اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي موقع "القناة 12": نتنياهو يرزح تحت ضغط هائل وإسقاطه شرط ضروري لإنهاء الحرب

نقاط على الحروف

نقاط على الحروف

"لوفر جعجع".. مآثر الحرب الاهلية

80

لم يستطع الجمهور إلى حبسِ دموع التأثّر سبيلًا، فسمير جعجع أطلّ من على شاشة العربية، وأغدق بحنانه وعطفه على الناس بما لا يمكن للقلوب الضعيفة احتماله. أطلَّ برهافته المعروفة والمشهودة على طول خطّ الذاكرة، من زغرتا إلى الطيونة مرورًا بحاجز البربارة وبمئات المفقودين والضحايا والجثث المنكّل بها، وبحسن سلوكه الوطني والإنساني المعروفة تجليّاته ولا سيّما عند الأقربين منه، والذين سوّلت لهم أنفسهم ذات حرب أن يعارضوه أو يختلفوا معه، فكان مصيرهم القتل. أطلّ عطوفًا، حالمًا، عاشقًا لثرى جبل عامل، واعدًا الشيعة بعدم الاقتصاص منهم، ما أكرمه! وأطلّ متفانيًا في درب القضية الفلسطينية، مطالبًا بـ"حلّ الدولتين" وإلّا فلن يهب "إسرائيل" السلام، ما أعظمه!

بعد هذه المقابلة التي عدّلت مجرى التاريخ وأعادت رسم خارطة طريق الأجيال إلى الارتقاء الإنساني، بات مفهومًا أن تغلب الحشرجة صوت حرمه الرقيقة ستريدا وهي تبشّر اللبنانيين بمشروع سيشفي فيهم كلّ جراح الماضي: متحف "لوفر جعجع"، الذي ستقيمه في بيت أهله المتواضع، حيث ترعرع هذا الكائن الوديع، هذا البطل الهمام، صاحب الهمم والصولات والجولات في الحرب الأهلية! هناك، حيث ستخصّص الزوجة المؤمنة ببطولات زوجها قسمًا لصور المفقودين على يده، وآخر لسلسلة خطاباته التحريضية والإلغائية والانعزالية، وقسمًا أخيرًا فيه محاكاة لزنزانة ما كان ليخرج منها.. لولا العفو!.

شرّ البليّة ما يضحك! بجديّة مهولة، يسأل المشاهد نفسه وهو ينصت للحكيم، أحقًّا يصدّق هذا الرجل ما يقول؟ هل يدرك أن على هذه الأرض لا يوجد من تنطلي عليه خدعة "الزعيم السياسيّ" المغطى بدم الأبرياء، المتعطّش لدماء المزيد منهم؟ هل هو فعلًا في موقع من غلبه الوهم حدّ مخاطبة الفئة التي أشهر ضدّها العداء منذ نعومة مخالبه، يطمئنها ويتودّد إليها؟

العديد من المشاهدين حضرتهم أثناء المقابلة مقاطع من حكاية ليلى والذئب، ولا سيّما حين ارتدى الأخير ثوب الجدّة وصار يتكلّم بصوتها. ما أطرفه، سواء كان مصدّقًا نفسه أم لا، مدركًا انفضاح وجهه خلف قناع اللطف أم لا، مقتنعًا بأن من بين أهل المقاومة من ستنطلي عليه الخدعة ويمسي الفريسة، أم لا!

إذًا، يحن جعجع إلى جبل عامل، يشتاقه ويريد رؤيته مجدّدًا وقد خلا من عطر الحرس الثوريّ. بمعنى آخر، هو يريد جبل عامل الخالي من المقاومة التي يبتغي تغريبها وعزلها باعتبارها فصيلًا إيرانيًا غير متولّد من هذه الأرض، وأيضًا بمعنى الجبل الذي سكّانه هم فقط المزارعون والعتّالون، تمامًا كما كانت رفيقته مي شدياق قد وصفت يومًا، بشوفينيتها الفاضحة، إذ قالت رضينا بضمّ جبل عامل إلى لبنان على اعتبار أنّه سيظلّ أرضًا تُزرع وترفد المدينة باليد العاملة الرخيصة. وأضمرت، أمّا أن يكون أرض ثورة وحق ووعيّ فكلّا وألف كلّا. ويحنو الجعجع على الشيعة، يعدهم بالحبّ وبعدم الاقتصاص منهم بعد "نزع السلاح". بالطبع، يملك القاتل المدان، والمتباهي ببزة "الجيش الإسرائيلي" أن يقتصّ من "الشيعة" المقاومين، ولكّنه، من هول طيبة قلبه، سيعفو عنهم! والمفارقة أنّه لم يعِد أهل المقاومة من الطوائف الأخرى بالحبّ نفسه وبعدم الاقتصاص، بل خصّ الشيعة فقط بهذه المكرمة، وعليه، يُرجى من المقاومين السنّة والدروز والمسيحيين وغير المتدينين أخذ الحيطة والحذر، فأمان "القديس" لم يشملهم، والأمر خطير. فالرجل خبير في "الاقتصاص" بأبشع الطرق وأكثرها دموية وعنفًا!

هذا النشاط الجعجعي المغرق في وهم إحياء مشروع لبنان خالٍ من المقاومة ترتفع وتيرته مع كلّ ضخّة أمل تزوّده بها زيارة أميركية أو تعليمة سعودية. وهو كمشروع قائم على أرضية من وهم أيضًا تقول بأن المقاومة ضعفت وباتت آيلة للزوال، علمًا أنّه بقليل من الذكاء والواقعية، يجب أن يدرك سخافة هذا الطرح: فلو كان الأمر كذلك، لو حقًّا باتت المقاومة ضعيفة، لسهل إخضاعها ولما احتاج الأميركي لتوظيف جميع أدواته لتحقيق ما عجز عنه بالنار "الإسرائيلية"، ولما استنفر كلّ أوراقه وضغوطاته لنزع سلاح عجزت عنه أعتى الغارات وآلاف الأطنان من المتفجرات.

من جديد، أطلّ جعجعُ هذه البلاد، وبصوتٍ كالهديل من فرط العاطفة، عبّر عن جميع أوهامه وأضاليله، فأثار الضحك قليلًا، والكثير من السخرية!.

الكلمات المفتاحية
مشاركة