اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الأبراج السكنية في "إسرائيل" مواقع عسكرية ودروع بشرية

مقالات مختارة

مشروع
مقالات مختارة

مشروع "كاسندرا" وبلاهة أزلام حزب المصارف

32

علي حسن مراد - صحيفة الأخبار

يُلاحَظ في الآونة الأخيرة أنّ وسائل إعلام أزلام حزب المصارف قرّرت أن تعود إلى محتوى أرشيف البروباغندا الصهيونية عن حزب الله، المتداول منذ سنوات، لإعادة تدويره وتقديمه للرأي العام اللبناني على أنّه وقائع وحقائق "لا تقبل التشكيك". آخر فصول هذه العملية تمثّل باستحضار قناة المر وجريدته ما يُسمى "مشروع كاسندرا"، للتصويب على حزب الله ومصادر تمويله، في ظرف سياسي يتزامن مع حملة سلطة الوصاية للتضييق على الحزب وبيئته. فما هي قصّة "مشروع كاسندرا" ومن يقف خلفها؟

في 18 كانون الأول عام 2017، نشر الصحافي الأميركي، جوش مائير، في مجلّة "بوليتيكو" تقريرًا يناهز 13,000 كلمة عنوانه "القصّة السرية وراء سماح أوباما لحزب الله بالإفلات من العقاب"، ادّعى فيه أنّ فريق مهمات أميركيًا خاصًا كان ينفّذ عملية أمنية باسم "مشروع كاسندرا"، هدفها ضرب وتفكيك "المؤسسة الإجرامية لحزب الله والتي تبلغ قيمتها مليار دولار".

وادّعى مائير في تقريره أنّ المشروع كان قد أُطلِق عام 2008، بعد ما وُصِف بالنجاح في عملية سابقة سُميت "عملية تيتان"، التي ادعت وكالة مكافحة المخدرات الأميركية أنّها أدّت إلى تفكيك شبكة كبيرة للإتجار بالمخدرات في كولومبيا، ترسل عائداتها من الإتجار إلى حزب الله.

في الفصل الخامس من كتاب (راجع الرابط) "تحت قبة الكابيتول: تفكيك المزاعم الأميركية حول دور حزب الله في أميركا اللاتينية" (الصادر في كانون الثاني 2024 عن المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق)، جاء أنّ الرواية الرسمية الأميركية عن "عملية تيتان" المشتركة بين السلطات الأميركية والكولومبية، تتمحور حول زرع عميل سرّي لوكالة مكافحة المخدّرات الأميركية DEA لدى تاجر مخدّرات كولومبي من أصل لبناني، ادّعوا بأنّه "شخصية في حزب الله"، كان يدير عملية لتهريب الكوكايين وغسيل الأموال.

الدليل الذي ربط حزب الله بهذه العملية - بحسب ادّعاء وكالة DEA - هو "تفاخر تاجر المخدرات بأنّه يمكنه إدخال 950 كيلوغرامًا من المخدّرات إلى لبنان في غضون ساعات".

ولدى شرح كيف تفاخر هذا التاجر، ادّعى العميل السرّي أنّه قال للتاجر: "يجب أن تكون لكَ صلات بحزب الله، إذا كان في إمكانك العمل بتلك الحرّية، فابتسم التاجر وأومأ برأسه". إذًا، الدليل أو القرينة التي بنى على أساسها الأميركيون بشكل رسمي وجود علاقة لحزب الله بتجارة المخدّرات ضمن "عملية تيتان" كانت "ابتسامة وإيماءة رأس".

استمرّ موظّفو المراكز البحثية المموَّلة من اللوبي الصهيوني - كما يُثبت الكتاب بالأرقام- الذين كانوا يدلون بشهاداتهم كـ "خبراء" في جلسات استماع الكونغرس، باستحضار "عملية تيتان" كدليل على ادعاءاتهم بوجود شبكة كبيرة يديرها حزب الله في دول أميركا اللاتينية لتمويل نشاطاته من عائدات تجارة المخدرات، محاولين إضفاء "مصداقية" على المزاعم التي جهدوا لتثبيتها عن "مشروع كاسندرا"، لاحقًا، في الجلسات التي عُقدت بعد نشر مائير تقريره في "بوليتيكو".

الهدف آنذاك كان تمهيد الأرضية لمبررات انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران، عبر التصويب على باراك أوباما وإدارته واتهامها بالتستّر على تحقيقات كانت تجريها وكالات فيدرالية أميركية لإدانة حزب الله بالنشاط الإجرامي في أميركا اللاتينية. وكانت الفكرة الأبرز في تقرير مائير عن "مشروع كاسندرا" هي اتهام إدارة أوباما بـ "عرقلة تحقيقات مشروع كاسندرا تجنُّبًا لإغضاب إيران"، التي كانت واشنطن تفاوضها للتوصل إلى اتفاق نووي.

هناك بعض الوقائع غير المتداولة إعلاميًا عن "مشروع كاسندرا"، إذ دائمًا ما يُذكَر حدثان حوله: أولًا، نَشْر تقرير مائير في كانون الأول 2017، الذي يُستشهَد به كـ "دليل دامغ"، وثانيًا، قرار صادر بعد أربعة أيام على نشر التقرير، عن وزير العدل في إدارة ترامب آنذاك جيف سيشينز يقضي بتشكيل فريق من محقّقي وزارته لمراجعة قضية "مشروع كاسندرا" والتأكد من صحّة المعلومات عن تواطؤ إدارة أوباما في عرقلة التحقيقات لأسباب سياسية. بعد ثلاثة أسابيع فقط، في 11 كانون الثاني 2018، أعلنت وزارة العدل إنشاء "فريق تمويل الإرهاب والمخدرات الخاص بحزب الله - HFNT"، كهيكل تنسيقي جديد لمتابعة القضايا التي كانت ضمن نطاق المشروع الأصلي.

ولم يصدر حتّى اليوم عن وزارة العدل الأميركية أي بيان أو تقرير يوثّق "تدخلًا سياسيًا" من إدارة أوباما، رغم أن إدارة ترامب كانت تملك كامل الصلاحية للكشف عن ذلك لو وُجدت أدلة. وبتاريخ 19 كانون الثاني 2018، نشرت مجلة Foreign Policy الأميركية تقريرًا يؤكد أنّ "المراجعة لم تسفر عن أي نتائج ملموسة أو تحقيقات جديدة"، وأنّ معظم الخطوات كانت تنظيمية لا أكثر.

بعد نشر تقرير مائير في بوليتيكو، نفى (راجع الرابط) أعضاء سابقون في إدارة أوباما وجود أي تواطؤ في وقف تحقيقات استهدفت الشبكة المزعومة لحزب الله لأسباب سياسية. كذلك، دار نقاش (راجع الرابط) حينها على منصة "تويتر" بين مائير ومجموعة من الصحافيين والمسؤولين السابقين في وكالة المخابرات المركزية CIA، شكّكوا بمصداقية من استند إليهم في تقريره كمصادر موثوقة للمعلومات.

الشخصان الأساسيان اللذان بنى مائير سردية تقريره بناء على ما قالاه كانا ديفيد آشر، الذي انضم بعد تركه منصبه كمستشار لقيادة العمليات الخاصة في الجيش الأميركي عام 2014، إلى "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، ذراع حزب "الليكود" وبوقه في واشنطن، وكذلك كاثرين بوير التي انضمت إلى "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" - ذراع منظّمة "آيباك" الصهيونية في أميركا، بعد تركها العمل في وزارة الخزانة عام 2015.

كتاب "تحت قبة الكابيتول" تناول بالتفصيل سيرة "ديفيد آشر" وخلفياته، وكذلك سير زملائه الصهاينة الذين كتبوا مقالات وشاركوا في جلسات استماع وأجروا مقابلات (منها وثائقيات لقناة العربية) حاولوا فيها تثبيت سردية "مشروع كاسندرا" كـ "حقيقة" لا تقبل الشك.

المسألة هنا ليست في أن تقوم جهات صهيونية بتوجيه هكذا اتهامات إلى حزب الله، فهو عدوها منذ انطلاقته وحربها عليه معروفة ومفهومة، ولكن الملفت هو تصدّي إعلام ناهبي المال العام اللبناني وأموال المودعين اللبنانيين لمهمّة إعادة تدوير السردية الصهيونية بعد انقضاء أكثر من 7 سنوات على إطلاقها، وتقديمها للرأي العام على أنها نتاج جهد استقصائي معمَّق (مع موسيقى تصويرية مثيرة) لصويحفين وصويحفات متعدّين على مهنة الصحافة الاستقصائية!

الكلمات المفتاحية
مشاركة