نقاط على الحروف

بعيدًا من الكلام الفارغ و"تحليلات التفاهة" المتعلقة بزيارة رئيس "سلطة الأمر الواقع في دمشق" أبي محمد الجولاني على رأس وفدٍ من "حكومته" لروسيا، ولقائهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعدد المسؤولين الروس، فهناك ثوابت ومصالح مشتركة لكلا الجانبين، تحتّم عليهما التمسك بالحفاظ على العلاقة المميزة بين موسكو ودمشق، خصوصًا في الظرف الراهن الذي تمر فيه المنطقة وسورية. فقد باتت الأخيرة عرضةً للانتهاكات الصهيونية شبه اليومية، كذلك تحولت بعض المناطق السورية إلى مناطق نفوذ خارجيِ، أو شبه كياناتٍ مستقلةٍ، بدعمٍ من واشنطن و"تل أبيب"، كما هو الحال الراهن في شمال شرق البلاد السورية وجنوبها. أضف إلى ذلك "فقدان الدعم الغربي اللازم والمطلوب "لسلطة" الجولاني الراهنة"، على حد قول مصادر سياسية متابعة لحيثيات تطور العلاقة بين دول المحور الغربي و"السلطة" المذكورة. وتؤكد المصادر أن "الغرب لا يزال يتعاطى مع هذه "السلطة" بحذرٍ، ولم ينفتح عليها بالمستوى المطلوب، كدولةٍ قائمةٍ بذاتها حتى الساعة". وقد يكون السبب الأساسي في ذلك، هو تغلل المتطرفين الأجانب والعرب ضمن التشيكلات المسلحة المنضوية تحت لواء "سلطة الجولاني" وأعوانه. والدليل على ذلك، أن "الجولاني" لم يدعَ إلى "قمة شرم الشيخ للسلام" التي انعقدت في مصر، في الأيام الفائتة، رغم أن سورية معنية في شكل أساسي، انطلاقًا من موقعها الجغرافي، بـ "العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني".
كذلك تقود الواقعية السياسة إلى التعاطي مع الأمر الواقع على الأرض، سواء في سورية أو سواها، لذا تمت زيارة الزعيم السابق لـ " جبهة النصرة في تنظيم القاعدة" لموسكو، للأسباب الأساسية الآتية:
البعد الجيوساسي: كانت سورية ولا تزال تشكّل المعبر لروسيا إلى المياه الدافئة، (البحر الأبيض المتوسط)، فقد باتت بمثابة "الثقب" الوحيد إلى هذه المياه راهنًا. إذًا لموقع سورية الجغرافي أهمية كبيرة لدى روسيا، وهنا تجدر الإشارة إلى أن "المسافة بين العاصمة الأرمنية يريفان ومدينة القامشلي في شمال شرق سورية على الحدود مع تركيا، هي أقرب مسافةٍ بين روسيا والبحر المتوسط. على اعتبار أن أرمينيا حليفة تاريخية لروسيا. وهي تتجه (أي روسيا) لأن تأخذ دورها كقوةٍ عظمى في العالم.
الوجود الروسي في سورية وتأثيره: لا تزال تحتفظ روسيا بقواعدها العسكرية على الأراضي السورية، وهي: حميميم، طرطوس في الساحل السوري، ومطار القامشلي في شمال- شرق البلاد، ما يخوّلها بأن تؤدي أدوارًا على الأرض، وما يثبت ذلك أن القوات الروسية المنتشرة في سورية سيّرت دوريات في الساحل السوري، بالتفاهم مع "الحكومة المؤقتة" في دمشق، وذلك على خلفية المجازر التي شهدها الساحل في السابع والثامن من آذار الفائت. هذا على سبيل المثال لا الحصر، ويمكن أن يتطور هذا الدور مجددًا.
التعاون العسكري وإعادة بناء الجيش السوري: معلوم أن ما نبقى من سلاح وعتاد لدى سورية، مما لم تدمره "إسرائيل"، هو صناعة روسيا، كذلك فإن الجيش السوري متدرب على السلاح الروسي، لا الغربي، إذًا لا يمكن بناء جيش سوري من دون مساعدة روسية، إن في مجال التدريب، وإن في مجال شراء قطع تبديل السلاح ومختلف الآليات العسكرية وكل مستلزمات القوات المسلحة.
إسقاط الحكم السابق: لم يعد خافيًا على أحد أن روسيا كانت شريكة أساسية في إسقاط الحكم السابق في دمشق، وتجلى ذلك بوضح بتقدم "قوات أحمد العودة" المدعوم من موسكو، من درعا في الجنوب السوري نحو العاصمة دمشق، وسيطرة العودة على المقار الرسمية، قبل وصول "جبهة النصرة" إلى العاصمة بنحو ثماني ساعاتٍ، في كانون الأول الفائت. كذلك أسهم العودة بنقل السلطة من رئيس الحكومة السابق محمد غازي الجلالي إلى الجولاني عينه.
العلاقات الجيدة بين روسيا والكيان الصهيوني من جهة وبين موسكو وأنقرة من جهة أخرى: قد تساعد وليس أكيدًا أن تسهم العلاقات التي تقيمها روسيا مع "إسرائيل" في التخفيف من حدة الاعتداءات الصهيونية على الأراضي التركية، كذلك تساعد علاقة الأولى مع تركيا في تطوير العلاقة بين موسكو ودمشق، لما للجانبين الروسي والتركي من تأثير في الواقع السوري، ولكن تحت السقف الأميركي.
كذلك يضمن الجولاني وفريقه عدم استخدام روسيا حق النقض "الفيتو" في وجه طرح "مشروع" رفع أسماء الجولاني وبعض جماعته عن لوائح الإرهاب الدولي، في أي جلسة مرتقبة لمجلس الأمن.
وتعقيبًا على ما ورد آنفًا، تشير مصادر في المعارضة السورية للحكم السابق و"السلطة الراهنة" أن "زيارة الجولاني لموسكو كانت مقررة سابقًا، من خلال مشاركته في انعقاد القمة العربية التي تم تأجيلها، بسبب التطورات في غزة"، لافتة إلى أنها "لا تعلم الأسباب أو السبب المباشر لهذه الزيارة، لكنها تقر بتقاطع المصالح بين الجانبين الروسي والسوري". وتؤكد المصادر أن "سلطة الأمر الواقع في دمشق، ليس بوسعها قطع العلاقات مع روسيا، أولًا- كقوة عظمى في العالم، وثانيًا- لما لموسكو من حضور في سورية، وثالثًا- بسبب وجود السلاح الروسي ويكاد يكون الوحيد في سورية، ورابعًا- بسبب ديون الدولة السورية لموسكو". وهنا تسأل المصادر: "في حال أراد الجولاني شراء المستلزمات العسكرية من روسيا، فمن أين يأتي بالمال، كيف سيسدد الديون"؟ كذلك تسأل بتعجب "لقد أعلن الجولاني أنه ملتزم بكل الاتفاقيات التي أجراها الحكم السابق مع الدولة الروسية، وهي اتفاقيات معقدة جدًا، خصوصًا ما بعد العام 2011، فكيف سيطبقها الجولاني؟. وتعقيبًا على الزيارة عينها، يكتفي مرجع سياسي سوري باستحضار القول المأثور: "شر لا بد منه خير من خيرٍ في غنى عنه".