إيران

اهتمت الصحف الإيرانية، اليوم الثلاثاء 29 تموز/يوليو 2025، بالأوضاع الداخلية لا سيّما الحركة التصحيحية لكثير من الأمور التي اكتشفت ثغراتها في أثناء الحرب، كما ركزت بشكل كبير على سلاح التجويع الصهيوني بحق أهالي غزّة.
ضد الأخبار الكاذبة
بداية، كتبت صحيفة وطن أمروز: "في حقبة ما بعد الحرب، أفسح القصف المجال لإعادة النشر من دون مصدر، والتغريدات المجهولة والمقاطع المضللة، حيث يلحق نوع مختلف من الضرر بالمجتمع: انعدام السلام النفسي".
وأضافت: "بالطبع، هذا ليس وضعًا جديدًا. عندما يمكن أن تتسبب الشائعة في تقلب الاقتصاد في أقل من بضع ساعات أو يمكن لمقطع فيديو مزيّف أن يحرض الرأي العام، لم يعد من الممكن تجاهل مسؤولية وسائل الإعلام بحجة حرية التعبير".
وتابعت: "وهذا هو بالضبط المكان الذي قدّم مشروع قانون الحكومة مكافحة انتشار المحتوى الإخباري غير الصحيح في الفضاء الإلكتروني في البرلمان؛ مشروع قانون يحاول إيجاد توازن بين الحق في حرية المعلومات والحق في سلام المجتممع النفسي، وإزالة انتشار الأخبار الكاذبة والمضللة من نطاق حرية التعبير".
وأردفت الصحيفة: "ما لا يمكن إنكاره هو الحجم الهائل والمتزايد باستمرار للأخبار المزيّفة والمعلومات المضللة والخداع الإعلامي الذي تسلل؛ ليس فقط إلى الطبقات السياسية ولكن أيضًا إلى حياة المواطنين اليومية واستهدف سلامهم النفسي؛ من شائعات التفجيرات إلى الأكاذيب عن السياسيين إلى الاتهامات ضدّ ممثل ورياضي، بالإضافة إلى شائعات عن شؤون الحياة اليومية، من سبل العيش إلى القضايا الاقتصادية والثقافية... كلّ شيء يُدار في أجواء مظلمة وغير منظمة".
[...] الركيزة الأساسية لهذه الحرب الحالية هي الأخبار الكاذبة والمعلومات الكاذبة؛ من الأنواع غير المقصودة إلى الخداع المستهدف والمنظمة الذي، بتصميم دقيق، يدمر ثقة الجمهور والأمن النفسي ورأس المال الاجتماعي.
وقالت: "هذا هو المكان الذي لم يعد بإمكاننا تجاوزه بالتفاؤل أو الاكتفاء بنصائح وسائل الإعلام وحدها".
ولفتت إلى أنّه: "في إيران، أصبح الفضاء الإلكتروني منصة غير منظمة لنشر وتكثيف وإعادة إنتاج الأخبار الكاذبة؛ منصة تهدّد حياة جميع الناس، ويخشاها كثيرون ويقلقون بشأنها. على الرغم من وجود قانون للإعلام في البلاد، فقد تخلوا عنه في الفضاء الإلكتروني. من الشائعات إلى التحليلات، ومن المقاطع المقطوعة إلى النشرات من قنوات غير معروفة؛ الجميع في بيئة إعلامية تشكّل أزمة".
[...] قانون مكافحة نشر المحتوى غير الصحيح في الفضاء الإلكتروني الذي أعد بمبادرة من الحكومة وبمشاركة السلطة القضائية، هو خطوة قانونية لحماية أمن المجتمع النفسي. تسببت الأضرار المتزايدة الناجمة عن عدم وجود قانون في الأنشطة الإخبارية في الفضاء الإلكتروني بإلحاق الضرر في مختلف شرائح المجتمع، من الرياضيين والممثلين إلى الأشخاص العاديين، وكذلك المنظمات والمؤسسات، لطالما تعرضوا لأضرار عدم وجود قانون في الفضاء الإلكتروني، لذلك كانت هناك حاجة إلى تمرير وإنفاد قانون لتنظيم الفضاء الإلكتروني.
ووفقًا للصحيفة: "السبب الآخر لإرسال هذا القانون إلى البرلمان هو الأزمة المتنامية، والتي أصبحت آثارها المدمرة أكثر وضوحًا، وخاصة خلال الحرب الهجينة الأخيرة: انتشار الأخبار الكاذبة، والقلق الاجتماعي، وتدمير ثقة الجمهور، وتسهيل هجمات العدو المعرفية عبر الفضاء الإلكتروني".
وفي شرح هذا القانون، ذكرت الحكومة أنه أخذت ثلاثة مناهج رئيسة بالحسبان في إعداده:
1. الحفاظ على حرية التعبير وفقًا للدستور
2. محاسبة ناشطي الفضاء الإلكتروني
3. حماية أمن المجتمع النفسي من الأخبار الكاذبة
واستنادًا إلى تقارير من المؤسسات الحكومية، عُقدت العديد من اجتماعات الخبراء في اللجنة القانونية القضائية التابعة للحكومة، بمشاركة وزارة التراث الثقافي والعدل والإدارة القانونية الرئاسية والهيئات التنفيذية وحتّى إدارة المرأة والأسرة. كما ذُكر أن الدراسات المقارنة للقوانين ضدّ الأخبار الكاذبة في أوروبا وآسيا وأميركا الشمالية ألهمت بنودًا مهمّة في هذا القانون.
[...] باختصار، يمكن أن يكون هذا القانون نقطة انطلاق لإعادة تعريف العلاقة بين الإعلام والسلطة والشعب في إيران؛ من إنكار الواقع إلى تحمل مسؤولية روايته، شرط نجاحه هو التنفيذ العادل، والرقابة الفعالة، والحفاظ على الحد الفاصل بين الحقيقة والسلطة".
الحضارة الغربية في خدمة التوحش الصهيوني
بدورها، كتبت صحيفة رسالت: "يرى الناس في كلّ أرجاء العالم هذه المشاهد والصور، والتنهدات والأنين، وأكوام الأواني في أيادٍ جائعة، ووجوهٍ مُتألمة، وأطفالٍ يموتون جوعًا. نقطةٌ بالغة الأهمية، تحتاج إلى العمل عليها لسنواتٍ طويلة، فكريًا وثقافيًا وسياسيًا وإعلاميًا، وهي أن غزّة المضطهدة تُمثل صورةً مثاليةً وتمثيلًا حقيقيًا للحضارة الغربية وحقوق الإنسان".
وتابعت الصحيفة: "لقد بذل الغربيون جهودًا ثقافية ودعائية وسياسيةً واسعةً في العالم لمئات السنين، لإثبات جدارتهم كشعوبٍ متفوقةٍ وناضجةٍ ومتفهمةٍ ومتحضرة، ليُقدموا أنفسهم، من هذا المنظور، كأكفاءٍ وكفؤين للسيطرة الشاملة على الآخرين. ولتفعيل هذه السيطرة، أنشأ الغربيون مختلف أنواع المنظمات والمؤسسات الدولية، وتولوا إدارتها. في غضون ذلك، اكتسبت قضية حقوق الإنسان مكانةً خاصة، وقدّمت الحكومات الغربية، وخاصةً دولٌ مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، نفسها على أنها حاملة لواء حقوق الإنسان والمدافعة الرئيسة عنها أمام الرأي العام العالمي".
وقالت: "هؤلاء المدّعون بحقوق الإنسان في العالم، قد مارسوا ضغوطًا مُختلفة على كلّ دولة وحكومة لا تتفق معهم، حتّى كادوا يوجهوا إليهم شتّى أنواع الاتهامات، إما بالانضمام إليهم أو بالسقوط. ومن بين الاتهامات التي يوجهها الغرب لدول عدم الانحياز تهمة انتهاك حقوق الإنسان. وتُعدّ العقوبات المتعلّقة بحقوق الإنسان ضدّ العديد من الدول، بما فيها إيران، على مدى السنوات الست والأربعين الماضية إحدى أدوات الغرب لتعزيز سياسة الهيمنة والاستبداد نفسها ضدّ بلدنا. ومع ذلك، فإن طبيعة أداء الغرب في مختلف القضايا المزعومة، بما فيها قضية حقوق الإنسان، تتناقض مع الإعلام والدعاية والضجيج السياسي".
[...] هذه الرسالة تُخبر الجميع أن الغرب الثقافي، في كلّ ادعاءاته بحقوق الإنسان والسلام، وكونه مدافعًا عن الأمن والعدالة العالميين، ليس سوى كذبة كبيرة. في الواقع، لقد خُدعت جميع دول العالم، بما فيها الدول الغربية نفسها، بأكاذيب الأنظمة الرأسمالية الغربية والديمقراطية الليبرالية لسنوات طويلة في قضايا مثل حقوق الإنسان. [...] وما يزيد الأمر سوءًا أن بعض النخب والمثقفين في دول مثل إيران قد انبهروا منذ زمن بهذه الحضارة الغربية التي تدافع عن حقوق الإنسان، حتّى أصبحوا غربيين بحق. على مدى السنوات الست والأربعين الماضية، راقبت الأمة الإيرانية مواقف وسلوكيات الغربيين بطرق مختلفة في مواجهة الجمهورية الإسلامية. أتساءل كيف يُفسر المتحمسون للحضارة والثقافة الغربية، والذين دأبوا على نشر الثقافة الغربية في بلدانهم، بما فيها إيران، لسنوات طويلة، ودعموا الأنظمة السياسية الديمقراطية الليبرالية الغربية، وصوّروها على أنها أفضل الأنظمة السياسية من حيث التحضر وضمان الأمن والرفاهية وحقوق المواطن، الآن جرائم الغرب في غزّة ويُبررونها؟"
التجويع سلاح الغرب القديم
هذا؛ وكتبت صحيفة جوان: "في العام 1947 كانت مدغشقر، تلك الجزيرة الشاسعة، ذات الأغلبية السكانية الأصلية والمنسية، في قلب المحيط الهندي، مسرحًا لواحدة من أكثر حملات القمع الاستعماري الفرنسي وحشية. فعندما انتفض سكان الجزيرة الأصليون ضدّ الحكم الاستعماري الفرنسي القمعي، لجأت الحكومة الفرنسية، بدلًا من مواجهة وطنهم الأصلي أو التخلي عنه مباشرةً، إلى سلاح قديم وصامت: المجاعة! بقطعها سلاسل الإمداد الغذائي، وتدميرها، وحرق الأراضي الزراعية، وفرض حصار اقتصادي داخلي.
[...] 1943 البنغال خلال الحرب العالمية الثانية، وفي قلب الحكم الاستعماري البريطاني، شهدت ولاية البنغال الواقعة شرق الهند واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في القرن العشرين. لقي أكثر من 3 ملايين شخص، معظمهم من النساء والأطفال، حتفهم في مجاعة أحدثها تشرشل والحكومة البريطانية. وبينما كانت صوامع حبوب الهند والمستعمرات الأخرى تفيض بالقمح، قرر تشرشل تحويل الشحنة إلى الجيوش الأوروبية المتمركزة في الهند وتجديد احتياطياتها الحربية. وبناءً على أوامره، غرقت قوارب تحمل مساعدات إنسانية في المحيط. وعندما سُئل عن سبب عدم مساعدته للبنغال، كان رده الوحيد: الهنود يتكاثرون كالأرانب. لم تكن هذه النظرة نابعة من الجهل، بل من عقلية عنصرية متجذرة رأت في المجاعة وسيلة طبيعية للتطهير العرقي.
1845 - شهدت أيرلندا، الواقعة في غرب أوروبا، وهي دولة تشتهر بريفها الأخضر الخصب ومواردها الطبيعية الوفيرة، واحدة من أفظع المجاعات التي صنعها الإنسان في التاريخ. كانت المجاعة الأيرلندية الكبرى، التي أودت بحياة أكثر من مليون شخص وأجبرت الملايين على الهجرة وكانت ناجمة عن سياسات متعمدة للحكومة البريطانية. ففي السنوات نفسها التي كان الشعب الأيرلندي يتضور جوعًا فيها، صودرت آلاف الأطنان من القمح واللحوم من الموانئ الأيرلندية وشُحنت إلى لندن. لقد قررت بريطانيا تجويع الشعب الأيرلندي عمدًا. كان الاستعمار، بالمعنى الحقيقي للكلمة، يسلب الطعام من أفواه الجياع لتدوير عجلات الثروة الإمبراطورية.
1973 - في خضم الحرب الأهلية في بيافرا في نيجيريا، قررت الحكومة المركزية، بدعم من الدول الغربية، وخاصة بريطانيا، استخدام الغذاء كأداة ضغط عسكري. فُرض حصار شامل على مناطق بيافرا المستقلة، ولم يُسمح بدخول أي طعام. هزت الصور المروعة لأطفال بيافرا بأجسادهم النحيلة وعيونهم الغائرة ضمير العالم، لكن بالنسبة للمفكرين الإستراتيجيين الغربيين، كان هذا هو الهدف تحديدًا: القضاء على المقاومة من خلال التجويع.
بالنسبة للحضارة الغربية، لم تكن المجاعة والجوع حدثًا غير مرغوب فيه، بل أداةً للسياسة والقمع واحتواء مقاومة الأمم. في النظريات الديموغرافية، مثل مبدأ البقاء للأصلح لداروين، ولاحقًا في نظريات مالتوس، تكرّرت فكرة أن موارد الأرض محدودة، وأنه يجب القضاء على حصة الدول الفقيرة والضعيفة بالموت الطبيعي أو المتعمد
.
[...] واليوم، يُعد النظام الصهيوني الابن غير الشرعي لهذه الحضارة. ملخصٌ لرؤية الحضارة الغربية العنصرية والاستغلالية والعنيفة. اليوم، في غزّة، المجاعة ليست مجرد نتيجة للحرب، بل هي الحرب نفسها. بحصارها الشامل، وقطعها المساعدات الإنسانية، وقصفها للبنية التحتية الغذائية، واستهدافها مستودعات الأمم المتحدة، تُطبّق "إسرائيل" وصفةً وضعها أسلافها في البنغال ومدغشقر وأيرلندا وبيافرا. هنا، انبثق الجوع من مراكز الأبحاث الأمنية في "تل أبيب".
ووفق الصحيفة "إذا كان المستعمرون في الماضي قد قرروا الموت بصمت وتجويع أنفسهم خلف أبواب مغلقة في لندن وفرنسا، فإن "إسرائيل" اليوم، أمام الكاميرات، تُنظّر بهدوء للإبادة الجماعية بالتجويع. بالنسبة لنظامٍ جذوره الفكرية هي كراهية الآخرين والتطهير العرقي، فإن موت طفل فلسطيني جوعًا ليس مأساة، بل نجاح وإنجاز عسكري. إن الأحداث الأخيرة في غزّة ليست فعلًا جديدًا وغير متوقع؛ فقد سعت "إسرائيل" وأسلافها لقرون إلى كسر مقاومة الشعوب بخلق المجاعات عمدًا وبشكلٍ مصطنع".