مقالات
يشكّل اقتراع اللبنانيين غير المُقيمين في لبنان عقدة انتخابات أعضاء مجلس النواب المُفترض أن تجري قبل 21 أيّار من العام 2026 وسط انقسام سياسيّ حاد حول الموضوع بحيث يطرح البعض احتمال تأجيل الانتخابات لحين التوافق حول هذه القضية.
ونظرًا للحصار الذي يُعانيه مؤيدو المقاومة في العالم بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية، يتخوّف فريق لبناني كبير من الضغوطات سواء الاقتصاديّة أو القانونيّة التي سيتعرّض لها المغتربون اللبنانيون المُنتشرون حول العالم، ما سيؤثر على ديمقراطية خياراتهم التمثيلية السياسية وحرية إدلائهم بأصواتهم، ما يعني خللًا بالتمثيل أو رجحان كفة التمثيل لصالح فئة داخليّة تستغل الظروف الداخلية والإقليميّة الحاليّة.
من هنا، يرتفع منسوب الضغط على رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري من كافة الأنواع، ولا سيما التصريحات الإعلامية، من جهات مُحددة، وآخرها مؤتمر إعلاميّ صبّ جام حقده على شخص الرئيس في غياب تام للعقلانيّة السياسيّة التي يتبجح بها البعض، ما يكشف حجم الحملة من أطراف خارجيّة وداخليّة ليكون مجلس دورة العام 2026 بقبضة السياسة الأميركية تحديدًا.
حسين عبيد: خلفيات سياسيّة وطائفيّة
في اتّصال مع الدكتور حسين عبيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسيّة في الجامعة اللبنانيّة للاطلاع على أسباب وخلفيات الهجوم على رئيس مجلس النواب نبيه بري من قبل كتلة "القوات اللبنانية" الموجودة بالبرلمان وخارجه أيضًا، قال لـ"موقع العهد" الإخباري: "أعتقد أن خلفيات هجوم كتلة القوات اللبنانيّة على دولة رئيس مجلس النواب تعود لأسباب سياسيّة وطائفيّة. فهم يعتقدون، أو يتوهمون، أن الرئيس بري قد ضَعُف، وأنّ محور المقاومة والمُمانعة تراجع كثيرًا بعد نتائج الحرب المُدمّرة التي شنّها العدوّ "الإسرائيلي" على لبنان".
في حين يرى الدكتور قاسم قصير، الباحث والمُحلل السياسي، أن السبب يعود إلى "تعطيل الرئيس بري لمشروع "القوات اللبنانيّة" لتغيير قانون الانتخابات الحاليّ وتغيير المادّة المتعلّقة بالاقتراع".
ويُضيف قصير: "ولأنه يطرح مشروعًا متكاملًا للانتخابات يُعيق مصالحهم، لذا قاموا بشنّ حملة قاسيّة عليه. وهم يُطالبون بتغيير القانون بما يخدم مصالحهم الانتخابيّة".
ويكشف عن أسباب أخرى، أبرزها "لكون الرئيس بري هو المرجع في الشأن السياسي، سواء بالنسبة للمفاوضات أو سلاح المقاومة، ولأنه يُمثّل رأس الحربة في التحالف مع حزب الله".
من جهة أخرى، يقول الدكتور عبيد إنهم "يعتبرون أن هذه الطائفة، أو الثنائي الوطني، قد انهزم، ويرون في هذا الوضع فرصة للقضاء على هذا الخط السياسي"، و"يسعون لهدم قواعد هذه الثنائيّة لأنهم يعرفون أن الرئيس بري هو الحصن الأخير وخط الدفاع الأخير عن هذا المحور، وبالتالي فإن إضعافه أو تجاوزه داخل مجلس النواب سيمنحهم نصرًا سياسيًا، وهذا ما يطمحون إليه من خلال محاولة الوصول إلى غالبيّة برلمانيّة في الانتخابات المُقبلة في العام 2026".
أما المُبررات التي طرحوها بخصوص انتخاب المُغتربين، ومدى أحقيّته يلفت عبيد إلى أنها "ليست سوى وسيلة للهجوم السياسي على الثنائي وعلى دولة الرئيس بري".
ويكشف عن محاولات الرئيس بري تجاوز المشكلات بقرار وطني "حيث يزايدون في الخطاب بأنّهم الأحرص على حقوق المُغتربين، في حين أن المُغتربين ينتمون إلى جميع الطوائف اللبنانيّة، بينما لا يوجد تكافؤ فرص حقيقي في ما بينهم. فالكثير منهم لا يستطيع ممارسة حقه الانتخابي بعدل ومساواة مقارنة بباقي اللبنانيين في الخارج".
وعن المستهدف أَهوَ الثنائي الوطني أم الكتل المسيحيّة الأخرى ومعها جمهورهم، يؤكد الخبير القانوني الدكتور حسين عبيد: "أعتقد أن الاثنين مستهدفان، لأنهم يستهدفون الثنائي بشكل مباشر، وأيضًا يستهدفون الحلفاء المُفترضين للثنائي من بقيّة القوى المسيحيّة، لا سيما "التيار الوطني الحر"، من أجل تشويش الصوت المسيحي بهدف الابتعاد عن خط التيار الوطني الحر وتأييد القوات، في حال حصلت بعض التحالفات في بعض الدوائر الانتخابيّة".
وعن سياسة الضغوط لأجل تسوية قادمة، ولأجل جذب الناخب المسيحي، يشدد على أنهم "يُظهرون شيئًا للعلن، ويضمرون نيّة مختلفة خلف الكواليس. والمُحصلة، الهدف من هذه اللعبة السياسيّة هو حشد التأييد المسيحي لهم، والحصول على أكبر كتلة مسيحيّة ليتمكّنّوا من القول إنهم يمثلّون المسيحيين، وإنهم المُمثل المسيحي الأقوى على الساحة اللبنانيّة، وبالتالي إضعاف كافة القوى المناوئة لمشروعهم، سواء أكان الثنائي الوطنيّ أم "التيار الوطني الحر"".
قاسم قصير باحث ومحلل سياسيّ
وعن الهجوم الذي تشنّه "القوات اللبنانيّة" وبعض الحلفاء على الرئيس نبيه بري، نسأل عن المهمّة الواجب الإضاءة عليها، يقول قصير "من المهم التركيز على أهميّة الانتخابات النيابيّة في المرحلة المقبلة"، لأن برأيه "هناك مشروع واضح يهدف إلى تغيير التمثيل الشيعي، خصوصًا السعي لاستبدال رئيس مجلس النواب نبيه بري. هذا الهجوم على نبيه بري يهدف إلى انتخاب رئيس مجلس نيابي غيره"، مع "سعي حثيث لإيجاد نواب شيعة من غير "حركة أمل" و"حزب الله"، ولو أدى الأمر إلى التخلّي عن بعض النواب المسيحيين، إضافة إلى التحضير لمعركة مهمّة في المجلس النيابي القادم". ويحذّر قصير بالقول "نحن أمام مرحلة قاسية جدًا، وستكون الانتخابات النيابيّة المُقبلة صعبة وحاسمة".
وعن سرّ تخلف "كتلة القوات" عن الجلسات ومقاطعة جلسة التصويت، علمًا أن ثمة كلامًا عن اتفاق ضمنّي بين الكتل، يؤكد قصير أن "مقاطعة الجلسة جاءت بهدف الضغط على رئيس المجلس من أجل تمرير مشروع تعديل قانون الانتخابات، ولأن هذه الجلسة كانت للنقاش حول مشروع تمويل "البنك الدولي" لموضوع عاجل هو إعادة الإعمار، لذا يحاولون استغلال ذلك للضغط على الرئيس بري".
ختامًا، لا بد من السؤال: لماذا غاب نواب كتلة الجمهورية القوّية (القوات اللبنانيّة) عن حضور آخر جلسة لمجلس النواب التي من المفترض خلالها مناقشة القوانين الانتخابيّة المُقترحة المُدرجة على جدول الأعمال، والتي يبلغ عددها ثمانية، وبذلك يكونون قد أفقدوا الجلسة النصاب، رغم كلامهم المُستمر عن السعيّ لإقرار قانون انتخاب المُغتربين في الدائرة 16 المُستحدثة، والتي على أساسها سيُصبح عدد نواب المجلس المستقبلي 134 نائبًا، وبالتالي الإبقاء على قانون الانتخاب التي جرت على أساسه في العام 2022 أي على أساس 15 دائرة في لبنان من خلال نقل المغتربين للتصويت كلّ في منطقته الانتخابيّة بحيث يبقى عدد النواب 128 نائبًا؟