اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الحاج حسن: للذهاب إلى نقاش إستراتيجية أمن وطني لمواجهة التهديدات

مقالات

مقالات

"منطقة ترامب الاقتصادية" في جنوب لبنان وأحدث أوهام العودة إلى الوراء

74

قامت فلسفة التطبيع على خلق مصالح مشتركة وإغراءات تحفّز على استبدال العداء وكلفته بوعود للرخاء، واستبدال البيئة الأمنية والجبهة العسكرية ببيئة استثمارية وجبهة من النخب المستفيدة تشكّل رديفا للتطبيع واختراقًا للشعوب؛ إذ تكون مندوبًا عن العدو وخصمًا للرافضين للتطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني.

لقد شكّل التقرير الأخير عن المنطقة الاقتصادية المخطط إنشاؤها في جنوب لبنان، تحت مُسمى "منطقة ترامب الاقتصادية" حلقة جديدة في المحاولات الأميركية والصهيونية لحماية أمن الكيان، وتكريس وجوده عبر رخاء اقتصادي مزعوم، لم تأتِ أي سابقة له بالرخاء للدول التي أقدمت على التطبيع، مثل مصر والأردن في مشروعات شبيهة، مثل المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) في الأردن ومصر، والتي أدت دورًا في تهيئة بيئة اقتصادية– سياسية سبقت أو رافقت مسار التطبيع مع "إسرائيل".

كما سرّب أنّ المنطقة ستكون بتمويل خليجي، وتحديدًا سعوديًا وقطريًا، وهو ما يفتح الباب لاستدعاء سوابق تاريخية شاركت بها الدول نفسها، في مشروعات تخدم التطبيع، وبشروط تحاصر المقاومات وتدعم الحكومات المعادية للمقاومة.

في هذا السياق، إعلان هذه المنطقة بحاجة إلى تحليل للشكل الذي أعلن من خلاله، وكذلك للمضمون المخطط له، وبيان الأهداف الحقيقية من ورائه والمستفيدون من تمويله.

أولاً- المخطط وما كُشف عنه

كشفت بعض وسائل الاعلام، وتحديدًا في موقع "اكسيوس"، خبرًا يتحدث عن إنشاء ما يُسمّى بـ"منطقة ترامب الاقتصادية" في جنوب لبنان، وهي جزء من الخطة الأميركية الأوسع لفرض معادلة جديدة على الحدود اللبنانية – "الإسرائيلية"، تقوم على تفكيك السلاح (غير الشرعي) مقابل ضخّ استثمارات كبرى في البنية التحتية والتنمية.

وفقًا للمصادر الإعلامية، أن هناك توافقًا على خطوط هذه الخطة العريضة، في اجتماعات باريس، بين السفير توم برّاك ومورغان اورتاغوس والوزير "الإسرائيلي" رون ديرمر. وتقوم الفكرة على تحويل القرى والبلدات الجنوبية من ساحة مواجهة عسكرية إلى منصّة اقتصادية، عبر إنشاء مشاريع استثمارية وصناعية وخدماتية، ما يحدّ من قدرة حزب الله على إعادة التموضع العسكري في هذه الرقعة الحساسة، وقدّمت الولايات المتحدة المشروع بصفته بندًا مركزيًا في المفاوضات الجارية.

ثانيًا- شكل كشف مخطط المنطقة الاقتصادية وسياقه

من ناحية الشكل، جاء الإعلان على هيئة تسريب لموقع "اكسيوس". وهذا النمط في الإعلان عبر التسريب يوحي بأن القضية هي محل تفاوض ومشروطة بإجراءات على الأرض، أي تتبع سياسة "الخطوة مقابل الخطوة". كما أنها بالونة اختبار لقياس ردود الأفعال قبل الإعلان الرسمي الذي تتوقف صياغاته على قياس رد الفعل وعلى تجاوب الأطراف المختلفة.

كما أن وجود الأطراف نفسها؛ وخاصة "توم باراك" في صدارة الإعلان عن المخطط ومناقشته وتزامن ذلك مع مشروعات شبيهة في سوريا ترتبط بإجراءات تطبيعية، يوحي بالتخطيط لمسار شبيه في لبنان. وهذا ما يعني باختصار أن القضية هي قضية مساومة وضغط وإعلان للاصطفافات. وهو تكريس لوضع التحالفات على الأرض والمتمثل بتحالف السعودية مع أميركا والحكومة اللبنانية في حصار وإضعاف المقاومة وبيئتها والتمهيد للتطبيع مع العدو "الإاسرائيلي".

ثالثا- من ناحية المضمون

المضمون المباشر يمكن مناقشته على عدة مستويات:

1.    المستوى السياسي، عبر حصار المقاومة واستعداء قطاعات من الشعب اللبناني ضدها، على أساس أن المقاومة وسلاحها هما من يعطلان الرخاء الاقتصادي.
2.    المستويان العسكري والأمني، بخلق منطقة عازلة مفرغة من أهل القرى الجنوبية، وهو تغيير ديموغرافي يستبدل الحاجز الدفاعي البشري بمنطقة محمية أمنيًا على أساس أنها "منطقة استثمارية".
3.    المستوى الاستراتيجي، بخلق اختراق اقتصادي له نفوذ أميركي وخليجي يمهّد الأرض لتطبيع اقتصادي مع الكيان، ودمج لبنان في مشروعات التطبيع الإقليمية.

رابعًا- دور الخليج في حماية الحكومات التطبيعية والمعادية للمقاومة

ارتباط مخطط منطقة "ترامب الاقتصادية" بتمويلات خليجية سعودية وقطرية، يستدعي دور الخليج، وتحديدًا السعودية، في دعم الحكومات التطبيعية والمعادية للمقاومات، فقد كانت السعودية حاضرة بالتمويل لمشروعات "الكويز" في مصر والأردن، والتي اشترطت وجود مكونات "إسرائيلية"، وجميع المشروعات التي مهدت لمسارات التطبيع. وكذلك الحال في استخدام تمويل إعادة الإعمار في غزة ولبنان ورقةَ ضغط، حيث تنتقي الأماكن التي يعاد إعمارها؛ بحيث تتجنّب مناطق نفوذ المقاومة، كما كان الوضع بعد حرب تموز العام 2006، والتي تولى حزب الله الإعمار فيها عبر مشروع "وعد" بمساعدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

لعلّ أبرز مصداق تاريخي تمثل في مصر؛ عندما موّلت السعودية سرًا حكومة "أنور السادات"، على الرغم من الإعلان الرسمي لقطع العلاقات بسبب "كامب ديفيد"، ووصف السادات بـ"الخائن". وقد كشفت وثائق الخارجية الامريكية المفرج عنها تعاملات الرياض المزيفة، حيث قدمت لواشنطن دعمها السري لـ"عملية السلام" التي تقودها الولايات المتحدة، في "الشرق الأوسط"، بينما رفضت علنًا "الحل المصري الأحادي" مع "إسرائيل".

خامسا- تدرّج الانتهاكات الأميركية والصهيونية لاتفاق وقف إطلاق النار

تشكّل هذه الخطة أعلى سقف للانتهاكات الأميركية الصهيونية، فهي بمثابة استدعاء للقرار 1559 بدلاً من الحديث عن القرار 1701، حيث أوقف إطلاق النار بروح القرار 1701 وبالحديث عن جنوب الليطاني وإبعاد المقاومة إلى شمال النهر، بينما وصل الحديث اليوم إلى نزع سلاح المقاومة وإقامة منطقة عازلة. وقد كشفت الصحف "الإسرائيلية" أن فكرة المنطقة الاقتصادية هي طرح "إسرائيلي"، في الأساس قدّمته المستويات الأمنية، كونه بديلاً، شكلاً مضمونًا، عن المنطقة عازلة، وبالطبع تتولى أميركا ترجمة هذه المخططات إلى مشروعات تحمل اسم "ترامب".

مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأميركية من تقود العدوان، وهي صاحبة  الأجندة الحقيقية التي تريد إفراغ المنطقة من المقاومات وتحويل غزة إلى "ريفيرا" ودمج سوريا ولبنان والأردن في مشروعات جيو اقتصادية أميركية، وجعل "إسرائيل الكبرى" مندوبًا ومديرًا لهذه الهيمنة.. 

لكنّ الأمور لا تدار في فراغ سياسي وعسكري، فالمقاومة حاضرة، وهي من حوّلت أوهام القرار 1559 إلى قرار أقرب للتوازن في 1701 فرضته تضحيات حرب تموز 2006، وستكون لها كلمتها لرد هذا التغول وهذه الردة التي تحاول إعادة الزمن إلى الوراء.

الكلمات المفتاحية
مشاركة