مقالات مختارة
ناصر قنديل - صحيفة "البناء"
– افتتح أمس، المؤتمر القومي العربي أعماله في بيروت، وهو حدث نادر لاجتماع مئات الشخصيات الثقافية والفكرية والسياسية والإعلامية المهتمة بالشأن القومي، الذين يأتون من جميع الأقطار العربية والمهاجر، وينتسبون إلى هويات فكرية وثقافية وسياسية متعددة، بعضهم يمثل أحزاباً وجمعيات سياسية وبعضهم صنّاع رأي عام وبعضهم مناضلون قدامى، رجالاً ونساء كباراً وشباباً يجتمعون تحت راية عنوانين، الأول هو الإيمان بالعروبة هوية وإطار لتوحيد جهود الأمة وتوحيد بلدانها ومقدراتها وثرواتها ولو بصيغ مخففة وملطفة ليست بالضرورة الوحدة الكاملة في زمن الكيانات الكبرى في العالم، والثاني هو الإيمان بأن فلسطين هي القضية المركزية المحورية والرئيسية للأمة، وأنه على مستقبل فلسطين يرسم مستقبل الأمة، تحرراً ووحدة، حيث فلسطين الحرة الموحدة تعني أمة حرة موحدة، وفلسطين المحتلة المقسّمة تعني أمة مستباحة مفككة، وفلسطين الجريحة الضعيفة تعني أمة مهزومة تنزف، تذكيراً بكيفيّة تلازم تقسيم المشرق وضياع فلسطين، بين اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور الذي انعقد المؤتمر على ضفاف ذكراه.
– شكل التقرير السياسيّ الذي أعدّه الدكتور زياد الحافظ إحاطة استثنائية شاملة بالأوضاع الدولية والإقليمية وحال بلدان الأزمات وصولاً إلى القضية المركزية فلسطين، وقد نال طوفان الأقصى المكانة التي يستحقها في رؤية دوره المحوريّ في تغيير الوضع الدولي، وتظهير حدود قدرة القوة التي سخّرها الحلف الأميركي الصهيوني لإخضاع قوى المقاومة، والفشل الذريع الذي مني به هذا الحلف رغم الوحشية الإجرامية لأعمال القتل والتدمير، ومنح التقرير للنهوض الشعبي في قوى الرأي العام في الغرب مساحة تنسجم مع حجم هذا التحوّل ودوره في تعديل موازين القوى لصالح قوى المقاومة وشعوب المنطقة وشعب فلسطين خصوصاً، وفتح التقرير الطريق لنقاش واجب حول ملفات مثل سورية والسودان، وحدّد مهمة راهنة هي استنهاض الشارع العربي لتفعيل مساهمة الوطن العربي في نصرة المقاومة وفلسطين محمّلاً النخب والأحزاب مسؤولية الضعف الهائل على هذا الصعيد، رغم رصد مساهمات شعبيّة في مجالات المقاطعة الاقتصادية الفاعلة ورفض التطبيع، ليصبح السؤال حول جدول أعمال المهام التي يتوقّف على بلورتها في هذا المؤتمر تحديد هويته، بين أن يكون مجرد نادي سياسيّ دوريّ يكتفي بالتداول بالمتغيّرات ويقدّم منصة لأعضائه للتعبير عن آرائهم، أو مؤسسة ثقافية سياسية ملتزمة بالقضيتين القوميتين الكبيرتين، الوحدة والتحرر، قادرة على تقديم مساهمتها في خدمة هاتين القضيتين.
– المؤتمر يحقق الوظيفة الأولى بمجرد انعقاده، ومعها فرصة للتواصل الرائع بين المشاركين فيه، بل فرصة نادرة للقاءات بين نشطاء يبحثون عن فرص التلاقي بهدف تنسيق أنشطتهم، لكن هذا يجب أن لا يلغي الطموح لتحقيق الوظيفة الثانية كمرتجى لأغلب أعضائه، كما قالت كلمات اليوم الأول من المؤتمر، ولأن التجربة تعلمنا أن المهام البعيدة المدى تصبح مطلوبة بعد النجاح في محاكاة مهام راهنة، كما تعلمنا أن المهام التي تحتاج إلى إمكانات يحتاج توفيرها إلى خطط ومشاريع ليست متاحة تصبح مقبولة بعد النجاح في مقاربة مهام لا تحتاج إلى مثل هذه الإمكانيات، يصبح السؤال عن المهمات الراهنة التي لا تحتاج إلى إمكانيات تفوق قدرة المؤتمر، وهنا ثلاثة أنواع من المهام، سياسية، وشعبية، وتنظيمية، سوف نعرض أمثلة عنها:
– تشكيل فرقة عمل لورشة تبدأ وتستمرّ بعد انتهاء أعمال المؤتمر على الفضاء الافتراضيّ تضمّ أعضاء المؤتمر من سورية وأخرى من السودان وثالثة لليبيا ورابعة للمغرب والجزائر والصحراء الغربية، تتولى مواكبة الوضع في هذه البلدان، تصدر عنها أوراق شهريّة تعرض لأوضاع هذه البلدان وتحاول تقديم فهم أعمق لأزماتها ومشاكلها من زوايا متعدّدة بما يعرض لأكثر من رؤية ومقاربة بصورة ديمقراطية ما يفسح المجال لأعضاء المؤتمر وشرائح الرأي العام التي تتابع المؤتمر لبلورة فهم أكثر وضوحاً حولها، وبما يساعد لاحقاً في بلورة مبادرات يستطيع المؤتمر إطلاقها حول هذه الساحات.
– تشكيل لجنة موسّعة للوحدة الوطنية الفلسطينية تضم أعضاء المؤتمر من الفلسطينيين والراغبين بالمشاركة وأصدقاء فاعلين لمؤتمر يمكنهم المساهمة في القيام بأدوار عملية وصولاً إلى تشكيل لجنة عليا للوحدة الوطنية الفلسطينية تستطيع المبادرة والتدخل بين الأطراف المستهدفة لتحقيق هذه الوحدة.
– تشكيل إطار خاص بالعاملين والنشطاء القوميين واليساريين والإسلاميين في المغرب العربي، يكون النموذج المستقبليّ لما يريده المؤتمر للحركة الشعبية العربية، انطلاقاً من حيوية الحراكات الشعبية الداعمة لفلسطين وغزة والمقاومة، خصوصاً في المغرب وتونس وموريتانيا وفي ظل الموقف القومي الواضح للقيادة الجزائريّة، ووضع ثقل القيادات الرمزيّة في المؤتمر لإنجاح هذا المثال والاستفادة من تجربته لفهم مشاكل النهوض الشعبي العربي وبلورة خطط لمعالجتها في الساحات الأخرى.
– تشكيل لجنة للأسرى في سجون الاحتلال تضمّ الأسرى المحررين والفاعلين في ملف الأسرى والتضامن معهم لوضع خطة تضامن وتفعيل الأنشطة الداعمة لقضية الأسرى كقضية دائمة على جدول أعمال النضال العربي والعالمي.
– تشكيل لجنة للمبادرات الخاصة بالتبرّعات لمساعدة الصامدين في غزة والوقوف على حاجاتهم والتنسيق مع الجهات التي تقوم بأعمال مشابهة، بما في ذلك المنظمات الأممية والمبادرات الأهلية.
– تشكيل لجنة علميّة من ذوي الاختصاص بمتابعة ملفات حساسة شديدة الأهمية، تفعيل الترابط الشبكي لأنشطة المؤتمر ولجانه، دراسة كيفية التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي تقنياً وعلمياً ومهنياً بما في ذلك دورات التدريب على صناعة المحتوى وصولاً إلى التفكير بإطلاق منصات جديدة عربية مستقلة، دراسة كيفية استخدام الذكاء الصناعي واستكشاف مخاطر استخدام العدو لهذه القيمة العلمية الجديدة، والسعي لبلورة مساهمة عربية في تطوير هذا الفتح العلمي الجديد والنوعي الذي يشكل السمة العلمية الأهم في صناعة المشهد الاقتصادي والسياسي والإعلامي والعسكري.
– إلى الأصدقاء والزملاء في المؤتمر القومي العربي، أضع هذه الأفكار بين أيديكم إن استطعتم قراءتها واعتبارها مادة جديرة للنقاش.