اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي خوذة بالموجات فوق الصوتية قد تُحدث ثورة في علاج "باركنسون" دون جراحة

نقاط على الحروف

نقاط على الحروف

"الشيعة" في خطاب جعجع: العقدة التي لن يُشفى منها! 

152

لم يتأخّر رئيس حزب "القوّات اللبنانية"، المدعوّ سمير جعجع عن إحياء ذكرى "شهداء المقاومة اللّبنانية" في الحرب الأهلية منذ يومين. فالرّجل المغرق في الحنين لتلك الحرب الأهلية يبحث "بالسراج والفتيلة" عن مناسبة يلقي فيها خطابًا يوصل من خلاله للجمهور مكنونات نفسه الانعزالية وأوهامه التي كلّما مرّ عليها الوقت ظهرت في فلتات لسانه أكثر. إذًا، الطائفيّ الذي يعتاش من مستنقع الاقتتال الداخلي لم يستطع كظم تعطّشه للإلغاء أكثر، ولأنّه لا يحبّ الانتقائية ويفضّل شنّ خطاباته وفق معيار واسع ومحدّد، قرّر أن يخاطب الطائفة الشيعيّة برمّتها وليس حزب الله فقط بوصفه حزبًا سياسيًا وبيئة اجتماعية تقف على الطرف النقيض لمشروعه، أو بمعنى أدقّ، للمشروع الذي يشكّل جعجع واحدة من أدواته.. خاطب جعجع "الشّيعة" من موقع المتوهم بأنه "المنتصر القويّ"، لنقل أنّ في الأمر استذكارًا لحواجز الذّبح على الهويّة، حيث لم يكن المارّة يُسألون عن انتمائهم السّياسي أو رأيهم بالأحداث، كان يكفي أن ينتموا إلى طائفة أو مذهب يعاديهما جعجع كي يلقوا مصيرًا مظلمًا، يبدأ بالخطف وبالتعذيب ونادرًا ما ينتهي بغير القتل! هذا هو جعجع، وما كان منبر خطابه منذ يومين سوى محاكاة لحاجز البربارة، فمن شبّ على الشيء شابَ عليه، ولو في ساحات الوهم والاستعراض الركيك.

وقف جعجع بوجه يغلبه تشنّج الملامح بين ذاكرة يحاول أن يعيد إحياءها وواقع يعجز عن قراءته فيُسقط عليه أوهامه وأحلامه. وبالطبع لم يتلُ فعل ندامة، ولم يعتذر من شارعه عن سفك دماه ذات حرب.. الرجل الذي اعتاش طوال عمره من الفتنة الطائفية ومن محاولات إشعالها، وجّه خطابه بالكامل تقريبًا للشّيعة، ولعلّ في هذا المنحى التحريضيّ المباشر محاولة لمحو ذاكرة "المسيحيين" عسى ينسون أنّه قتل زعماءهم وفجّر كنائسهم.. وأخرى لدفع السُنّة إلى تناسي ارتكاباته بحقّهم منذ أن اغتال رئيس الحكومة رشيد كرامي إلى أن تآمر على رئيس الحكومة سعد الدين الحريري أثناء اختطافه في السعودية وإجباره على الاستقالة.. ولعلّه أيضًا أراد من تخصيص "الشّيعة" دفع الدروز إلى نسيان مجازره في الجبل.. ببساطة، بدا وكأنّه يطمئن بقيّة الطوائف أنّه في المرحلة الحالية لا يشغله سوى "الشّيعة"، بعقيدتهم وثقافتهم ونمط حياتهم وخياراتهم، وأنّه لن يستهدف سواهم. ولذا، تضمّن الخطاب تهديدًا وترغيبًا وترهيبًا ووعيدًا واستعلاءً ومسايرة بدت أقرب إلى مشهدية استدراج وخديعة. 

يحسب جعجع أن "إسرائيل" هزمت المقاومة في لبنان، ويعتبر الأمر نصره الشخصيّ، ويبني عليه لنفسه صورة وهمية تجعله يعتقد أن بإمكانه وضع شروطه ومعاييره، ومن موقع القويّ الحليم ذي "القلب الطّيب"، يطالب الشّيعة بالاندماج بالشّعب اللّبناني، وبالتخلّي عن المقاومة.. كيف يكون الاندماج؟ أغلب الظنّ أن الحكيم وضع معيارًا للبنانيّة المرء، وهو أن يأتيه مجرّدًا من كرامته وسلاحه الذي به يحمي البلد كلّه، ثمّ يلتحق صاغرًا خاضعًا بالخيارات الجعجعية، ومنها مناهضة كلّ ما يعبّر عن الشّرف الوطني، والانصياع غير المشروط للأوامر الأميركية والسعودية، وإيجاد الأعذار "للإسرائيلي" في عدوانه المستمرّ على لبنان، وطبعًا التخلّي عن كلّ سمات هويّته الثقافية والأخلاقية والإنسانية... أمّا بحال رفض كلّ هذا، فيرى جعجع في الأمر انتحارًا! هو يتلو تهديدًا، يعجز عن تنفيذه طبعًا، ولكن بلغة تتوخّى اللّين كي تخفي الأنياب المتكسّرة: افعلوا ما أراه مناسبًا وإلّا... وللمضيّ في التناقض والسطحيّة، يقول جعجع إنّ "الشيعة" يهاجمون الرئيسين عون وسلام، ثمّ بعد أقلّ من دقيقة واحدة، يناقض أقوالهما بنفسه ويكذّبهما إذ يدّعي أن المقاومة لم تلتزم ببنود وقف إطلاق النار، علمًا أنّ الرئيسين كما كلّ دول العالم أقرّا بالتزام المقاومة وبعدم التزام "الإسرائيلي"، ومن ناحية ثانية، يحسب جعجع أن تكرار الحديث عن "مشروع توسّعي إيراني" قد ينجح في تكريس الكذبة كواقع، ويعتبر أنّ عدم ذكر المشروع الأميركي في المنطقة ووهم "إسرائيل الكبرى" يُسدل ستارًا على الحقيقة ويخفيها عن الأعين، إلى حين.. 

كلّ ما يفعله جعجع ويقوله طبيعيّ ومفهوم في سياق كونه أداة في مشروع خارجي، ولا معنى لوجوده إن لم يكن كذلك، ولكن وجبَ أن يصوغ أقواله بذكاء أكثر، بحكمة كان من المفترض أن يبلغ ولو القليل منها في هذه السنّ. لكنّه أبى. يلعب بسطحية سياسية شديدة في انعكاس لإفلاس مشروعه العتيق فيخاطب "الشيعة" وكأنّهم عقدته، يتشفّى بجراحهم ثمّ يدّعي الإشفاق عليهم، يهدّدهم بسيف "الإسرائيلي" ويدعوهم إلى التحرّر من أسرِ شرفهم وكرامتهم ومقاومتهم، ولا ينسى أن يطمئنهم بأنّهم لن يُقتلوا! 
تداول أهل المقاومة كلّهم، من جميع الطوائف، خطاب جعجع بسخرية واستهزاء، ليس استخفافًا بـ"حكيم" يمثّل بعض شارع في البلد وإنّما، لدوره الفعّال في شدّ العصب المقاوم عبر تركيزه الشديد على استهدافه؛ وإن كان ثمّة خير تفعله أميركا، ولو لانعدام الخيارات، فهو توظيفها لهذا المستوى من الأدوات في خدمة مشروعها، ومن تاه عن ملامح المشروع القاتل أو اختلطت عليه الشعارات، يكفيه أن ينظر في خطاب جعجع، فيدرك أنّ معسكره حتمًا هو المعسكر المقابل، كالحُسن الذي يُدرَك بضدّه!

الكلمات المفتاحية
مشاركة