مقالات
مع صدور تقرير اللواء احتياط في جيش العدوّ "الإسرائيلي" سامي ترجمان عن مجريات وتداعيات عملية "طوفان الأقصى" بدأت الآراء تنتشر لمقاربة ما جاء في التقرير الذي كما العادة في كلّ تقارير الجيش والقضاء في كيان العدوّ يتهرّب من استخدام المصطلح الدقيق لتلافي حدوث نتائج كارثية.
في تقرير "فينوغراد" بعد مواجهة 2006 في لبنان استخدم القاضي فينوغراد مصطلح الإخفاق وكذلك فعل اللواء احتياط سامي ترجمان في تقريره المرتبط بعملية "طوفان الأقصى".
ولتأكيد ما يخالف العنوان المتداول وتسمية ما حصل بالإخفاق جاء في تقييم اللجنة النهائي: "أنّ ما جرى لم يكن نتيجة خلل موضعي، بل هو انهيار بنيوي في منظومة التفكير العسكري".
وقد حدّد التقرير عدة أسباب رئيسية لهذا الانهيار من بينها:
- الانفصال بين الواقع الأمني والتصور "الإسرائيلي" تجاه قطاع غزّة، وهذا يعني في مكان ما أن فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس استطاعت أن تخدع الاستخبارات "الإسرائيلية" وتوصلها إلى قناعة بأنه لا يوجد أي توجه لتنفيذ أي عمل عسكري ضدّ الجيش "الإسرائيلي". وقد عزّز هذا الاعتقاد لدى "الإسرائيليين" عدم مشاركة حماس في عمليات ومواجهات عسكرية عديدة ومن ضمنها عملية "سيف القدس" التي خاضتها "الجهاد الإسلامي" مع فصائل أخرى.
- عدم الأخذ بعين الاعتبار ما جاء في خطّة "جدار أريحا" وهي تحذير استخباراتي فيه بحسب المصادر الغربية و"الإسرائيلية" تفاصيل لعملية "طوفان الأقصى" لكن أحدًا في الكيان "الإسرائيلي" من مستويات الاستخبارات المختلفة لم يأخذ التحذير على محمل الجد ولم يتم تنفيذ إجراءات مضادة تمنع حصول عملية "طوفان الأقصى"، وهذا يعني في التصنيف أن ما حصل هو فشل استخباراتي كبير يرتبط بنمط التفكير وليس مجرد تقاعس وإهمال.
- غياب المهنية والاحترافية في إدارة المعركة حيث كانت وضعية الوحدات "الإسرائيلية" في حالة عدم القدرة على التعامل مع المفاجأة رغم أنها كانت بمستوى تكتيكي ولم ترقَ إلى المستوى العملياتي وهو ما أدّى إلى استفادة حماس من حالة الصدمة التي استمرت لساعات في صفوف الجيش "الإسرائيلي" بكلّ مراتبه من القيادة إلى الجنود.
- الفجوة العميقة بين التهديد الفعلي والجهوزية ما يعني أن قيادة فرقة غزّة وصولًا إلى أعلى مستوى في الأركان "الإسرائيلية" كانوا في حالة إحساس بفائض القوّة الذي أنتج استهتارًا بقوة حماس والفصائل الفلسطينية وأنتج إجراءات هزيلة على المستوى الدفاعي وتمّ الاكتفاء بالاعتماد على الجدار الإلكتروني والعوائق والموانع التي كلّفت مليارات الدولارات وأسقطتها المقاومة جميعها واخترقتها في أقل من ساعة واحدة وحوّلت المعركة من معركة خط تماس إلى معركة في قلب الوحدات "الإسرائيلية" والمستوطنات.
وممّا جاء في التقرير أن أكثر من ثلثي التحقيقات كانت قاصرة وناقصة وانّ خمسة من هذه التحقيقات كانت فاشلة بشكل كامل، ما يعني أنه حتّى اللحظة ورغم صدور التقرير لا تزال لجان التحقيق عاجزة عن توصيف الوضعية التي يمكن وصفها بالناشئة مع بدء تنفيذ عملية "طوفان الأقصى" والعجز المستمر عن تحديد الأسباب التفصيلية على الرغم من وضع اللجنة لعناوين رئيسية لأسباب الإخفاق كما جاء كمصطلح معتمد في تقرير اللجنة.
التقرير أشار إلى أنّ جذور الفشل تعود إلى عام 2018، حين بدأت الاحتجاجات على حدود قطاع غزّة، وأنّ المؤسسة العسكرية تجاهلت مؤشّرات تطوّر قدرات حماس، واستمرّت في التقليل من خطورة الوضع.
وللتأكيد على فشل اللجنة في إصدار تقرير نهائي ظهرت توصيات بأن يقوم الجيش مجدّدًا وبشكل مستمر بإجراء تحقيق أكثر دقّة وشمولية لتحديد الأسباب الجوهرية المرتبطة بالبنية وبنمط التفكير الذي لم يصل بعد إلى تحديد إستراتيجيا واضحة ولا يزال في مرحلة انتقالية، فقبل عملية "طوفان" الأقصى كانت الإستراتيجيا "الإسرائيلية" تعتمد على الردع القائم على الإنذار والحسم وهو ما لم ينجح ما أجبر قادة الكيان على الانتقال إلى ردع قائم على التدمير والقتل وتحديدًا على بيئات المقاومة سواء عبر استهداف وتدمير البنية التحتية والمباني أو عبر مستوى غير مسبوق من القتل والتوحش بهدف الضغط على المقاومات لوقف المعركة وليس حسمها وهو ما فشل فشلًا كبيرًا ما يؤكد أن العدوّ لم يحقق أهدافه لا بالردع القائم على الإنذار والحسم ولا باعتماده على التدمير والقتل.
يبقى أن مصطلح الإخفاق الذي استخدمه تقرير اللواء احتياط سامي ترجمان والذي استخدمه قبله القاضي فينوغراد لا يقارب الحقيقة أبدًا، فالذي حصل هو مفاجأة إستراتيجية وتداعياتها حتّى اللحظة تؤكد أنها طوفان لا تزال المنطقة والعالم تتأثر يوميًا بتداعياته التي أنتجت الكثير من التحولات والمتغيرات.