اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي وحدة نقابات وعمال حزب الله والمكتب العمالي لحركة أمل: تأجيل وقفة الأربعاء الاحتجاجية

نقاط على الحروف

نقاط على الحروف

"لقاءات الظل" إلى العلن.. "إسرائيل" تكرّس دورها في "سوريا الجديدة"

91

خرجت اللقاءات، بين ممثلين عن الحكومة السورية المؤقتة والجانب الصهيوني، إلى العلن بعد تقارير عدة أشارت إلى اجتماعات سرية بين الطرفين عقدت، في الشهور الأخيرة في عواصم عدة، في أبو ظبي وباكو وباريس. وتجري الأمور في مسار تفاوضي يفتقر إلى الوضوح، وهناك تضارب في المعلومات التي يقدمها الجانبان بشأنها، بينما تمضي حكومة أحمد الشرع المؤقتة في البتّ في قضايا جوهرية، سواء على الصعيدين الداخلي أم الخارجي، مُرجئة إفساح المجال أمام دستور دائم وانتخابات شعبية إلى سنوات عدة قد تطول تحت ضغط الأحداث.  

"إسرائيل" لاعب مركزي في سوريا 

أدت طريقة تعامل السلطة في دمشق مع الإشكالات الدائرة، مع عدد من مكونات المجتمع السوري، إلى اتساع الشروخ القائمة. وبعدما كانت المشكلة في منطقة السويداء شبه محصورة مع الشيخ حكمت الهجري، والذي يدعو الى الإدارة الذاتية في جنوب البلاد، أدت المجازر والانتهاكات التي وقعت في المنطقة إثر التدخل العسكري لحكومة دمشق ثم العشائر التي استُنفرت في مناطق عدة، إلى اصطفاف درزي واسع خلف طروحات "الهجري". حتى الشيوخ الذين كانوا يدعون إلى حوار مع دمشق، مثل الشيخ حمود الحناوي والشيخ يوسف جربوع، انضموا إلى الحركة الاعتراضية على أداء الحكومة المؤقتة تجاه هذه المنطقة. 

وثمة من يتطرّف الآن، ويدعو إلى دخول "إسرائيل" عسكريًا الى السويداء بدعوى الحماية، وهذا تطور خطير يشير الى إفلات الأمور من بين يدي الحكومة المؤقتة التي همّشت آراء نخب عديدة في البلاد، وتجهّز الآن لاختيار مجلس شعب (برلمان) معيّن من رئيس الإدارة المؤقتة مباشرة أو عبر لجنة يعيّن أفرادها!  

كما أدى نسف مفهوم المرحلة الانتقالية واختزال الحكومة في "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقًا) ومن حولها، وتضييق نطاق التشاور والمشاركة، إلى شعور بقية السوريين بالتهميش وعدم وضوح مستقبل البلاد السياسي، في ظل علامات استفهام عن تمثيل السوريين في المرحلة الانتقالية المفترضة. وكان في وسع الحكومة المؤقتة الانفتاح على الفاعليات المحلية واحتواء مطالبها بأقل قدر من الأضرار، وهذا كان من شأنه أن يعزز التوافق الداخلي والسيادة الوطنية، بدلًا من إيصال الأمور الى ترسيخ دور "إسرائيل" في القضايا الداخلية.

ويمكن القول إن "إسرائيل" نجحت في دفع حكومة أحمد الشرع إلى الجلوس معها لمناقشة قضية ذات طابع داخلي بحت؛ تتعلق بإدارة الوضع الأمني في محافظة السويداء. ويحمل هذا التطور دلالات عميقة، إذ يعني إقرارًا عمليًا بالنفوذ "الإسرائيلي" في هذه المنطقة السورية، ما يتجاوز ملف الحدود.

وبهذه الخطوة، يكرس العدو نفسه لاعبًا رئيسًا في ما يسمى "سوريا الجديدة"، حيث لا تبدو الحكومة المؤقتة صاحبة القرار الفعلي في القضايا التي تُبحث مع العدو. ويفتح الدور الجديد للعدو، والذي يحتل بالفعل مناطق عدة في جنوبي سوريا، الباب أمام إعادة صياغة موازين القوى داخل سوريا، وتحديدًا في المناطق التي تتسم بضعف السلطة المركزية، وليس فقط على جبهة الجولان كما كان الحال طوال عقود مضت.

غياب الرؤية الإستراتيجية

يُلاحظ أن التكتيكات التفاوضية التي تعتمدها الحكومة السورية المؤقتة تبدو أقرب إلى ردود فعل آنية؛ تأتي تحت ضغط الوضع الأمني من جهة، وتدخلات أميركية وإقليمية من جهة أخرى. وتُظهر الافتقار إلى إستراتيجية واضحة تحدد الأولويات الوطنية وتنزع ورقة استغلال الأزمات الداخلية من يد العدو، الأمر الذي يؤدي في النتيجة الى إضعاف موقفها في مقابل الجانب الصهيوني، وتعميق شعور المكونات المحلية بالتهميش. 

يثير هذا الأمر تساؤلًا عمّا إذا كانت دمشق تحدد الهدف من هذه المفاوضات، أم أنها تكتفي بالتكيف مع أجندة يفرضها العدو. وثمة تساؤل أكبر عمّا إذا كانت الحكومة السورية المؤقتة تريد التوقف عند الجانب الأمني من المفاوضات، أم أنها تتخذها مدخلًا للذهاب أبعد من ذلك، في وقت يجري الترويج منذ شهور لانضمام دول عربية عدة، من بينها سوريا، إلى ما يسمى "الاتفاقيات الإبراهيمية" التي ترعاها الإدارة الأميركية. 

يعيدنا هذا الوضع إلى قصة حديث رئيس الإدارة المؤقتة أحمد الشرع مع رئيس الحكومة اللبنانية السابق نجيب ميقاتي؛ عندما زاره الأخير على رأس وفد وزاري في كانون الثاني/يناير الماضي. ووفقًا لعدد صحيفة "الأخبار" الصادر في الأول من شباط/ فبراير الماضي، "قال الشرع لميقاتي: قل لي دولة الرئيس، هل أنور السادات في نظرك يُعد خائنًا؟ صمت ميقاتي ولم يردّ، كمن ينتظر أن يواصل الرجل حديثه، لكن الشرع كرّر: سألتُ ولم تُجب، هل ترى أنور السادات خائنًا؟ أيضًا ابتسم ميقاتي بما يجعل الرجل يفهم أن لا جواب لديه.. فأخذ الشرع نفَسًا ليكمل: فكّرتُ بالأمر طويلًا، وأنا درستُ ثورات العالم كلها، وراجعتُ ما مرّ على الأمة العربية من أفكار وقوى، والآن، أفكر لو أنني كنت مكان السادات في حينه، لفعلتُ الأمر نفسه!". 

ونقلت صحيفة "نداء الوطن" مضمون الحديث نفسه بإسناده إلى الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، والذي أوضح أن الرئيس نجيب ميقاتي ذكر له أن الشرع قال: "إن الرئيس السادات كان وطنيًا عندما أعاد الأراضي المصرية التي احتلتها إسرائيل، وهو ما لم نستطع القيام به من خلال كل الوسائل التي جرّبناها حتى اليوم".

هذا التسريب، والذي لم يقابله نفي من الجهات المعنية، يعكس مقاربة مبكرة تكوّنت عند "الشرع" تجاه الصراع مع "إسرائيل"، وبالتالي فإن ما جرى في السويداء لاحقًا لم يشكل التحول الذي يدفعه لإجراء اتصالات مع العدو. إذ إن الرجل لديه قاعدة اتصالات خلفية مع جهات بريطانية وأميركية بدأت في إدلب قبل سنوات، وبالتالي فإن وصوله الى السلطة وانفتاح الغرب الأميركي والأوروبي سريعًا عليه لا بد أنه ارتبط بتفاهمات مسبقة بشأن مستقبل العلاقة مع "إسرائيل" التي تُعد حجر الزاوية في تفكير حكومات الغرب حيال المنطقة. 

لكنّ اليمين الصهيوني الحاكم لم يكن لديه الحماس الكافي للاعتراف السريع بحكم "الشرع"؛ قبل وضع شروط مشددة على الطاولة، مع الإشارة إلى أن ما جرى في السويداء، وما حدث من قصف العدو لدمشق، شرّعا الباب عريضًا أمام التفاوض بين الجانبين. وثمة من يسوّغ الآن لحكومة دمشق المؤقتة هذه المفاوضات بدعوى ضرورة احتواء الوضع في السويداء وضرورة الحفاظ على الاستقرار العام ومكتسبات السلطة الجديدة ومنع التغوّل "الإسرائيلي"، وبعض هؤلاء هم من كانوا يتصدّرون مشهد التشدد حيال التعامل مع الدروز في هذه المنطقة!.  

وبينما تفرض "إسرائيل" نفسها شريكًا في إدارة الأوضاع في الداخل السوري، يبدو مستقبل الجولان المحتل غائبًا عن جدول أعمال السلطة الجديدة في دمشق، في غياب أي إشارة واضحة لإدراجه ضمن أولويات المفاوضات.

في الختام، تعكس اللقاءات بين حكومة دمشق والعدو الصهيوني تحولًا يهدف، برعاية أميركية مباشرة، إلى ترسيخ فصل سوريا عن محور المقاومة وجعلها منطقة جغرافية عازلة بين إيران والعراق من جهة، ولبنان وفلسطين من جهة أخرى. 

ويبقى تقدير ما إذا كان هذا التحول مجرد مرحلة عابرة أو لا، رهنًا بالتطورات الداخلية في سوريا وفي المحيط الإقليمي، إضافة إلى الأحداث المتسارعة على الساحة الدولية.

الكلمات المفتاحية
مشاركة