اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي "كلّنا رسالات" إلا طراطير نواف!

مقالات مختارة

صخرة الروشة.. و
مقالات مختارة

صخرة الروشة.. و"اللحم بعجين"

40

يحيى دبوق - صحيفة الأخبار

المؤلم والمضحك في آن، أنّ الاستمرارية التاريخية للسخرية التي رسمها الراحل زياد الرحباني في «فيلم أميركي طويل»، في ثمانينيات القرن الماضي، لا تزال تنطبق على واقعنا اليوم، وكأن الزمن توقّف هناك ويدور في حلقة مفرغة.

كان «الهدف الكبير» نزع سلاح المقاومة وفق خطة أميركية داخلية ملفتة ومثيرة جداً، جرى تظهيرها وكأنها مشروع إستراتيجي يُعيد تشكيل الدولة والهوية والموازين، ولكنها اصطدمت بحقيقة أنها غير قابلة للتطبيق. ليس لأن المقاومة قوية فحسب، بل لأن البنية اللبنانية، الشعبية والعسكرية، وموقع لبنان في الساحة الإقليمية، لا يسمحان بتحقيق هذه السقوف العالية.

وحتى الولايات المتحدة، التي كانت تدفع باتجاه تنفيذ «خطة» نزع السلاح، بدأت لهجتها تخفت، وتعترف ضمناً بأن «الهوبرة» لا تُجدي نفعاً مع واقعٍ لا يُمكن تجاوزه بالكلام أو بالمراسيم.

لكن بدل أن يعيد رئيس الحكومة النظر في أولوياته، أو يعترف بأن المشروع الأكبر قد تعثّر - أو بعبارة أدقّ، فشل - يبحث عن نصر رمزي يعيد عبره شحن شرعيته ومكانته. ووجد ضالته في «حادثة» صخرة الروشة وإضاءتها بصورة السيدين الشهيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، في حدث رمزي بامتياز، لا يُغيّر موازين القوى ولا يهدّد الدولة، بل يعبّر عن مشاعر شعبية عميقة لأكثر من نصف اللبنانيين، ممن كان يفترض بـ«أولي الأمر» مراعاة مشاعرهم، ولكنهم قرروا أن يحوّلوا الأمر إلى «قضية وجودية» و«بند طارئ» على جدول أعمال مجلس الوزراء!

هنا، تتحقّق رؤية زياد الرحباني بحذافيرها: الخطاب الكبير عن «الدولة» و«السيادة» و«النظام» و«الخطة الإستراتيجية» ينهار أمام تفصيل صغير، فيُعاد تدويره كأنه معركة مصير. «اللحم بعجين» هذه المرة، ليس فرناً، بل رخصة إضاءة صخرة الروشة. و«البطل الثوري» الذي كان يُعدّ لمشروع تغيير لبنان يصبح حارساً لرخصة البلدية ومحافظة بيروت، فيُطالب بـ«محاسبة المخالفين» وكأنه يُنقذ الجمهورية!

وهذا بالضبط ما يجعل المشهد مسرحياً بامتياز: الدراما مفتعلة، والخصم مُختَلَق، والانتصار إن حصل فسيكون وهمياً. لكنه يُقدَّم على أنه انتصار على «الفوضى» و«الانفلات» و«تحدي الدولة»، وهي الدولة نفسها العاجزة عن تأمين الكهرباء أو رواتب الموظفين أو حماية حدودها، أو حتى استرداد حقوقها المغتصبة والمهدورة، من مكوناتها هي نفسها.

تكمن المفارقة أن من يُدافع عن «الدولة» هنا، هو نفسه من يُناقض منطق الدولة، وليس المقصود بالضرورة رئيس الحكومة نفسه، بل المروّجون والداعمون والمهللون لحادثة «خيانة لبنان» من على صخرة الروشة. نقيض السيادة ليس اللايزر الذي أضاء الصخرة، بل طاعة الخارج (الأميركي) على التفاهمات الوطنية، فحين يجري العمل على تهميش القضايا الجوهرية (الاقتصاد، والانهيار، والفساد والسيادة الحقيقية) لصالح معركة رمزية لا طائل منها سوى إثبات الذات ورد الاعتبار في معركة أطلقت من جانب واحد، فالمسرحية تعيد نفسها.

من ينظر إلى المشهد اللبناني، يرى كيف أن «لبنان الجديد» الذي كان يُفترض أن يُبنى على العدالة أو السيادة أو حتى على فرضية خطة نزع سلاح طموحة، قد تبخّر، وترك مكانه لـ«لحم بعجين رمزي» يخبزه أولو الأمر على نار الهزيمة، ويقدّمونه للمجتمع الدولي كـ«إنجاز».
لو كان زياد حياً، لربما كتب مشهداً جديداً في «فيلم أميركي طويل»، ولكنه لن يغيّر العبارة: «لبنان الجديد طلع لحم بعجين!». ما يمكن أن يتغير فقط، هو نوع العجين.

الكلمات المفتاحية
مشاركة