تكنولوجيا
في تحقيق جديد نشرته وكالة "أسوشيتد برس"، كُشف النقاب عن سياسة أميركية متساهلة سمحت، على مدى نحو عقدين، بوصول مؤسسات حكومية وشركات صينية إلى أحدث تقنيات المراقبة الأميركية، ما مكّن بكين من تطوير منظومة قمع ومتابعة رقمية متقدمة، تحت أعين خمس إدارات أميركية متعاقبة، جمهورية وديمقراطية على حد سواء.
وبحسب التحقيق الذي أعدّه الصحافيون جارانس بيرك، ودايك كانغ، وبايرون تاو، فإن الحكومة الأميركية لم تكتفِ بغضّ النظر، بل ساعدت في بعض الأحيان الشركات التقنية الأميركية على إبرام صفقات مع هيئات صينية رسمية، بينها الشرطة وشركات مراقبة وأجهزة أمنية.
استفادت هذه الشركات من ثغرات في قوانين التصدير الأميركية، سمحت بتسويق التقنيات المتقدمة عبر وسطاء وشركات طرف ثالث وخدمات سحابية، بعيداً عن الرقابة المباشرة. كما تجاهل الكونغرس، رغم الاعتراضات الحزبية، سدّ هذه الثغرات التي وُضعت أساساً بعد مجزرة "تيانانمن".
ويكشف التقرير أن الصين اشترت خلال عام 2024 وحده معدات لتصنيع الشرائح المتطورة بقيمة تتجاوز 20 مليار دولار، رغم العقوبات المفروضة على تصدير هذه التقنيات.
ويحمّل التحقيق جماعات الضغط التابعة لشركات التكنولوجيا مسؤولية ترسيخ هذا الواقع، بعد إنفاقها مئات ملايين الدولارات خلال العقدين الماضيين لضمان بقاء القوانين على حالها.
ويشير إلى أن نفوذ هذه الشركات ازداد وضوحاً في عهد الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب الذي سعى لربط الاقتصاد الأميركي بمصالح عمالقة التقنية من خلال قرارات عدة، أبرزها استثمار حكومي في شركة "إنتل" ورفع القيود على تصدير شرائح "إنفيديا" و"إيه إم دي" إلى الصين مقابل عائدات مالية.
الناشط الصيني تشو فنغسو؛ أحد قادة احتجاجات "تيانانمن" عام 1989، عبّر عن استيائه من تغاضي واشنطن، قائلاً: "إنه تغافل مدفوع بالربح… هذا فشل إستراتيجي للولايات المتحدة". وكان فنغسو قد طالب الكونغرس عام 2024 بالتحقيق في دور الشركات الأميركية ببناء أنظمة المراقبة الصينية.
يلفت التحقيق إلى أن الكيانات الصينية لم تعد بحاجة لشراء الشرائح مباشرة، إذ يمكنها الوصول إلى القدرات الحوسبية نفسها عبر خدمات"مايكروسوفت أزور" و"أمازون ويب سيرفيسز"، وهي خدمات لا تمنع تخزين أو تحليل بيانات المراقبة. شركات مثل "داهوا" و"هيكفيجن" أشارت صراحة إلى استخدام خدمات أمازون السحابية، بينما نفت “مايكروسوفت” و"أوبن إيه آي" تقديم أي خدمات مماثلة لشركات صينية خاضعة للعقوبات.
يرى التقرير أن القوانين الأميركية التي وُضعت بعد "تيانانمن" باتت متقادمة؛ إذ لا تشمل تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة مثل أنظمة التعرف على الوجه وأجهزة الاستشعار الحيوي، رغم محاولات متكرّرة لتحديثها بين عامَي 2006 و2013، فشلت جميعها بفعل نفوذ الشركات الكبرى.
وهكذا، وفق "أسوشيتد برس"، تستمر واشنطن في رفع شعار الدفاع عن حقوق الإنسان، فيما تسمح لشركاتها العملاقة بمدّ بكين بأدوات الرقابة التي تُمكِّنها من إحكام قبضتها على شعبها، في مشهد يجسد تناقضاً صارخاً بين الخطاب والممارسة.