اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي كلام كثير قاله حزب الله قبل إعلان "الكتاب المفتوح"

مقالات مختارة

العدو واستراتجية
مقالات مختارة

العدو واستراتجية "المبادرة والهجوم": قيود البدائل وخطر الفشل

40

علي حيدر - صحيفة الأخبار

لم يعد ممكنًا قراءة إعلان العدوّ عن التحوّل من سياسة "الاحتواء" إلى "المبادرة والهجوم" كخطابٍ ظرفي عابر، بل كقرار إستراتيجي اتّخذته القيادة السياسية والعسكرية كرد فعل متراكم على واقع ميداني وسياسي طويل المدى. قبل تقييم صلاحية هذه الإستراتيجية، لا بد من التأكيد على أن شرط هذه القراءة هو ضرورة التحرّر من بعض القيود النفسية التي قد تكون نتجت من حجم التضحيات وإنجازات العدو. فمن دون ذلك، لا يمكن الانطلاق في عملية استكشاف آفاق وقيود ومخاطر ونقاط ضعف إستراتيجية العدوّ الجديدة.

واضح أن "إسرائيل" بعد سنوات من سياسة الاحتواء، وفشل واضح في تحقيق حسم إستراتيجي، واجهت أزمة كبيرة بعد "طوفان الأقصى". ما أدى إلى تحطيم الكثير من الفرضيات والرهانات والمعادلات التي كانت تحكم المرحلة السابقة. وخاصة أن نتائجها كانت بالنسبة إلى كيان العدوّ فاشلة بامتياز، وهو ما تُجمع عليه كلّ أطياف القوس السياسي والاستخباري والعملياتي.

يستوجب ما تقدم استعراض الفرضيات التأسيسية المواكبة لهذه السياسة العملياتية. هنا تتراكم مجموعة فرضيات، بعضها معلن، وبعضها ضمني يظهر في قرارات التطبيق. وتنطلق قيادة العدوّ من قناعة تامة بأن سياسة الاحتواء قد فشلت، وأن المهم هو اللجوء إلى الضربات المتلاحقة والمتقنة، كونها تتسبب في ضررٍ هيكلي في بنى الخصم اللوجستية والقيادية لا يمكن تعويضه بسرعة، كما يفرض تفوّقًا استخباراتيًا، إضافة إلى توافر مخزون لوجستي في ظل الدعم الأميركي المفتوح يضمن استمرار وتيرة العمليات، إضافة إلى تبني الإدارة الأميركية الإستراتيجية "الإسرائيلية" دعمًا ومشاركة وتكاملًا.

هناك افتراض بالغ الحساسية يتعلق بتحمّل الداخل "الإسرائيلي" لذلك المسار، وبتعامل الحلفاء الرئيسيين مع ما يحدث إلى حد لا يُقيد القدرة العملياتية. إذا صحّت هذه الافتراضات فقد يكون لنهج "المبادرة" أثر تكتيكي واضح؛ أما إذا فشلت أيٌّ منها، فالتداعيات قد تتحوّل إلى عبءٍ إستراتيجي ثقيل.

من منظور المخاطر، تبرز احتمالات تختصر المخاطر الكبيرة: الانزلاق إلى استنزاف طويل الأمد، وفشل تحويل المكاسب التكتيكية إلى إنجاز سياسي إستراتيجي مستدام، واستدراج ردود فعل من قبل أعداء "إسرائيل" والولايات المتحدة نحو خيارات تقلب المعادلات وتؤسس لواقع ومسار جديدين مغايرين تمامًا لما تطمح إليه "إسرائيل"، ناهيك بالمفاعيل الداخلية التي يمكن أن تترتب على ذلك.

في هذا السياق تؤكد التجربة أن الفشل في تحويل الضربات الميدانية إلى نتائج سياسية، تتيح للطرف المقابل فرصة التعلم والتكيّف؛ ففي كلّ مرة تُوجَّه ضربة قد تتولد لديه قدرةٌ جديدة على التخفي أو إيجاد قنوات إمداد بديلة، وآفاق للتطور بما يتجاوز التحديات التي فرضها العدو. وهذا ما يقود إلى السؤال عما إذا كانت هذه الإستراتيجية قادرة على إحداث نقلة فعلية في قواعد الاشتباك الإقليمية، أم أنها ستعيد إنتاج دورةٍ من التجاوب المضاد تستنزف الطرفين من دون تحقيق أهداف إستراتيجية؟

ومع ذلك، تبرز مخاطر إقليمية لا يمكن تجاهلها. كذلك، هناك أخطاء التقدير الاستخباراتي أو الضربات الخاطئة. وبالتالي يصبح السؤال العملي والملحّ هو: تحت أي شروط تظل هذه الإستراتيجية قابلة للحياة؟

الجواب يتطلب شروطًا متقابلة من ضمنها أن تستند هذه الإستراتيجية على مؤشرات مراقبة دقيقة، تقيس قدرة العدوّ على التعافي وأن تتضمن آليات إيقاف واضحة تُفعّل بمجرد ظهور دلائل فشل الفرضيات الأساسية. وهذا تطوّر، يبدو أنه يفرض نفسه في مواقف قادة العدو، وإن في سياق توظيف لخطوات تصعيدية... ويعكسه قبل ذلك الأداء الأميركي.

ما سبق يقود إلى التعامل مع إستراتيجية "المبادرة والهجوم" كتعبير عن مزيج من الإصرار والاضطرار، هي اختيارٌ تبنّاه العدوّ بعد نفاد بدائل أخرى، ولكنها ليست وصفة للنجاح المضمون. وتاريخ صراع المقاومة مع العدوّ على الأقل منذ مطلع الثمانينيات، يقول إن التفوق التكتيكي أو التكنولوجي لا يقود حتمًا إلى نجاح إستراتيجي. ولم يكن الفشل الإستراتيجي في المراحل السابقة أمرًا ممكنًا، لولا تكيّف المقاومة مع التحديات التي كان يفرضها العدوّ بحكم تفوقه. وهو ما أثمر تحريرًا تاريخيًا ومعادلات ردع ومظلة حماية أدت إلى تبلور المقاومة كقوة إقليمية.

تنطوي "إستراتيجية المبادرة والهجوم" على أبعاد مركبة. فهي تعبير عن تفوق وتصميم، لكنّها قابلة لأن تتحول إلى مأزق إستراتيجي. وهي وإن كانت مصحوبة بالشعور بالتفوق العسكري والتكنولوجي، إلا أنها ناتجة أيضًا من شعورٍ متزايد بضغط الزمن وضيق الخيارات. ذلك أن منطق هذه الإستراتيجية، يقوم على فكرة "الضربة المسبقة" التي يُراد منها منع الخصم من استكمال بناء قدراته.

لكن ما هو غير معلوم أو محسوم لدى العدو، يتعلق بكيفية تصرف الطرف الآخر، لأننا قد نكون أمام مستويات استجابة متعدّدة الاتّجاهات، بعضها قد يتجاوز تقديرات العدوّ وما تفرضه بناء على مخطّطاته وبذلك يتجاوز قدرة "إسرائيل" على التحكّم به. فالهجوم المستمر لا يعني تحقيق الأهداف المطلوبة بالضرورة. وقد يُبقي الكيان في حالة تعبئةٍ دائمة، وهي ليست علامةَ حسمٍ، بل اعترافٌ ضمنيّ بأن الردع التقليدي لم يَعُد كافيًا.

من هنا يمكن القول إن هذا المسار، مهما بدا منسَّقًا أو مدعومًا تكنولوجيًّا واستخباريًّا، يظل محفوفًا بقدرٍ عالٍ من المخاطر الإستراتيجية. ويضع العدوّ في وضعية اختبارٍ دائمٍ أمام الرأي العام وأمام الحلفاء أيضًا. هذا عدا عن أن أيّ خللٍ في الفرضيات يمكن أن يُحوّل هذه السياسة من عنصر تفوّقٍ إلى مصدر استنزافٍ متراكم.

المفارقة القائمة، تظهر في أن السعي "الإسرائيلي"  إلى فرض "واقعٍ جديد" وتكريسه عبر المبادرة والهجوم قد يتحوّل إلى حالةٍ من الدوران في حلقةٍ مغلقة. واختبار الجدوى لا يقتصر على الحدث اليومي وإنما على توظيف الوقت في أكثر من اتّجاه.

وهو ما يجعل الطرح واقعيًا بالقول إن ما يريده العدوّ من إستراتيجية الاستباقٍ والحسم، قد يتحوّل إلى سياسة قتالٍ بلا نهاية. وأي قراءة لآفاق هذه الإستراتيجية تفترض استحضار حقيقة أن الحديث يدور عن بيئة إقليمية تتسع لمروحة من التفاعلات، وقد أثبتت التجربة، أنها مليئة بالمفاجآت والتحولات التي تحمل في طياتها الكثير من التهديدات والفرص.

الكلمات المفتاحية
مشاركة