تحقيقات ومقابلات

الحاج علي أيوب.. من الظلّ إلى المجد في جوار السيّد
"أبو حسن عمّار".. شهيدٌ على طريق القدس إلى جانب السيد الأقدس
لحظةٌ هزّت الأرض؛ حين سقطت قذائف الحقد لتعلن نبأً عظيمًا: السيد الأقدس والحاج علي نايف أيوب ورفاقهما ارتقوا شهداء.. لقد كانت أكبر من غارة، هو اعتداء حاول استهداف قلب منظومة جهادية أصيلة متجذرة، قلب أرعب الأعداء بصلابته، وثبّت قلوب المجاهدين بعقيدته. لكنّ العدو أخفق؛ فالقلب لم يتوقف عن الخفقان.. وما كان هو رحيل من نوع آخر .. ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.
رحل "أبو حسن عمّار" كتفًا إلى كتف مع الشهيد الأسمى ثابتًا كما عهدناه، مرفوع الرأس حاملًا بندقيته، تاركًا خلفه إرثًا من النار والإيمان؛ فكانت الشهادة خاتمةً تليق بمسيرته، ونقطة انطلاق لعصر جديد من المقاومة.
الحاج علي أيوب من مواليد 6 كانون الثاني في العام 1964 في بلدة زفتا الجنوبية، نشأ في بيئة مشبعة بروح التحدي. لقّب نفسه بـ"أبو حسن عمار" تيمنًا بـ"عمار بن ياسر" الصحابي الذي لم يترك ساحة مواجهة إلا وكان في مقدمتها. استشهاده لم يكن نهاية، بل تتويجًا لمسيرةٍ بدأت منذ التأسيس، حين كان وحيدًا يصنع العبوات بيديه، ويكمن للدوريات "الإسرائيلية" المعادية مؤمنًا بأنّ الدم وحده يفتح طريق النصر.
لاحقًا، تعرّف باقي المؤسسين الأوائل لحزب الله، وانطلق معهم في تشكيل الهيكل الأولي للمقاومة المنظمة. سافر إلى إيران؛ حيث التحق بدورات متقدمة مع الحرس الثوري، ليعود أكثر جاهزية، حاملًا في جعبته تكتيكات ومعارف حربية جديدة.
كان "أبو حسن عمار" مهندسًا في الميدان، حيث وضع بصمته في تأسيس وحدة المدفعية في حزب الله، وقاد عملية "بدر الكبرى" ضدّ جيش الاحتلال الصهيوني، إضافة إلى عدد كبير من العمليات النوعية التي بقيت سرّية حتّى الآن. تولّى مسؤوليات حساسة، منها الإسناد القتالي قبل التحرير في العام 2000، ثمّ تنسيق قوّة المقاومة النارية في مرحلة كانت فيها الكلمة للمدفع والصاروخ.
الحاج علي لم يكن قائدًا من وراء الخطوط؛ في معركة الدفاع المقدّس في سورية ضدّ التكفيريين، كان يقف إلى جانب المقاتلين على الجبهة، مع أنه كان مسؤول وحدة المدفعية آنذاك. يروي أحد رفاقه المجاهدين: "كان الرصاص يتساقط فوقنا كالمطر. توسّلت إليه أن يعود إلى الخلف؛ لأنه القائد، لكن جوابه كان حاسمًا: المسلّم الله.. ما بصير غير اللي الله كاتبه".
في 27 أيلول في العام 2024، ارتقى الحاج علي شهيدًا إلى جانب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، في غارات استهدفت قادة المقاومة. في لحظة الشهادة، تحقق وعده القديم: أن يُكتب اسمه في سجل القادة الذين أقسموا ألّا يهدأ لهم قلب حتّى يُزهِر الجنوب حرية. رحل "أبو حسن عمار"، لكن إرثه باقٍ في كلّ صاروخ يدوّي، وكلّ خطة تُرسم، وكلّ مقاتل يرفع راية المقاومة على الجبهات.
قدوةٌ حيّة.. في البيت والميدان
كان الشهيد القائد علي أيوب رمزًا حيًا للإيمان والجهاد، يقف شامخًا كالجبل، يُلهم الصغير قبل الكبير بعزيمته وإخلاصه. أحفاده كانوا ينظرون إليه بإعجاب، وكأنهم يرون فيه بطلًا من أحلامهم، يأملون أن يصبحوا مثله يومًا ما. أما رفاقه من القادة والمجاهدين، فكانوا يرون فيه مدرسةً في التضحية والقيادة، يجمع بين الحزم والرحمة، بين بطولة الميدان وروح الإخوة. ومع توليه مناصب حساسة، بقي متواضعًا إلى حد أن من عرفه فوجئ لاحقًا بموقعه القيادي.. إذ لم يغيره المنصب ولا النفوذ.
تقول عائلته إنّ الشهيد كان مؤمنًا صادقًا سار في درب الجهاد بإدراكٍ واعٍ لواجب إلهي وتكليف تاريخي ودوافع راسخة تمثلت في:
1. الدفاع عن المقدسات والأرض
2. الإيمان بالشهادة
3. رفض الظلم وحبّ العدالة والحق
4. القدوة والتربية الجهادية
5. الإحساس بالمسؤولية التاريخية
يوم الغارة.. الشك واليقين
في 27 أيلول 2024، دوّى صوت الغارة "الإسرائيلية" التي استهدفت سماحة السيد حسن نصر الله ورفاقه القادة. كان الخبر عاجلًا على جميع القنوات الإخبارية، لكن الأخبار الأولية لم تُشر إلى وجود الحاج علي. مرّت ساعات من الشك، حتّى جاء الخبر الحاسم من قناة تلفزيونية: "الحاج علي أيوب المسؤول عن تنسيق قوّة حزب الله النارية كان من بين المستهدفين في الغارة". كانت هذه اللحظة حاسمة في تحديد مصير القائد الذي ظل اسمه غامضًا على الرغم من وجوده في قلب المعركة لسنوات طوال.
وداعًا قبل الرحيل
في الثلاثاء 24 أيلول 2024، قبل استشهاده بثلاثة أيام فقط، أجرى الحاج علي آخر اتّصال مع زوجه، قائلًا لها بصوت هادئ: "من اليوم؛ سأكون خارج السمع، لا داعي للاتّصال بي، فقط أردت أن أُسلّم عليكم، وأوصيكِ بأن تهتمي بالضيوف الصفر". لم يكن يقصد سوى طيور الكناري التي كان يربيها طوال عشرين عامًا، وكانت بالنسبة إليه شريانًا من الحياة.. يعتني بها، كما يعتني بالآخرين، بتفانٍ وحب.
يُذكر أنّ الشهيد الشهيد محمد حسن، من شهداء معركة أولي البأس، وهو نجل القائد الشهيد علي أيوب، تلقى نبأ استشهاد والده بصمت وإصرار، ورفض مغادرة الجبهة على الرغم من الألم. بعد 15 يومًا، عاد لوداع والده، وهمس عند جثمانه، في أثناء دفنه وديعة، دعاءً نابعًا من قلبه: "اللهم ارزقني الشهادة كما رزقت أبي". رفض البقاء مع عائلته، وعاد إلى الجبهة بإرادة حديدية. بعد ستة أيام فقط، ارتقى شهيدًا بغارة، التحق بوالده في أثناء دعاء أمه له.. والدته وصفت استشهاده إجابة إلهية لدعائها، وقالت: "لقد بيّض الله وجهي عند مولاتي الزهراء (ع)".
حلم الشهادة وروح العطاء المستمر
كان الحاج علي نايف أيوب أكثر من مجرد قائد عسكري في صفوف المقاومة. تروي زوجه الحاجة فاطمة أنّ حلمه الأكبر لم يكن العودة حيًا من المعارك، بل اللقاء بالشهادة: "كان يغادر عند بدء الحرب، وينقطع الاتّصال، ثمّ يعود بعد النصر ليقول بحسرة وأمل: لمّا أُستشهد بعد". لم تكن الحسرة يأسًا، بل شوقًا دفينًا للقاء الله بعزّة المجاهدين.
طوال حياته الميدانية الصاخبة، لم يغفل عن تحفيز عائلته على طلب العلم والحياة الكريمة. تقول زوجه: "عندما قررت متابعة دراستي، كان أول من دعمني. كان يصغي لنا بحب، ويفرح بجمعنا حوله، كأن الحياة عنده لا تكتمل إلا بنا".
سخاؤه لم يتوقف عند ميادين القتال وحسب؛ في البيت، كان يحب الطعام الذي تُعدّه زوجه، ويطلب زيادة الكمية لتوزيعها على الجيران والمجاهدين. لم يشترِ لنفسه شيئًا، لكنّه كان كريمًا حدّ البذل، في السرّ والعلن.
رمز الجهاد والتضحية
الحاج علي أيوب الشهيد القائد، في حزب الله، كان مثالًا للإنسان المقاوم والمربي الفاضل. مع كونه قائدًا في المعركة، كان أيضًا أبًا وأخًا وصديقًا لكل من حوله، وهو ما تؤكده شهادات عائلته.
- أخوه: "كان سندي وعضدي في الحياة، مع أنني أكبره سنًا، إلا أنني تعلمت منه الكثير".
- أخته: "لو خيروني بين البقاء في الدنيا أو الرحيل معه، لاخترت الرحيل. لكنني أعتز بمكانته التي أنستنا الحزن".
- أبناؤه: "كان الداعم الأساس في حياتنا، زرع فينا القيم الإسلامية وعلمنا الدفاع عن الحق، حتّى أخونا محمد حسن لبّى نداء الواجب الجهادي من دون تردّد".
- ابنته الصغرى: "فقدان والدي وأخي كان فقدانًا للسند، ولكنني أواصل طريقهما بقوة".
- صهره محمد: "تعلمت منه ألا أتأثر بمشكلات الدنيا وألا أستسلم".
تقول عائلة الشهيد: "نحمد الله أن منَّ علينا وأكرمنا بأن نكون من عوائل الشهداء. ولمن يسيرون على درب الشهيد، لنا معكم كلمات من القلب: أنتم برهان ثقته وامتداد قضيته، وصيتنا لكم: "كونوا أقوياء ثابتين على دينكم مثله، احملوا هموم الأمة كما حملها، سيروا على الدرب بثبات كما سار".