نقاط على الحروف
كاتبة من لبنان
يضج الإعلام "الإسرائيلي" بكلّ فروعه وجنسياته في صناعة رواية عنوانها "هزيمة المقاومة في لبنان". وتنشط الحملات الإعلامية الترويجية لإعادة إحياء وهم "الجيش الذي لا يُقهر" في سبيل إعادة عقارب الساعة إلى زمان سادت فيه عبارة "العين لا تقاوم المخرز". وبدا أن العدوّ، وعلى الرغم من مواصلته العدوان العسكري على لبنان، وبتغطية دولية ومحليّة مكشوفة، لم يتمكّن بعد من الشعور بإمكانية تحقيق أيّ من أهدافه، بل ويدرك عجزه عن تحقيق أيّ منها بأطنان المتفجرات والاعتداءات المتواصلة، ولذلك فعّل ترسانة الإعلام والدعاية، بهدف التسويق لإنجازات تعادل صفرًا على أرض الواقع، بل وأقلّ، بحيث تنقلب عليه كما ينقلب كلّ "وهم" على صانعه. على سبيل المثال، يمكن استحضار نموذجين طازجين عن "الدعاية الإسرائيلية" التي توخى منها صانعوها إقناع الجمهور بتمكّنهم من هزيمة المقاومة في لبنان، وبالتالي سلب إرادة القتال ممّن آمن بالقتال سبيلًا إلى التحرير: فيديو مقابلة الأسير عماد أمهز وصورة الصحافي "الإسرائيلي" داخل مرقد الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله. قبل الخوض في تفاصيل هذين الاستعراضين الركيكين، تجدر الإشارة إلى أنّهما، كسائر مواد البروباغندا الصهيونية، يستهدفان جمهورين مختلفين: الداخل "الإسرائيلي" الذي لم يقتنع بعد بمقدرة جيش كيانه على حمايته وتحقيق أمنه ولا سيّما في شمال فلسطين المحتلة، وبيئة المقاومة التي صمدت ولم تستسلم رغم تعرّضها لضربات لو تعرّضت لها الجبال لتصدّعت. هذان الجمهوران تلقيا "الدعاية" بالطريقة الأكثر تعارضًا مع ما يريده كيان العدوّ منها: فالداخل حسبها مجرّد ترّهات تحاول تجميل العجز "الإسرائيلي" الحقيقي عن صناعة الأمن لمستوطنيه، وهي كذلك، وبيئة المقاومة أجادت قراءة المشهد بحكمة ووعي، بحيث رأت فيه حقيقة شعور "إسرائيل" بالضعف في المرحلة التي تحاول فيها الظهور أمام كلّ العالم بمظهر الكيان القويّ الذي لا يُهزم. وليس في ذلك إنكار لحقيقة الخسائر التي تكبدتها المقاومة ولا مكابرة على الوجع والقهر الذي يعصف بأهل الأرض وهم يشهدون على العدوان ويتعرّضون له، من دون أن تقوى دبلوماسية دولتهم على إدانته حتّى!.
بالعودة إلى المشهدين النموذجيين الشاهدين على عجز إعلام العدوّ عن تحقيق ما لم يزل سلاحه عاجزًا عنه، يمكن القول إن العدوّ أراد لنفسه صورة "البطل" ولكن رسمها بيد غير محترفة، فبدت كاريكاتورية واهية وركيكة، فضحت حاجته إلى تسجيل إنجازات من وهم، وهو ما لا يحتاجه عادة من يشعر بأيّ نصر حقيقي.
مشهد المقابلة مع الأسير عماد أمهز
يخلو الفيديو الذي عرض المقابلة مع الأسير أمهز من أيّ معلومة ذات وزن استخباراتي مُعتبر. رأى المشاهدون أسيرًا بدت عليه آثار التعذيب الجسدي والنفسي، يقول ما أُرغم بأكثر الوسائل وحشية على قوله. الهدف الأوّلي من الفيديو كان ترميم ما تكسّر من ثقة المستوطنين بمقدرات كيانهم، والقول لأهل المقاومة نحن قادرون على انتزاع أسرار مقاومتكم. الهدف لم يتحقّق وحسب، فتفاعل المتلقين بشقّيهما مع المشهد سلّط الضوء على نقاط الضعف التي أرادت "إسرائيل" تمويهها بالمقابلة، فركاكة المشهد وفراغه من أي "حدث" كشف حاجة العدوّ إلى اصطناع القوّة. وبالتالي، زاد هذا الانكشاف من رعب مستوطني الشمال الرافضين للعودة إلى وحداتهم السكنية أو ما بقي منها، رغم مرور أكثر من عام على عدم انطلاق أيّ رصاصة من الجانب اللبناني. وكذلك زاد الانكشاف هذا من إدراك أهل المقاومة لعجز العدوّ عن هزيمتهم رغم المواجع التي حلّت بهم. ولذلك، رغم الترويج الهائل للفيديو ومحاولة تظهيره كضربة إعلامية قاضية، كفّ الإعلام الذي روّج له عن تداوله وكأنّه استدرك فجأة أن المفعول جاء عكسيًا، وأنّ محاولة تضخيم أقوال الأسير أمهز وإظهارها كإنجاز استخباراتي نوعيّ لم تجد نفعًا، وبدت نسخة متكرّرة وواهية عن جميع الفيديوهات التي يصوّرها العدوّ تحت عنوان مقابلات مع الأسرى.
مشهد الصورة داخل المرقد
عرضت وسائل إعلام "إسرائيلية" يوم أمس ما قيل إنّه صورة لصحافي يحمل الجنسية "الإسرائيلية" ويعمل في إحدى المجلات المعروفة في داخل الكيان، داخل مرقد الشهيد الأقدس السيد حسن نصر الله. الهدف ليس تحقيقًا صحفيًّا بالطبع بل القول إن "إسرائيليًّا" تمكّن من دخول المرقد، وتخطّى بذلك إجراءات الأمن فيه، وبالتالي القول بأن بإمكان "إسرائيل" استباحة كلّ حبّة تراب في لينان مهما كانت إجراءات أمن المقاومة فيها، لا عبر سلاح الجوّ فقط، بل أيضًا عبر صحفيين. فات صانعي الخبر أنّ وزن ما حسبوه إنجازًا هو صفر في ميزان الواقع، وأنّ دخول حامل جواز سفر أجنبي إلى المرقد بحجّة الزيارة لا يصنّف كعملية أمنية ناجحة ولا يمكن اعتباره بالأصل عملية أمنية: فالمرقد مكان عام وليس نقطة سريّة تمكّن العدوّ من دخولها بلا حواجز. ومسألة الدخول إليه لا تتطلب إجراءات خاصة أو معقّدة وبالتالي هو أمر متاح لأيّ متواجد على الأراضي اللبنانية، مع الإشارة إلى أنّ تواجد حملة جواز سفر كيان العدوّ ينحصر بمن يمتلك منهم جواز سفر دولة أخرى، لا يمنع القانون اللبناني حامليه من دخول لبنان. وبناء على ذلك، بدت صورة "الإسرائيلي" المتخفّي قرب الضريح الشريف أشبه بإقرار للعدوّ بحاجته إلى الترويج لإنجاز يثبت ما لم تتمكّن ترسانة الحرب من تثبيته: هزيمة المقاومة. وبالمنطق، لو يشعر العدوّ بالفعل بأنّ المقاومة هُزمت وبأنه بات بإمكان حملة جواز سفره التنقّل بأمان في لبنان، لما اضطُر الصحافي صاحب الصورة إلى طأطأة رأسه والتخفّي سواء في دخوله الأراضي اللبنانية أو دخوله أرض المرقد. فالمنتصر الواثق بانتصاره لا يتخفّى.
من خلال هذين المشهدين وغيرهما، ظهر أنّ القنوات والمؤسسات الإعلامية العربية واللبنانية والتي أوكلت إليها مهمّة التسويق والترويج للدعاية "الإسرائيلية" ورغم اجتهادها في ذلك، لم تنجح في أداء ما عليها فعله، ما دفع بالإعلام "الإسرائيلي" إلى تولي زمام الأمر بنفسه، وقد فشل كوكلائه تمامًا، فعلى المستوى الداخلي اللبناني، لم يُر المشهدان سوى كمسرحيات استعراضية توخّت البطولة الواهمة فكشفت بركاكتها وهنًا يؤكّد المؤكد: "إسرائيل" هذه، بكلّ مقدرتها على صنع الوجع، أوهن من بيت العنكبوت!