مقالات

د. أحمد الشامي - أستاذ جامعي وباحث في الاجتماع السياسي
عامٌ مضى على رحيل لم نكن نتوقّعه، وحتّى أن نفكّر به. لقد استطاع شهيدنا الأسمى طيلة أربعين عامًا أن يحفر في وجداننا، في وعينا، ويصير ركنًا أساسيًّا في حياتنا اليوميّة، حتّى إذا غاب عنّا بضعة أيّام كنّا نسأل: أين السيّد؟ لقد تأخّر علينا، متى سيطل؟
وكان لمّا يخرج إلينا نتسمّر أمام الشاشات منصتين إليه بشغاف قلوبنا، وهو بمصداقيته يبلسم آلامنا، ويخفّف قلقنا، ويثبّت فينا الأمل بأنّ الآتي وإن طال سيكون أفضل، فالشعب إذا أراد الحياة لا بد أن يستجيب القدر.
فعلنا ذلك بحب، لأنّ السيّد حسن قد جعل من المقاومة تراكم الانتصارات والإنجازات، فصارت مجتمعًا، وامتدت الجبهة من المقاتل المرابط على الحافة الأماميّة، وصولًا إلى كلّ بيت مقاوم، فالجميع راح يشترك في هذا الجهد المثمر، نساءً ورجالًا، شيوخًا وأطفالًا. وبذلك، صرنا ممّن يكتب التاريخ بعد أن كنّا خارجه.
الثابت في حقائق الحياة، أنّ أربعين عامًا من العمر يجب أن تجعل من الإنسان - فردًا أو جماعات - مكتمل الرشد، ويملك القدر الوافي من الوعي كي يواجه الحياة بوصفه شريكًا مسؤولًا، وليس تابعًا متواكلًا.
يبدو بأنّ الله عندما أذن بأن يغادرنا السيّد حسن بعد أن استقر فينا أربعين عامًا، وكأنّه يقول لنا: يجب عليكم أن تثبتوا مدى رشدكم، وعيكم، وهذا لا يمكن إثباته إذا بقينا متكلين عليه، يفكّر عنّا، ويقرر عنا، فالأنبياء والأولياء، لم يرسلهم الله حتّى يجعلوا من الناس أتباعًا، وإنّما قادة في ميادين الحياة، ولذلك، لم يهبهم دوام البقاء بل الأثر.
إنّنا في فقد هذا القائد المُلهَم أمام اختبار إلهيّ عظيم، لتبيان مدى صلاحيّتنا الفعليّة بوصفنا قادة ميدانيين في حركة الإمام المهدي (عج) العالميّة. وفيما جميعنا نترقّب ظهوره العلنيّ، هو بدوره يرصد فينا مدى وعينا، المتمثّل في تفكيرنا وخياراتنا، أي في تعيين مستوى رشدنا.
يدرك عدوّنا ركيزة أساسيّة في الاجتماع البشري، أن أكثر ما أقلق الطواغيت عبر التاريخ حين يصير المجتمع مقاومًا، وهذا يتوقف على قدرة النخبة المقاومة بأن تصنع لمجتمعها الإنجازات، وأقلّها، حفظ الكرامات، فيبادل المجتمع مقاومته الصبر وتحمل التضحيات، وصولًا إلى الانخراط الكامل في ميادين الجبهات.
لذلك يجهد العدوّ الآن، كي يفقد المقاومة الجدوى لدى مجتمعها عبر دفعها نحو الخيارات الخاطئة. فيرمي بسحره القائم على تفوّقه المادي ليوهم الناس بأنّ خيار المقاومة هو وبال عليهم، سبب لتعاستهم، وفقدان لاستقرارهم، ومن ثمّ رفاهيتهم.
ولا يمكن للمقاومة ومجتمعها أن يبطلوا هذا السحر بالأمنيات، بل بالوعي وشحذ الهمّة والإرادات، والقدرات، فالمرحلة صعبة ومعقّدة، وكأننا نواجه العدوّ على حافة الهاوية، ففيما يدفعنا لدعسة ناقصة فيها هزيمتنا، علينا أن نستدرجه لخطوة ناقصة تغرقه في مستنقع الاستنزاف، فإما أن يزداد تهورًا أو يذهب لتسوية يعدها هزيمة.
إنّ الوعي والعزيمة في الخيارات بات المعيار الحاكم لمسار الحرب، فهل سنثبت برشدنا أننّا لشهيدنا الأسمى أوفياء على العهد؟