اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي رغم اتفاق وقف الحرب.. الاحتلال يواصل القصف ويمنع مئات الأصناف الغذائية عن غزّة 

مقالات مختارة

قاعدة أميركية في المزّة: دمشق تحت ظلّ واشنطن
مقالات مختارة

قاعدة أميركية في المزّة: دمشق تحت ظلّ واشنطن

يُبقي مشروع القرار الملف السوري تحت إشراف مباشر من مجلس الأمن
58

عامر علي - صحيفة الأخبار

بخطى مستعجلة، تمضي الولايات المتحدة في تمهيد الأرض لحصد أقصى نجاح ممكن من استقبالها الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، في العاشر من الشهر الجاري. ويتجلّى ذلك في سلسلة من الإجراءات السياسية والعسكرية والميدانية، التي تهدف في محصّلتها إلى تحصين حكم الشرع، وضمان ولائه لواشنطن، وانخراطه في رؤيتها للمنطقة. ولعلّ من بين تلك الإجراءات توسيع الحضور العسكري الأميركي، وقوننته ليصل إلى تخوم دمشق، توازيًا مع دفع السلطات الانتقالية نحو توقيع اتفاقية أمنيّة بينها وبين "إسرائيل"، قد تتطوّر إلى تطبيع كامل في مراحل لاحقة.

الإجراءات الأميركية الجديدة التي كُشف عنها بعد أيام من إعلان المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، توماس برّاك، انضمام السلطات الانتقالية الوشيك إلى "التحالف الدُّولي ضدّ "داعش"" الذي تقوده واشنطن، تتضمّن توسيع الحضور العسكري للأخيرة عبر تموضع قواتها في قاعدة جوّية على أبواب دمشق الجنوبية، حسبما نقلت وكالة "رويترز" عن ستة مصادر مطّلعة. وفي وقت لم تُسَمَّ فيه القاعدة لـ"أسباب أمنيّة وعملياتية"، تشير المعطيات المتوفّرة - بما فيها تلك المتصلة بإجراء اختبارات على الموقع والتأكّد من سلامة مرافقه - إلى أنّ الاختيار وقع على مطار المزة العسكري، أحد أبرز المطارات العسكرية في سورية، والذي أدّى دورًا كبيرًا في أثناء مدّة النظام السابق، وكان أحد المواقع التي استخدمتها روسيا وإيران، وتعرّضت مرارًا لقصف "إسرائيلي". وإلى جانب مكانه الإستراتيجي، يكتسب اختيار "المزة" بالتحديد أبعادًا سياسية، وذلك في إطار التحول السوري الكامل والانضواء تحت جناح الولايات المتحدة.

وتشير التسريبات التي تحدّثت عنها "رويترز" إلى أنّ المطار سيؤدّي دورًا محوريًا في إطار "مراقبة أي اتفاق محتمل بين "إسرائيل" وسوريا"، وهو الاتفاق الذي نصّت مسوّدته السابقة - التي وافقت عليها السلطات الانتقالية - على إقامة منطقة منزوعة السلاح جنوبي سورية، ومنطقة حظر جوّي للطائرات العسكرية، تمتدّ من تخوم دمشق حتّى المنطقة العازلة مع الأراضي المحتلة، والتي وسّعتها "إسرائيل" بعد احتلالها مناطق جديدة وفرضها سيطرة أمر واقع على أنحاء واسعة، منها القنيطرة وقمة جبل الشيخ الإستراتيجية.

وكان التوقيع على الاتفاقية قد فشل في أيلول الماضي، حسبما كان مقرّرًا، بعد أن أضافت تل أبيب بندًا يتيح فتح طريق من الأراضي المحتلة نحو السويداء، التي باتت تحت إدارة حكم ذاتي للمكوّن الدرزي بدعم "إسرائيلي". ولا يزال يلفّ الغموض مصير هذا البند في الاتفاقية الجديدة التي ترعاها واشنطن، والتي يُتوقّع التوصّل إليها في أثناء زيارة الشرع إلى البيت الأبيض، بصفته أول رئيس سوري يقوم بهذه الزيارة.

ومع التمدّد الأميركي نحو دمشق، باتت الولايات المتحدة، تمتلك حضورًا عسكريًا يمتدّ من أقصى الجنوب (قاعدة التنف عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، وهي أكبر قاعدة أميركية في سوريا)، وصولًا إلى الشمال الشرقي (مناطق سيطرة "قسد" حيث تنتشر قواعد عدّة أبرزها قسرك وخراب الجير)، وليس انتهاءً بالبادية السورية في وسط البلاد، في ظل تسريبات عن دراسة حثيثة لاستخدام "مطار تدمر" العسكري أيضًا. ومن شأن هذا التوسّع أن يقطع الطريق على تركيا، التي كانت تسعى جاهدةً إلى التمدّد العسكري نحو وسط سورية، قبل أن تقوم "إسرائيل"، بقصف عدد من القواعد العسكرية لمنع ذلك.

في ضوء هذه التطورات، يمكن رسم خريطة النفوذ في سورية كسلسلة معقّدة من المناطق المتداخلة بين القوى الفاعلة: فتركيا تمتلك نفوذًا كبيرًا شمالي البلاد، بينما تحظى روسيا بحضور عسكري قوي في الساحل (قاعدتا طرطوس البحرية وحميميم الجوية) بالإضافة إلى نفوذها في مناطق سيطرة "قسد"، في ما تفرض "إسرائيل" سيطرة فعلية على الجنوب، وتحظى واشنطن بالحضور العسكري الأكبر، بما يشمل سيطرتها على منابع النفط في الشمال الشرقي، إلى جانب الوجود الفرنسي الخجول في معاقل "قسد".

بالموازاة، تسعى واشنطن إلى تقديم دفعة سياسية للسلطات الانتقالية بعد إزالة معظم العقوبات المفروضة على سورية، وذلك عبر الضغط من أجل رفع عقوبات "قانون قيصر" التي تتطلّب نصًّا تشريعيًا، وشطب اسمَي الرئيس الانتقالي ووزير داخليته أنس خطّاب، من قوائم الإرهاب الأممية، بعد فشل محاولة سابقة لشطب كامل ""هيئة تحرير الشام"" من قائمة العقوبات، جرّاء رفض الصين، التي لا تخفي مخاوفها من المقاتلين الإيغور في سورية، لتلك الخطوة. ويتضمّن المشروع الأميركي الجديد المطروح في مجلس الأمن - الذي أدخلت الصين تعديلات عليه - شطب اسمي الشرع وخطّاب، مع تأكيد التزام السلطات الانتقالية بـ"ضمان وصول إنساني كامل وآمن وسريع ودون عوائق (...) وحماية حقوق الإنسان وسلامة وأمن جميع السوريين بغضّ النظر عن العرق أو الدين، ومكافحة المخدرات، وتعزيز العدالة الانتقالية، وعدم الانتشار والقضاء على أي بقايا للأسلحة الكيميائية، والأمن والاستقرار الإقليميين، وكذلك عملية سياسية شاملة يقودها السوريون". كما أضافت الصين بندًا صريحًا حول مكافحة الإرهابيين الأجانب؛ إذ تنصّ المسوّدة على "مكافحة الإرهاب، بما في ذلك المقاتلون الإرهابيون الأجانب وتنظيم "داعش" وتنظيم القاعدة والجماعات والأفراد والمؤسسات والكيانات التابعة لها (...) وأن تتّخذ الجمهورية العربية السورية، تدابير حاسمة للتصدّي للتهديد الذي يشكّله المقاتلون الإرهابيون الأجانب".

ومع نجاح تمرير المشروع في مجلس الأمن، في وقت متأخّر أمس، بتأييد 14 عضوًا، مقابل امتناع بكين عن التصويت (يتطلّب إقراره موافقة تسعة من أصل خمسة عشر عضوًا، على ألّا تستخدم أي من الدول الخمس الدائمة العضوية حق النقض)، تَثبّت إخضاع الملف السوري لإشراف مباشر من مجلس الأمن، في حين بات بإمكان واشنطن استقبال الشرع في البيت الأبيض، بصفته رئيسًا انتقاليًا "بلا ماضٍ" يُعكّر صفو الزيارة. وهو ما سيُقدّم باعتباره نقطة تحوّل تاريخية في موقع سورية السياسي، يعزّزها الإعلان عن انضمام الأخيرة إلى "التحالف"، وفتح الباب على مصراعيه أمام التطبيع مع "إسرائيل".

الكلمات المفتاحية
مشاركة