اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي خواجة لـ"العهد": استعجال طرح حصر السلاح شمال الليطاني في غير مكانه

نقاط على الحروف

سياسيون في فخ
نقاط على الحروف

سياسيون في فخ"أبو عمر": حدّاد السيارات الذي أصبح "أميرًا" لا يُردّ له طلب 

98

كاتب من لبنان

تؤكد القصّة-الفضيحة عن حدّاد السيارات "أبو عمر" ما هو معروف لدى اللبنانيين من ارتهان شريحة كبيرة من السياسيين في لبنان لجهات خارجية، ارتهان يتعدى مجرد تلقي التعليمات للانخراط والاصطفاف في القضايا الكبرى، إلى البحث عن مناصب ومواقع نيابية أو وزارية ومصالح ضيقة، والتأثير ربما على الاستحقاقات الرئاسية.

 من الواقع المعيش نعرف حجم التدخل الخارجي، العربي والأجنبي، في شؤون لبنان. سفراء ومبعوثون يُدلون -من دون حرج- بمواقف وتعليقات تطلب من القوى السياسية اللبنانية اتّباع سياسات معيّنة سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي، أو تُشيد بشخص لإبقائه في موقعه (القصّة المشهورة كانت في إشادة السفيرة الأميركية السابقة في بيروت دوروثي شيا بحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة في العام 2020 عندما فكّرت الحكومة اللبنانية في عهد الرئيس ميشال عون في تعيين حاكم آخر مكانه). وكما في العلن، كذلك في السر، ينشط السفراء الأجانب لدعم تلزيم شركات أجنبية في بعض القطاعات أو للتحذير من التعامل مع شركات أخرى في إطار التنافس التجاري أو السياسي. 

ولطالما كان لبنان مسرحًا لهذه التدخلات الخارجية منذ عهد الاستقلال. فقد كان سفراء الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، يلعبون دورًا مهمًا، وربما حاسمًا في بعض الحالات، في دعم ترشيح شخصية معينة لرئاسة الجمهورية، كما كانوا يتدخلون لأجل قضايا أكبر أو أقل أهمية. هذا كان في العصر الذهبي للبنان قبل الحرب الأهلية، أما بعدها فهذه السيرة لا تزال على حالها، لا بل إن بعض القوى اللبنانية المعروفة تستدرج علنًا تدخل القوى الأجنبية لمواجهة أو ضرب قوى لبنانية أخرى بهدف إتاحة الفرصة لها كي تتحكم في البلد من دون معارضة قوية.   

لهذا، فإن قصّة "أبو عمر" لا تقدّم جديدًا في شأن "معلومة" التدخل الخارجي، وإنما تؤكد ما هو مؤكَّد، وتوضح حجم الانقياد والسعي إلى استرضاء الخارج من أجل دعم مصالح فئوية أو شخصية في الداخل. لكن هذه القصّة الفريدة بوقائعها تتميّز في أنها كشفت ضحالة الشخصيات المتورطة وخفّة تعاطيها وسهولة خداعها والتأثير عليها، وهذا ناشئ من تسليمها المسبق والمطلق للدول التي لها نفوذ عليها من دون حدود. ويجدر بنا التوقف عند النقاط الآتية: 

1. استطاع شخص شبحيّ أن يتلاعب بمجموعة من السياسيين منذ العام 2017 من دون أن يحضر شخصيًا بينهم، فقط كانت العلاقة تتم عبر الهاتف حيث كان يأمرهم ويزجرهم بل ويشتم بعضهم، وهم يعتقدون أنه موفد سعودي خاص من الديوان الملكي. وتمكّن هذا الشخص من إدامة احتياله طيلة هذه الفترة، الأمر الذي يتطلب مهارة خاصة في فنّ التمويه وقدرة على الإقناع. وحتّى لو تم ذلك بمعونة وتزكية من شخصية دينية معروفة، كما يقال، لكنّه يشير إلى نقص هائل في ذكاء الطرف المقابل الذي لم يفطن إلى التأكد من شخصية "أبو عمر" ونسَبه وموقعه الوظيفي في العائلة الحاكمة السعودية. 

2. بحسب المعطيات المتوفرة، دفع بعض ضحايا المحتال "أبو عمر" مبالغ طائلة من أجل الحصول على رضاه وكسب حظوة لدى السعودية. وهذا يشير إلى مدى الاستعداد للرهان على أي نفوذ خارجي لخدمة مصالحهم السياسية وغير السياسية. ولا ينسجم ذلك بالطبع مع الشعارات السيادية والوطنية التي يرفعها هؤلاء وبصوت عالٍ، بينما يبيعون ويشترون في السرّ لتحصيل مكسب هنا أو هناك. 

3. استطاع هذا المحتال أن يقوم بأدوار فعلية سياسية وتجارية. لكن ليس واضحًا بعد حجم التأثير على مجرى الأحداث خلال سنوات "خدمته"، في ظل وجود تكهنات عديدة بأن له دورًا في بعض المحطات مثل تسمية رئيس الحكومة (بصرف النظر عن مدى تأثيره في هذه النقطة) ودعم تعيين أشخاص في مواقع إدارية أو طلب إنجاز بعض الصفقات العمومية. وكلها لا تزال تكهنات تستلزم التحقيق بشكل جدي، وقد تكون "القُطبة" الأهم في قصّة أبو عمر. وربما لا نعرف الحقيقة في هذا المجال، في ظل مسعى لطمس بعض التفاصيل والتركيز على شخص المتَّهم وبعض معاونيه لتخريج القضية بأقل الأضرار على المعنيين. 

 مع ذلك، تثير هذه القصّة أسئلة عدة حول جوانب لا تزال غامضة، إذا ما وُضعت في السياق السياسي الراهن، ومن بينها: 

 - هل كان "أبو عمر" وحده، أم توفرت له تغطية ما أتاحت له الاستمرار في هذه اللعبة لسنوات؟ 

 - ما حاجة الشخصيات السياسية المعنية إلى التواصل مع شخص "شبح" طالما أن أبواب السفارة السعودية في بيروت مفتوحة أمامهم، هل طمعوا بمستوى تواصل أعلى، أم أن هناك فجوة حقيقية في طبيعة العلاقة التي تربطهم بالرياض؟. 

 - هل كان السعوديون على علم بالقضية منذ فترة وتركوا الحبل على غاربه، على أمل كشف "وزن" الشخصيات التي ستقع في هذا الفخ، لكي يتمكّنوا من الوقوف على حجم القضية والإمساك بالشخص المحتال في الوقت عينه؟ 

 - هل يرتبط الكشف عن هذه القضية بمحاولة تثبيت فرضية الحاجة إلى وضع لبنان تحت وصاية جهة خارجية بسبب عدم أهلية طيف واسع من الطبقة السياسية في لبنان؟ وماذا عن تلويح المبعوث الأميركي إلى سورية توم برّاك المتكرّر بإلحاق لبنان بسورية؟.  

 - ألا تؤكد هذه القضية أن اختراق الجسم السياسي في لبنان من قبل جهات استخبارية معادية أمر ممكن جدًا، إذا كان حدّاد سيارات بسيط يتقن اللهجة السعودية قادرًا على تنفيذ "تمثيلية" لنحو ثمانية أعوام؟ وهل هناك ما يستبعد وجود "آباء عمر" آخرين لم يُكشفوا بعد، أو أن بعض الشخصيات المموَّهة أو الموجودة بالفعل على الساحة اللبنانية تم تصنيعها من قبل جهاز "الموساد" أو وكالة "سي آي إيه" مثلًا من أجل التأثير على مجرى الأحداث في لبنان؟ 

في مطلق الأحوال، تبرهن هذه القضية مجددًا على أن ثقافة التزلف والاستزلام واسترضاء القوى الخارجية مغروسة وعميقة الجذور في الواقع المحلي لدى شخصيات سياسية أو طامحة إلى مواقع سياسية، في ظل غياب ثقافة وطنية سيادية حقيقية جامعة و"اجتهادات" مختلفة حول هوية لبنان والمصالح الوطنية. وعندما نسترجع الآن مواقف الأشخاص المتورطين في هذه القضية خلال الفترة الماضية وتصريحاتهم التوتيرية العالية السقف، ندرك بالدليل الملموس خلفيات هؤلاء والأضرار التي يتسببون بها على الصعيد العام، الأمر الذي يرتّب على الرأي العام -ولا سيما على الناخبين- مسؤولية محاسبتهم وتقليص مساحة أدوارهم التي اكتسبوها بوسائل الرشوة والاستعانة بنفوذ خارجي.

الكلمات المفتاحية
مشاركة