خاص العهد
حين تتقاطع الكلمة مع الإيمان، ويصبح الشعر محراب العشق، تولد حروف لا تشبه سواها، تنبض بالحب، وتتهجد بالقداسة. هكذا هي "أبجدية القداسة"، ليست ديوانًا من الشعر فحسب، بل مرآة لرحلة وجدانية عميقة عاشها الشاعر الشيخ محمود كريّم في ظلال رجلٍ استثنائي.
من رحم المحبة، ومن وجع الفقد، ومن نور القدوة التي لا تغيب، انبثقت هذه الصفحات لتكون عهدًا متجددًا مع سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله، تستحضر حضوره في القلوب، وتخلد أثره في النفوس، وتعبّر عن مسيرة شاعرٍ لم يجد ما يرد به جميل القائد إلا الشعر.
لقد كانت "أبجدية القداسة" حصيلة رحلةٍ طويلةٍ من الوجدان، بدأت بأنشودةٍ صغيرةٍ كُتبت لمدارس المهدي (عج)، وانتهت بكتابٍ يحتضن ما يقارب خمسين قصيدة، يتحدث عنها الشيخ محمود كريم لموقع "العهد"، عن منبعها ومراميها، عن علاقته بالسيد الشهيد، وعن الحكاية التي جعلت من الشعر عهدًا، خصوصًا أنه نجل الشهيد الشيخ علي كريّم صديق سماحة السيد منذ الطفولة.
يقول الشيخ كريّم إن ""أبجدية القداسة" مجموعة شعرية تجمعت عبر السنين في حب الأمين على الروح والدماء، سيد شهداء الأمة سماحة السيد حسن نصر الله، وهو الأحب من الساكنين في القلوب، والأحب من أبنائنا وآبائنا وأنفسنا".
ويؤكد لـ "العهد" أن الشعر كان في أيام حياة السيد نصر الله تعبيرًا عن حبّنا وولائنا وطاعتنا، وعن تأثرنا وتمسكنا بنهجه وإرشاداته. وبعد شهادته، أصبح الشعر والكلمة تجديدًا للعهد معه، وحملًا للنهج الذي غرسه فينا، وتحويله إلى لواءٍ نسير به في خضم الحياة وتحدياتها، حتى نبلغ النصر المؤزر، ونحقّق الأهداف السامية التي كان يسعى إليها في حياته.
يلفت الشيخ كريّم إلى أن "أبجدية القداسة" هي تعبيرٌ إنساني صادرٌ من إنسانٍ لا يملك سوى قلم، استطاع –بتوفيقٍ من الله– أن يُسخره لكتابة مشاعر صادقةٍ مليئةٍ بالولاء والمحبة والامتنان، وبكل أشكال الحب والعشق حتى حد القداسة، وكان يرى في وجود السيد وجودًا مقدسًا لا ينبغي أن يُمس، ولذا صاغ أبجديته في تلك القداسة، وعبّر عنها بالأبيات والقصائد المنظومة عموديًا على أبحرٍ شعريةٍ متعددة، في مناسباتٍ كثيرة، وفي جميع مفاصل حياة السيد: من التحرير عام 2000، إلى عدوان عام 2006، فالحرب السورية، ومعركة الإسناد، وصولًا إلى معركة أولي البأس التي نال فيها السيد الأقدس وسام الشهادة في سبيل الله.
تضم المجموعة الشعرية "أبجدية القداسة" عددًا كبيرًا من القصائد، على ما يورد الشيخ كريّم، بلغ نحو تسعٍ وأربعين قصيدة، إضافةً إلى العديد من الأبيات المرافقة التي كُتبت في مناسباتٍ متفرّقة.
ويتابع: "لم تكن فكرة "أبجدية القداسة" مجرد توثيقٍ للشعر الذي كُتب في حب سماحته فحسب، بل لها قصة جميلة بدأت عندما كتبتُ أنشودةً لمدارس المهدي (عج)، ثم لُحنت تلك الأنشودة وأُلقيت على مسامع سيدنا الأسمى. وبأخلاقه الرفيعة، وحبه الكبير للآخرين، وحرصه على إعطاء كل ذي حق حقه، قال سماحته في الذكرى الثلاثين لتأسيس مدارس المهدي (عج): "أنا استمعت إلى الأنشودة الجميلة، وإلى الشعر الجميل، والشيخ محمود هو شاعر جميل"، ومنذ تلك اللحظة أطلق الأصدقاء عليّ لقب الشاعر الجميل".
وقد حيّرني كيف أرد الجميل لسماحة السيد، ولم أعرف كيف أكون وفيًّا أمام هذا الحبّ الذي منحني إياه، يردف الشيخ كريّم، وأول ما خطر لي أن أجمع ما كتبتُ في حبّه ضمن مجموعةٍ شعريّةٍ تكون وفاءً لمن أطلق عليّ هذا الاسم، فكانت "أبجدية القداسة" التي ضمت الأهازيج والأناشيد والقصائد التي كتبتُها رثاءً لسماحته وحزنًا على فراقه. وهي مجموعة من 128 صفحة تعبّر في حقيقتها عن مذهب العشق والوفاء الذي زرعه فينا سماحة العشق.
ويذكر الشيخ كريّم ختامًا مخاطبته سماحته في إهداء الكتاب قائلًا: "سيدي يا أبا هادي، أنا شاعرك الجميل كما وصفتني، فكان الوصف مرآةً لجمال روحك النقيّة. أنا لستُ إلا فراشةً تحوم حول مصباح نورك، جذبتها هالةُ الضوء فاختارت الغرق في ينابيع الأُنس بمعرفتك. يا سيدي وأبي وملهمي وحبيبي، أنا شاعرك الجميل العاجز، لم أجد ما أهديه في أول أعمالي سوى أجدادك الطاهرين الذين عرفتهم أكثر حين عرفتك، وأدركتُ حينها أنّ للكمال مراتب يَخرس الحرف في محاربها. فها هي بعضٌ من أحرفٍ غريقةٍ تعلّقت بحب ولي من أولياء الله وسليل الأئمة الهداة، أهديها لروحك الطاهرة، ولروح صديقك وأخيك الشهيد الشيخ علي كريم، ولأرواح آل بيت النبيّ الشريفة، سائلًا من الله القبول".