اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي الصورة الأخيرة والكلمة التي لا تموت.. عن شهيد الصحافة محمد شحادي

نقاط على الحروف

عن يومٍ من نور.. عن يوم الشهيد
نقاط على الحروف

عن يومٍ من نور.. عن يوم الشهيد

102

احتشدت في هذا اليوم كلّ أيّام السّنة. يوم الشهيد، وحده، يحوي دهرًا من صور وأسماء وحكايات لا يتسع ألف زمان لسردها وتوثيقها. 

تتحلّق القلوب الباذلة أغلى ما عندها، بعزّة وصبر في ١١/١١ من كلّ عام، كي تحيي يومًا كُرّس للشهيد، منذ أن أضاء فيه عام ١٩٨٢، سماء الجنوبَ بدرٌ هو الاستشهاديّ أحمد قصير. ومنذ ١٩٨٢ إلى اليوم، تواصلت قوافل الأقمار، صارت جيشًا من شهداء، يصون بدمه العزيز عزّة هذي الأرض وأهلها. في كلّ عام، لهذا اليوم فوحٌ خاص، وفي هذا العام بالذات، يأتي فوحه مكثّفًا، سخيًّا، سيّالًا لا ينضب!  كيف لا، وأهل الأرض يشيّعون في كلّ يوم شهيدًا، ويواصلون البذل والفداء على وقع عدوان همجيّ يستلهم من عنجهية المستكبرين في كلّ العصور نارًا وحقدًا، ويصبّها على أرض وعلى قلوب رفضت، عصرًا بعد عصر، مذلّة الخضوع. في هذا العام، حشد عوائل الشهادة تعاظم نورًا وعددًا، والجمع المقدّس الذي يضمّهم استقبل كلّ أحرار العالم الذين باستشهاد السيد حسن حزّهم الفقد واُمتحن صبرهم ونجحوا. جميع أهل الشرف في بلادنا، في يوم الشهيد، هم حتمًا من أهل الشهيد.

في الجنوب، في عاملة الإباء والفداء والفطرة التي تحترف العزّة وتحترف القتال، يحكي التراب في يوم الشهيد عن حرارة الدم الثوري التي سرت من أوردة الشهداء إلى ذراته، ويحكي، عن الذين أعزّوه بأن غفت في حضنه جثامينهم، وتراصفت أضرحتهم "الكتف على الكتف". يستعيد صورة كلّ قمر كانت له أرض الجنوب بوابة إلى السّماء، ويهمس باسمهم، شهيدًا شهيدًا، كما حين تحصي الأمّهات أسماء أولادها، وتحوّطها بالبسملات. هنا في الجنوب، حين يُنطق اسم الشهيد، تخال النّسيم يرتّب الحروف ويحملها إلى الشمس، كي يسقيها من دفء الحروف قليلًا، ويروي ضوءها من بعض ضوء شهدائه. هنا في الجنوب، تقصّ قرى الحدود ألق حكاية عنوانها "يوم الشهيد".

في البقاع، كهف الشهداء السخيّ، معسكر البدايات وكلّ محطات هذا المسير المبارك، ليوم الشهيد خصوصية عالية. لا تُحكى ولكن تُرى في البيوت التي إن مسّها بردُ الفراق استدفأت بصورة شهيد منها، وتُرى في الوجوه النّاضحة باعتزاز مطرّز بالحياء وبالحبّ. بذل البقاع من دمه النبيل على طريق القدس سيول إيثار وفداء. حتى قيل حين ازداد ثقل النار فوق صدر الأرض إنّ البقاع انسكب شلّالات حبّ تبرّد حرّ الجمر الذي لذع القلوب، وتزيح ثقل الوجع عن كتف الأحرار، وتقول بملء الصوت الأعزّ أن هيهات منا الذلّة. هنا في البقاع، قلَّما تجد بيتًا ليس فيه صورة لقمر بذل النّفس في سبيل الحق، فترى في جميع الأمهات سمات "أمّ الشهيد".

أمّا في الضاحية، المدينة التي عرفت الشهداء عن كثب، وعرفوها عن ظهر قلب، ففي يوم الشهيد، يمكن لمن يمرّ أن يلمح بعين القلب حشدًا من ابتسامات نورانية، تجول في الزحام، تلقي على جيرانها ورفاقها السلام، وتطمئن كلّ السائرين في درب الحقّ أنّنا لا نُهزم. "عندما نُستشهد ننتصر، وعندما ننتصر ننتصر". ترى روضة الحوراء تغصّ بالأهل وبالأحبّة وبالرّفاق، وترى مرقد الشهيد الأسمى، سيّد شهداء الأمة، يستقبل زوَّاره بكلّ ترحاب وحب، وتسمع منهم عبارات تجديد العهد في يوم الشهيد، وترى الوفاء قد تجسّد في وجوه ما زادها الفقد إلّا يقينًا أن كرامتنا من الله الشهادة. 

من كلّ جهات الأرض، تجتمع النفوس الحرّة والقلوب المطهّرة والعقول المتحرّرة من نير الأمركة في يوم الشهيد، تنظر ناحية قوم آمنوا بالحقّ، وبذلوا في سبيل إحقاقه كلّ ما يحبّون، قوم ثوريون كانوا العين التي حطّمت جبروت المخرز، وإن نزفت، فنزفها نور يضيء قناديل كلّ الذين استضعفوا في الأرض. نور يتكثّف ويسطع في يوم الشهيد. تنظر ناحية قومٍ اعتادوا أن قادتهم شهداء، وأحبّتهم شهداء، وأبناءهم شهداء. وجميعهم، من قضى منهم نحبه ومن ينتظر، معتزّون بما بذلوا، ولو أعيدت أعمارهم ألف مرّة لما تأخروا مرّة عن أن يكونوا في يوم الشهيد، شهداء.

الكلمات المفتاحية
مشاركة