مقالات
عندما أقول المقاومات بصيغة الجمع وليس المقاومة بصيغة الفرد يكون التذكير بتجارب المقاومات عبر التاريخ وما استطاعت ان تُنتجه من نهايات ارتبطت ولا تزال بوصولها إلى التحرير كمُسلّمة لا نقاش فيها، مع التأكيد على أنّ الأثمان التي دُفعت كانت كبيرة يسمّيها المناهضون للمقاومات خسائر وتسمّيها المقاومات تضحيات.
في منطقتنا العربية عايشنا عدّة تجارب كان أبرزها تجربة المقاومة الفلسطينية التي مرّت ولا تزال بتحولات ومتغيرات سواء كانت سلبية أو إيجابية، لكنّها راكمت خبرات كبيرة وصلت مع تجربة حركات المقاومة الإسلامية إلى مستويات غير مسبوقة من الإبداع وابتكار الأنماط المتناسبة مع كلّ مرحلة من مراحل الصراع.
في لبنان كما في فلسطين مرّت المقاومة الوطنية بداية ومن ثمّ الإسلامية بمراحل صعود وهبوط في القدرة والتأثير ولكنها لا تزال قائمة ومستمرة تجدد نفسها وتتفاعل مع المتغيرات وخصوصًا بعد الضربات الموجعة التي تلقّتها من ضربة البيجر واللاسلكي وصولًا إلى اغتيال القادة والسيد نصر الله، مرورًا بمعركة أولي البأس وصولًا حتّى اللحظة التي لا تزال الضربات قائمة بهدف اقتلاعها من جذورها في سياق مواجهة هي الأشرس وصفها العدوّ ولا يزال بالحرب الوجودية لإدراكه أنّه لا تزال هذه المقاومة مصدر خطر على وجوده.
امتازت المقاومة الإسلامية في لبنان بتجربة مختلفة عن غيرها من المقاومات بوصولها إلى مستويات عليا في الجانب التنظيمي مكّنها من تحقيق العديد من المكاسب في محطات مختلفة سواء في تطوّر العمليات العسكرية منذ النشوء حتّى التحرير عام 2000، وفي ما بعد خلال مواجهة العام 2006 وصولًا حتّى معركة أولي البأس التي كانت معركة ملحمية بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى حيث واجهت تشكيلات قليلة العدد من المقاومين لا تتجاوز الفي مقاوم 5 فرق عسكرية "إسرائيلية" مدججة بأحدث أنواع الأسلحة البرية والمدعومة بقوة جوية وإمكانيات هائلة في الحرب الإلكترونية على جبهة طويلة وعلى الحدّ الأمامي مباشرة.
هذه المعركة كانت خارج الأنماط التي تعتمدها المقاومات عادة وكانت أقرب إلى مواجهة بين جيشين وليس بين جيش ومقاومة.
في كلّ المواجهات التي خاضتها المقاومة الإسلامية لم يكن هناك تناسب ولو بالحدود الدنيا في ميزان القوى المعتاد الذي تتم من خلاله الحسابات وتقدير الموقف على قاعدة العديد البشري والوسائط القتالية ومع ذلك لم يستطع العدوّ المتفوق عدّة وعديدًا وبدعم مطلق من الغرب الجماعي وعلى رأسه أميركا إخضاع المقاومة.
وهنا يبدو السؤال المنطقي: لماذا تستطيع المقاومات ومن بينها المقاومة الإسلامية في لبنان النهوض مجددًا رغم تلقيها ضربات كبيرة في بنيتها وهيكلها؟
في البعد المباشر يمكن التأكيد على أن السبب الرئيسي في استعادة المقاومة قدراتها مبنيّ على الهيكلية المرنة التي أخذت بعين الاعتبار ومنذ بداية انطلاقتها ضرورة تدريب أكبر عدد من القادة بكفاءات متقاربة ربطًا بتفوق العدوّ وإمكانياته في الوصول إلى القادة واستهدافهم وهو أمر ثابت في كلّ مدارس العدوّ العسكرية والأمنية يعتبر أن تصفية القادة يمكن أن يؤدي إلى تراجع القدرة وبالتالي عدم استطاعة المقاومة الاستمرار وبالتالي الانتهاء.
وعلى الرغم من فشل هذا التفكير الأمني والعسكري لا يزال العدوّ مصرًّا ان الاغتيال سيؤدي إلى هزيمة المقاومة.
ولتأكيد فشل نظرية العدوّ فقد تعرضت المقاومة للعديد من الاستهدافات بدءًا باغتيال السيد عباس الموسوي ومرورًا باغتيال الشهيد عماد مغنية والعديد من القادة الكبار الذين استشهدوا في مواجهات مختلفة، ومع ذلك لا تزال المقاومة موجودة وقادرة حتّى في اصعب المراحل ربطًا بهيكليتها المرنة وهو بعد تقني له علاقة بالتحضير والأداء وبالجانب الأهم وهو العقيدة التي تتفرع منها معادلتا قوّة كانتا ولا تزالان أساس عملية البناء والاستمرار في أداء المهام حتّى اللحظة.
المعادلة الأولى:
الإرادة التي تكونت انطلاقًا من ايمان ثابت بعدالة القضية التي تبنّتها المقاومة والتي وفّرت كلّ ما يلزم من استعداد فكري أساسه في المقاومة الإسلامية البعد الديني والإيمان بأن الشهادة هي ارقى ما يمكن أن يحصل عليه الإنسان في مواجهة عدّو متغطرس وظالم فكيف إذا كان العدوّ هو الصهاينة الذين يمارسون أعلى مستويات الغطرسة والتوحش وهو ما ينتج عنه التكليف الشرعي الذي يُعتبر دافعًا أساسيًا انتج مقاتلًا استثنائيًا لم يفهمه العدوّ ولن يفهمه أبدًا وهو من نقاط القوّة الأساسية في عمل المقاومة؟
المعادلة الثانية:
الإدارة وهي مجموع التدابير الأولى التي اعتمدها الجسم المقاوم منذ البدايات وصولًا حتّى اللحظة ممّا اوجد جسمًا قادرًا على التجديد والتفاعل مع كلّ مستجد مستفيدًا من التجارب مرّها وحلوها مع ارتباط هذا النمط من أنماط الإدارة بالشورى كعنصر أساسي من عناصر تقدير الموقف واتّخاذ القرار ما يعني ان صياغة القرار تتم بشكل جماعي وليس ببعد فردي يعتمد على الشخص الواحد.
ختامًا لا بدّ من تثبيت عنصر من أهم عناصر بقاء المقاومات ومن بينها المقاومة الإسلامية في لبنان وهو التعبئة القائمة على مخاطبة العقل انطلاقًا من عقيدة واضحة وهو ما يسميه حزب الله والمقاومة بجهاد التبيين لمواجهة كلّ الفبركات والأضاليل وهو عمل دؤوب متواصل ويتكيّف مع التبدلات وطبيعة الأنماط التي يعتمدها العدوّ ومن يتماهى معه.