اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي حمادة: لا يظننّ أحد أنه قادر على أن ينزع منّا وجودنا

مقالات

تعاون عربي صهيوني أميركي في إخراج مشهد
مقالات

تعاون عربي صهيوني أميركي في إخراج مشهد "اليوم التالي" لغزّة

57

بعد عام وعشرة أشهر من حرب الإبادة على غزّة وما وصلت إليه الأوضاع من مجاعة تاريخية وجريمة إنسانية يندى لها الجبين، بات واضحًا أن المفاوضات ليست إلا غطاءً سياسيًا يستخدمه العدوّ الصهيوني وراعيه الأميركي لتفريغ غزّة والدفع نحو تهجير سكانها، وغطاء للعجز والتواطؤ العربي الذي يصور أن هذا التفاوض بمثابة جهد عربي وأن الوساطة تبرئ الذمم، كما بات واضحًا أن المشاريع التي تحدثت عن "اليوم التالي" في غزّة من منظور صهيوني وأميركي تأخذ طريقها للتنفيذ بتواطؤ دولي وعربي كامل.

 وفي أحدث صور النفاق والتواطؤ المكشوف، تكثّفت المطالبات بنزع سلاح المقاومة على عدة جبهات، وعلى رأسها لبنان وغزّة، وهذا التزامن المكشوف يشي بالدرجة الأولى بمشروع تمكين العدوّ ونشر الاتفاقات التطبيعية بعد تفريغ المنطقة من كلّ وسائل المقاومة وتدجين دول الطوق للكيان وجعلها ترسًا في ماكينة "إسرائيل الكبرى".

وفي أحدث تكتيكات هذه الإستراتيجية الشيطانية، تم رفع لافتة "حل الدولتين" وعقد مؤتمر دولي يوحي بأن هناك تحركًا دوليًا وعربيًا مناصرًا لفلسطين، وهي لافتة حق يراد بها باطل كبير يتمثل في إرفاق الدعوة لإقامة دولة فلسطينية بنزع سلاح حماس وفصائل المقاومة، دون الحديث عن تفاصيل للدولة وحدودها، ولكن التفصيلة الوحيدة هي خلو هذه الدولة من السلاح، مع استخدام الصيغة المهذبة لتدجين الدول وهي "حصر السلاح بيد الدولة"، وهي صيغة تمثل حلا سحريًا للاستعمار المتحكم في تسليح الدول بمعرفته الخاصة والهيمنة على سيادتها وقراراتها ومستوى تسليحها ونوعيته بما لا يهدّد مصالحه وبما لا يكفل لهذه الدول مقاومة الاحتلال والانتهاك.

وقد تزامنت في الأيام الأخيرة الدعوات الفرنسية والألمانية والبريطانية الممثلة للترويكا الأوروبية المنافقة الشهيرة التي تتواطأ مع أميركا والكيان "الإسرائيلي" في الملف النووي الإيراني ونزع سلاح المقاومة في لبنان، وهذه المرة تكثفت الدعوات حول غزّة ونزع سلاح حماس، والجديد هو انضمام دول عربية وإسلامية، بما في ذلك قطر والسعودية ومصر، للمرة الأولى رسميًا للدعوة المشتركة لحماس لنزع سلاحها في إطار الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في القطاع.

واللافت أن الكيان وراعيه الأميركي يرفضان أي دور للسلطة الفلسطينية في غزّة حتّى لا يتم الربط بين الضفّة وغزّة، بل ويرفضان من الأساس مبدأ "حل الدولتين"، والتقاطع الوحيد هنا هو نزع سلاح المقاومة، والذي أعلنت حماس أنه لن يحدث قبل إقامة الدولة وعاصمتها القدس، ردًا على إعلان أحادي كاذب من مبعوث الرئيس الأميركي الذي أعلن استعداد حماس لنزع سلاحها بعد جولته المسرحية في غزّة ودفاعه عن الكيان وتبرئته من مسؤولية المجاعة والكارثة الإنسانية بغزّة.

وهنا يجب استعراض الخطط المختلفة لمستقبل غزّة، لبيان التواطؤ الدولي والعربي في تنفيذها حيث هناك اتفاق عربي مع أميركا والصهاينة في مضمون القضاء على المقاومة، وإن كان هناك خلاف على إخراج المشهد وعلى الجوانب الشكلية.

أولًا: الخطط الأميركية والصهيونية:

تم مؤخرًا الكشف علنًا عن "خطة عملاقة" قالت إن نتنياهو وترامب أعداها لليوم التالي بعد الحرب بغزّة، وإنها نُسجت بسرّية بالبيت الأبيض، وما رشح عنها وفقًا لـ"القناة 14" الصهيونية، هو أن الخطة تهدف إلى ربط الشرق بالغرب، وتعتبر بمثابة الرد الأميركي على مبادرة "الحزام والطريق" التي استثمرت فيها الصين أكثر من تريليون دولار خلال العقد الماضي.

والفكرة هي إنشاء تحالف دبلوماسي - اقتصادي - طاقوي، من خلال إقامة طريق سريع للبضائع من الهند والشرق الأقصى - مرورًا بـ"الشرق الأوسط" - إلى أوروبا والولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تصبح "إسرائيل"، بفضل موقعها الإستراتيجي بين آسيا وأوروبا، نقطة وصل مركزية في هذا المسار الذي يهدف إلى تجاوز مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.

وهذه الخطة الإستراتيجية، يمكن تتبع تفاصيلها وتكتيكاتها من خلال خطط نتنياهو وترامب، وكذلك خطط إدارة بايدن، بما يدل على أن الإستراتيجية الأميركية ثابتة مهما تعاقبت عليها الإدارات.

خطة نتنياهو:

كان رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو قد قدّم مبكرًا في بداية حرب الإبادة، خطة لفترة ما بعد الحرب في قطاع غزّة إلى مجلس الوزراء الحربي في "إسرائيل"، بدا فيها جليًا أنه يود الاحتفاظ بسيطرة أمنية "إسرائيلية" في القطاع والضفّة الغربية على حد سواء.

وتضمن طرح نتنياهو ضرورة "تفكيك" حركتي حماس والجهاد، وعدم وجود أي دور لهما في حكم غزّة لاحقًا، مقترحًا أن يتولى مسؤولون محليون أو ذوو الخبرة بالإدارة من غير المنتمين لكيانات "تدعم الإرهاب" إدارة غزّة مدنيًا.

وجاء في خطة نتنياهو أيضًا تفكيك "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" "الأونروا" تمامًا وإلغاء مهمتها، وتنفيذ عملية إغلاق عند الحدود الجنوبية للقطاع مع مصر "لمنع أي نشاط إرهابي أو تهريب"، حسب تعبيرهم.

ومع تطوّر الأحداث بدا أن هذه الخطة هي التي يتم تنفيذها عمليًّا باحتلال ممر "فيلادلفيا" ومعبر رفح، وشق المحاور الإستراتيجية لتقطيع أوصال غزّة ووجود قوات صهيونية متمركزة بها، مع تشكيل منظمة أميركية للسيطرة على المساعدات وهندسة المجاعة في غزّة، ورعاية ميليشيات مثل ميليشيا "أبو شباب" لإدارة غزّة والعمل كوكيل للصهاينة.

خطط أميركا وترامب:

ومنذ الأيام الأولى للحرب، وأميركا تدفع نحو افراغ غزّة من المقاومة، ولم تتحدث عن التهجير علنًا في بداية الامر، ولكنها عمليًا قادت تمويل تدمير غزّة بشكل ممنهج وأوحت بأنها ترغب في وجود السلطة الفلسطينية بعد إصلاحات لم تحددها، وهو ما تلقفه العرب المتشوقون لإنهاء المقاومة والإيحاء بأن أميركا وسيط نزيه في تضليل للرأي العام الشعبي العربي.

ومع تطوّر الأحداث وتسلم إدارة ترامب، ومع ملاحظة أن الممر الهندي تم تدشينه في زمن إدارة بايدن، أسفر ترامب عن الوجه الأميركي الصريح وتحدث عن التهجير والسيطرة الأميركية على غزّة، ثمّ تم الإعلان عن دراسة تعيين الملياردير الفلسطيني الأميركي بشار المصري لإدارة قطاع غزّة في اليوم التالي للحرب.

وكان المصري هو المستشار السري والمقرب من آدم بوهلر، مبعوث ترامب لشؤون الرهائن، والذي وضع نفسه بهدوء كلاعب رئيسي في خطط إدارة ترامب في مرحلة ما بعد الحرب في غزّة.

وعلى مدى أشهر، كان بوهلر يسافر على متن طائرة المصري إلى الدوحة والقاهرة وعواصم إقليمية أخرى، حيث شارك في مفاوضات بشأن الرهائن وغيرها من المسائل الحساسة.

ويقال إن المصري نفسه كان حاضرًا في بعض هذه الرحلات، وحافظ على حضوره المتحفظ في المناقشات عالية المخاطر.

ثانيًا: المشروعات العربية:

أما عربيًا، فقد شكل العرب سداسية تولت الأمور رسميًا وهي مكونة من مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن والسلطة الفلسطينية، مع غطاء دائم من أمانة الجامعة العربية، وطرحت هذه السداسية تصوراتها التي لم تختلف كثيرًا عن التصورات الأميركية والصهيونية باستثناء ملف التهجير.

وهذا التصور تبلور في الخطة المصرية التي شكلت المرتكز الرئيسي الذي تبناه العرب بشكل رسمي وهو يدور حول نقل الإدارة للسلطة الفلسطينية وتدريب المئات من الفلسطينيين للعمل كشرطة تتولى مهام الأمن في غزّة، واختفاء حماس تمامًا من المشهد، ولا مانع في المرحلة الانتقالية من نشر قوات دولية لحماية الأمن في القطاع لحين تدريب القوات الفلسطينية التي ستكون تحت ولاية السلطة.

تصور خاص للإمارات:

إلا أن الإمارات كان لها تصور خاص عرف بالخطة الإماراتية التي أعلنت في تصريح شاذ عن السداسية أن إعلان ترامب عن التهجير لا يوجد بديل عملي يصمد أمامه!.

ووضعت الخطة الإماراتية شروطًا مسبقة، ومن أبرز هذه الشروط "أن تخضع السلطة الفلسطينية لإصلاحات، وتظهر الشفافية والمساءلة، لاستعادة المصداقية والثقة بين الشعب الفلسطيني والشركاء الدوليين، وسيتم الاعتراف بها باعتبارها الهيئة الإدارية الشرعية الوحيدة في غزّة، وستشمل هذه العملية تعيين رئيس وزراء جديد وإنشاء لجنة غزّة، ووجود قوات أمنية عربية ومتعاقدين عسكريين "مرتزقة" ولا يوجد دور فلسطيني مباشر في الأمن في البداية.

ولا يخفى أن قيادة لجنة غزّة ذهبت ترشيحاتها لرجل الإمارات المفضل محمد دحلان وفقًا لاتفاق التقارير ووسائل الإعلام التي نقلت الخطة الإماراتية، وهو ما يؤكده الرفض الصريح والغاضب للخطة من جانب عباس والسلطة الفلسطينية، على خلفية العداء مع دحلان.

وباستعراض هذه المشاريع العربية وتعديلاتها الإماراتية مع دعوات نزع السلاح، نرى تقاطعًا مع خطط أميركا والصهاينة في خلو غزّة من المقاومة، وهي مقدمة لسيطرة أميركية و"إسرائيلية" شاملة تدفع نحو "الهجرة الطوعية" كمسمى مخفف للتهجير الذي يرفض العرب اسمه الصريح، وتدفع نحو احتلال بقاع إستراتيجية في غزّة تكفل لأميركا ورجال أعمالها في عمل "ريفيرا الشرق" وتدشين مشروع الممر الهندي و"إسرائيل الكبرى" والتطبيع مع الدول التابعة لهذه المنظومة الأميركية المخطّط لها.

الكلمات المفتاحية
مشاركة