اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي "خُدّام إسرائيل" يهدّدون بسيفها، ويخيبون!

لبنان

من جبل الرفيع إلى
لبنان

من جبل الرفيع إلى "أولي البأس".. معمودية الدم في "المعادلة الذهبية"

149

في لحظة من تلك اللحظات التي ولد فيها التاريخ من رحم المقاومة، كان الشاب السيد هادي نصر الله، نجل الشهيد الأسمى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، يقف على بُعد أمتار قليلة من جنود الاحتلال "الإسرائيلي" في جبل الرفيع، داخل إقليم التفاح في الجنوب. اشتبك مع العدوّ وجهًا لوجه، بمشهد أسطوري، اختلط فيه الدم بالوصية، والرصاصة بالعقيدة؛ حيث أطلق السيد هادي نيرانه، كأنّه يكتب سطرًا جديدًا في دفتر الأمة؛ قاتل حتّى آخر طلقة.. وارتقى شهيدًا.

رصاصة في خاصرته، شظية في رقبته، وصرخة "يا زهراء" كانت كفيلة بأن تجعل من اسمه مقامًا في سجل الخالدين. في 12 أيلول/سبتمبر 1997، استُشهد السيد هادي، في واحدة من أكثر معارك المقاومة الإسلامية عنفًا ووضوحًا في رسائلها. جثمانه أُسر، لكنّه عاد بعد عشرة أشهر، في عملية تبادل حملت طابعًا سياسيًا في دلالاتها، وطنيًا في رمزيتها، ومقاوِمًا في توقيتها.

استشهاد.. لا يُستثنى فيه أحد

ليس من المبالغة القول إنّ لحظة استشهاد السيد هادي نصر الله، لم تكن فقدان ابن قائد، بل كانت ولادة جديدة لمعادلة المقاومة، لحظة تماهى فيها الخاص والعام، وذابت فيها كلّ الامتيازات أمام حرارة الدم.

هادي لم يُستثنَ لأنه "ابن السيد"، بل اختار الطريق، وسار فيه حتّى نهايته. وقد قالها سماحة الشهيد الأقدس السيد حسن نصر الله حينها، بوضوح لم يخلُ من ألم الأب وصرامة القائد: "لا أحد فوق الميدان.. حتّى أبنائي".

وهكذا تحوّل هذا الاستشهاد إلى نقطة انعطاف في وعي جمهور المقاومة وبيئتها، حين تكرّست القناعة أنّ طريق التحرير يبدأ من التضحية، ولا يُعفى منه أحد.

معمودية الدم.. ولادة "المعادلة الذهبية"

في التوقيت ذاته الذي كان فيه السيد هادي ورفيقاه علي كوثراني وهيثم مغنية، يخوضون معركتهم في الرفيع، كانت طائرات العدوّ الصهيوني تُغير على موقع للجيش اللبناني في عربصاليم، ليرتقي ستة شهداء، بينهم الشهيد النقيب جواد عازار.

هذا المشهد المركّب، كتب بالدم المعادلة التي تكرّست لتصبح عقيدة راسخة: "الجيش والشعب والمقاومة".

السيد نصر الله وصفها لاحقًا بأنها "معادلة الوحدة الوطنية"، لكن جوهرها وُلِد في ذلك اليوم من رحم النار، كما يولد الذهب من عمق المناجم.

الدم اللبناني، من الجندي والمقاوم، امتزج على تلال الجنوب، ليقول إنّ السيادة لا يملكها طرف دون آخر، وإنّ الخندق، حين يكون للوطن، لا يميز بين بزّة رسمية وبندقية مقاومة.

ثلاث مجموعات.. وفخّ المقاومة

العملية في جبل الرفيع كانت خطة عسكرية دقيقة نفّذتها ثلاث مجموعات مقاومة، بعد رصد تحركات صهيونية معادية باتّجاه بلدة عربصاليم الجنوبية.

المجموعة الأولى نصبت كمينًا محكمًا في ممر جبلي إجباري. باغتت القوّة "الإسرائيلية"، وأسقطت أربعة قتلى بحسب تأكيدات المقاومين واعتراف العدوّ آنذاك.

واستمر الاشتباك لثلاث ساعات؛ حيث استقدم العدوّ تعزيزات، فكانت في مرمى مجموعة ثالثة نصبت بدورها كمينًا مضادًا. وبين نار الأرض وجحيم السماء، حلّقت المروحيات تبحث عن مفرّ.

وفي صلب هذا الكمين، كان السيد هادي نصر الله، إلى جانب رفيقيه الشهيدين علي كوثراني وهيثم مغنية، يُقاتلون حتّى اللحظة الأخيرة. في تلك اللحظة، لم يكن ابن القائد، بل كان مقاومًا في طليعة الجبهة.

جاءت العملية بعد أيام من كمين أنصارية النوعي، لتؤكّد أنّ المقاومة انتقلت إلى مرحلة جديدة: المبادرة، لا ردّ الفعل.

من الرفيع إلى أولي البأس: معادلة لا تسقط

كان جبل الرفيع بداية المعادلة؛ من هناك، سارت "الثلاثية الذهبية" على خط الزمن الوطني: من "الرفيع" 1997، إلى تحرير الجنوب 2000، مرورًا بنصر تموز 2006، فتحرير الجرود من الإرهاب 2017، وصولًا إلى مواجهة "أولي البأس" في 2024، في كلّ هذه المحطات، ظلّ الجيش يحمي، والشعب يحتضن، والمقاومة تُقاتل.

في 12 أيلول، كما قيل يومها، لم تُقتل فكرة.. بل وُلدت معادلة، وصيغة وجودية أثبتتها كلّ المعارك: لا دولة من دون مقاومة، ولا مقاومة بلا شعب، ولا سيادة بلا جيش.

من مقاعد الدراسة إلى جبال الجنوب

ولد السيد محمد هادي حسن نصر الله في 19 أيلول/سبتمبر 1979، ونشأ في بيئة إيمانية مقاومة. درس في مدارس "الناصر" و"الرسول الأعظم" و"المصطفى"، لكن دراسته الحقيقية بدأت حين طلب الإذن من والده بالالتحاق بالمقاومة. خضع لدورات عسكرية وانضم إلى "الوحدة الخاصة". امتاز بالزهد والانضباط، وكان أقرب لهيئة "جندي مقاوم" لا لهيئة نجل قائد مقاوم وسياسي.

عقد قرانه في نيسان 1997، ولم تمرّ عليه أشهر حتّى ارتقى شهيدًا ليُخلّد المعادلة، فيما لم يكن استشهاده مشهدًا شخصيًا في دفتر حرب طويلة، بل كان لحظة انكشاف الحقيقة الكبرى: أنّ الدم وحده هو الذي يكتب المعادلات الصلبة.. وأنّ في جبل الرفيع.. لم يرتق شاب، بل ارتفعت مقاومة.

الكلمات المفتاحية
مشاركة