مقالات مختارة

صحيفة الأخبار - علي عواد
مبعوث الإمبراطورية المجرّية إلى بلادنا. نظر حوله، شمّ الهواء، ثمّ تقيّأ صفًا سلوكيًّا: لا تكونوا فوضويّين… بلا "حيونة". وزّع مذكّرات ضبط على الصحافيين: ممنوع العواء في حضرة الإمبراطورية.
فتح فمه فخرج منه قاموسٌ عمره قرون: أنتم مادّة للتأديب، ونحن معيار الحضارة.
في عقل المستعمر، العالم يشبه حديقة حيوانات. هناك الأقفاص مرتّبة ولامعة ومكيّفة، حيث يجلس "المتحضّرون". وهناك البقيّة: كائنات تثير الضجيج وتحتاج إلى عصا المروّض.
لذلك يطلب من الصحافي أن يكون "حضاريًا". الترجمة: إجلس بهدوء، لا ترفع صوتك، ابتسم للكاميرا، وصفّق عند اللزوم. الحيوانية هي أن تتجرّأ وتخرج عن الطابور. والطابور مزدحم بالمناسبة.
في خياله، هو ليس رجل أعمال عاديًا. هو كائن فضائي يهبط من سفينة إمبراطورية تدور فوق الكوكب، يوزّع على الشعوب تعليمات النجاة: لا ضجيج، لا سؤال، لا حياة خارج النظام الشمسي للإمبراطورية.
اللون لا يغيّر شيئًا. يمكن أن يكون رجل الإمبراطورية أبيض أو أسود. الذهنية واحدة. الاستعمار عدوى عقليّة تصيب من يتذوّق طعم السلطة المطلقة، فيظن نفسه وصيًّا على البشريّة.
فشكرًا لتوم برّاك على خدمة جليلة ذكّرت بعضهم أنّ الاستعمار لا يصدأ. يغيّر الزيّ، يبدّل الممثّلين، يلوّن الخطاب، ويظل يرانا كما رآنا أجداده: فوضى… وحيوانات.