مقالات

حتى الآن؛ المعطيات المرتبطة كلها بترتيب وقف الحرب على غزة وعملية التبادل بين الأسرى "الإسرائيليين" والمحتجزين المحكومين الفلسطينيين، بالإضافة لإدخال المساعدات إلى القطاع وإعادة اعماره، تؤشر إلى أن الاتفاق كما أُخرج برعاية مباشرة من الأميركيين وبوساطات إقليمية واسعة وبالتزام من طرفي المواجهة الرئيسين: الاحتلال وحماس، يسير في طريق التنفيذ بشكل كامل.. لكن تبقى عدة تساؤلات أساسية يجب الإضاءة عليها؛ وهي:
1. هل تسلك مراحل الاتفاق كلها كما رُسمت بالتمام؟ أم أن الضغط الدولي والأميركي لإكمالها سيتوقف أو يتعثر تلقائيا بمجرد انتهاء المرحلة الأولى بشقيها: تسليم الأسرى "الإسرائيليين" وانسحاب وحدات الاحتلال إلى "خط ترامب الأصفر" الذي تضمنته خريطته؟
2. ما هو مصير المراحل المتبقية، وهي إكمال انسحاب الاحتلال حتى المنطقة العازلة الحدودية مع غزة؟
3. هل تدخل المساعدات تمامًا بالكميات نفسها التي يحتاج إليها أبناء غزة؟
4. هل يسلك طريق إعادة الإعمار وبناء ما دمره العدو "الإسرائيلي" داخل القطاع؟
5. هل تنجح الترتيبات السياسية التي خطط لها رعاة الاتفاق والوسطاء، والمتعلقة بإدارة القطاع وبمصير حماس "العسكرية" أو "حماس السياسية"؟
كذلك؛ هناك غيرها كثير من التساؤلات الغامضة، والتي يمكن ان تخرج من التفاصيل التنفيذية المنتظرة كلها..!
في الحقيقة، واستنادًا إلى مسار كامل من التجارب مع كيان الاحتلال، يحمل الاتفاق ومراحله المتدرجة، وتحديدًا ما هو مرتبط بالتساؤلات المذكورة أعلاه، كمًا واسعًا من النقاط الغامضة، والتي يمكن أن تشكّل أسبابًا وتسويغات للاحتلال لعرقلة الاتفاق ولتعليق تنفيذ المراحل المدرجة في بنوده تباعًا، والتي هي بأغلبها تشكل التزامات لأبناء غزة. إذ بعد أن تستلم "إسرائيل" أسراها، وخاصة الأحياء منهم بداية، لن تكون معنية بأي بند آخر من الاتفاق لكونه مطلبًا مباشرًا لها، إلا فقط البند المتعلق بوقف مسار التسلح لحركة حماس بنوع خاص، وعمليًا لفصائل المقاومة طلها داخل القطاع، الأمر الذي يمكن أن تستغله دائمًا - وبادعاءات مختلقة - لتتجاوز الاتفاق وتعاود الاعتداء على القطاع.
بناء على ذلك؛ يمكننا القول- ومع أسف شديد- إن قدرة كيان الاحتلال على التحكم بمسار القطاع وبأبنائه بعد استلامه الأسرى، هي قدرة واضحة وأكيدة، خاصة أنها تمسك عمليًا مسار تنفيذ بنود الاتفاق كلها، والتي هي مطالب أساسية لأبناء القطاع، والذين عمليًا وفعليًا لا يملكون إلا سلاح "المقاومة والصمود" باللحم الحي، والذي شكّل الإنجاز الرئيس لثباتهم عامين بالتمام والكمال في مواجهة آلة حرب شرسة وقوية، تقودها حكومة متشددين مجرمين، ومدعومة بمروحة خارجية واسعة، إقليميا ودوليًا، على رأسهم الإدارة الأميركية.
يبقى السؤال المحوري، والذي لا يمكن الإجابة عنه الآن، بانتظار تبلور المسار الإقليمي والدولي؛ وهو : ما إمكان أو احتمال فرصة تثبيت الدولة الفلسطينية المفترضة، جغرافيًا وسياسيًا واداريًا، والتي اعترفت بها مروحة واسعة من الدول، وبينهم دول إقليمية غربية التي تعدّ عمليًا من الدول الصديقة لكيان الاحتلال؟ والتي على أساسها يتقرر مصير غزة والضفة الغربية والقدس، ويتحدّد تاليًا، ولو بنسبة كبيرة، مسار الصراع مع العدو "الإسرائيلي"؟