لسلطة الاحتلال، فلا سلطة أخرى تعلو على سلطة الكيان في الوقت الراهن هناك.