ترجمات
كتب جيسون ويليك مقالة نُشرت في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية اتّهم فيها مقدم البرامج الشهير تاكر كارلسون بالرفع من شأن معاداة السامية في معسكر اليمين في الولايات المتحدة، مشيراً إلى المقابلة التي أجراها كارلسون مع المدعو نيك فوينتس المصنَّف بأنه من محبّي هتلر.
وأشار الكاتب إلى أن معاداة السامية عبارة تحمل الكثير من المعاني المتنازع عليها في السياسة الأميركية المعاصرة، لافتاً إلى أن معسكر "اليمين البديل" (alt-right) الذي ظهر خلال العقد الماضي ركّز على أتباع الديانة اليهودية في إطار حملته ضد مختلف الأطراف. كما أضاف أن "بعض التقدميين ركّزوا على أتباع الديانة اليهودية خلال الأعوام الأخيرة على أساس أنهم رموز للقمع".
أما تركيز كارلسون على الموضوع، فقال الكاتب "إنه أخذ شكلاً دينياً أكثر وضوحاً"، وأردف أن " كارلسون يستهدف مفهوماً يعود إلى القرن العشرين وهو "الإجماع اليهودي-المسيحي"".
ولفت الكاتب إلى كتاب البروتستانتية الكاثوليكية اليهودية لعالم الاجتماع ويل هيربيرج الصادر عام 1955، والذي اعتبر أن الأديان الثلاثة المذكورة تشكّل الأرضية لعقيدة مواطنة مشتركة في الولايات المتحدة. كذلك تابع أن "التوفيق بين اليهودية والمسيحية أثبت قدرة لافتة على الصمود على مدار عقود"، لكنه أضاف أن " كارلسون يرى فرصة لتغيير ذلك".
وأشار الكاتب إلى أن " كارلسون تحدّث مؤخراً عن كتاب العهد القديم (وهو الكتاب الذي يؤمن به يهود ومسيحيون على حد سواء) باعتباره كتاباً "مظلماً وقبلياً"، بينما كتاب العهد الجديد (الذي يؤمن به مسيحيون فقط) يشكل مصدر "القيم الغربية المستنيرة" وفق رأيه.
كما لفت الكاتب إلى أن كارلسون أعرب في أحد برامجه في آب/أغسطس الماضي عن صدمته مما يحتوي عليه العهد القديم من عنف وثأر وإبادة، وذلك إثر قراءته لهذا الكتاب.
وفي المقابل، أشار الكاتب إلى ما قاله كارلسون مؤخراً عن أن الحضارة الغربية مشتقة من كتاب العهد الجديد. كما ذكر ما قاله كارلسون عن أن التعاطي مع الناس كأفراد بدلاً من كونهم جماعات هو "مفهوم مسيحي" لا ينبع من أي دين آخر. ولفت أيضاً إلى كلام كارلسون أن "المسيحية وحدها" تقول ذلك، وبالتالي فإن سياسات الهوية معادية للغرب وشريرة وتؤدي في نهاية المطاف إلى الإبادة الجماعية.
عقب ذلك، اتهم الكاتب كارلسون بمحاولة رفع شأن ما يعتبره تناقضات بين العهدين القديم والجديد، وبالتالي بين اليهودية والمسيحية، منبّهاً في الوقت نفسه إلى أن الباب مفتوح لذلك. فقد أشار إلى أن أحد الطلاب الجامعيين سأل مؤخراً نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس عن الدعم الأميركي لـ"إسرائيل"، واعتبر أن المسألة ليست مجرد عدم توافق بين الديانتين، بل إن اليهودية تدعم "اضطهاد المسيحية" (وفق تعبير الطالب).
واعتبر الكاتب أن الاستغلال السياسي الذي جرى لموضوع "اليهودية المسيحية" يسهل "مشروع كارلسون"، حيث أشار إلى الشرح الذي يقدمه البروفيسور مارك سيلك من جامعة Trinity حول النسخ السياسية المختلفة لهذا المفهوم خلال القرن العشرين.
وتابع الكاتب أن سيلك يروي كيف أن "اليهودية المسيحية" تعمّمت في ثلاثيينات وأربعينيات القرن الماضي، وذلك في سياق تعبير المسيحيين عن رفضهم لمعاداة السامية.
أما خلال الحرب الباردة، فقال الكاتب "إن معاداة السامية في الولايات المتحدة تراجعت، لكن مفهوم اليهودية المسيحية اكتسب زخماً جديداً كبديل عن القيم الأميركية، وذلك في سياق الصراع الأيديولوجي مع الاتحاد السوفييتي "الذي كان يقمع الدين"".
كذلك أضاف الكاتب أن "المحافظين الاجتماعيين استخدموا العبارة منذ نهاية الحرب الباردة للتمييز بين رؤيتهم والرؤى التي يتبناها الليبراليون العلمانيون".
وأوضح الكاتب أن ذلك يعني أن التوليف اليهودي–المسيحي جرى استخدامه لتحقيق غايات تقدمية ومحافظة على حد سواء". كما لفت إلى أن مارك ليفين، وهو الخصم اللدود لكارلسون والمؤيد بقوة لـ"إسرائيل"، أكد مؤخراً أن المفهوم لا يزال حيوياً، حيث قال ليفين "إن رفض اليهودية والمسيحية وعلاقات الأخوة بين الديانتين يعني رفض "بلدنا" (أي الولايات المتحدة)".
ثم أشار الكاتب إلى أن نسبة الأميركيين الذين يعرفون أنفسهم كمسيحيين أو يهود (70%) هي قليلة مقارنة بنسبة 97% في منتصف القرن العشرين. وأوضح أن ذلك يعود إلى تزايد عدد الأميركيين الذين لا يعتنقون أي دين، وإلى قدوم أديان جديدة عبر الهجرة. بناءً على ذلك، خلص إلى أنه قد يكون أصعب الحفاظ على الإجماع حول مفهوم اليهودية–المسيحية كأرضية للدين المدني في أميركا خلال القرن الحادي والعشرين.
كما قال الكاتب "إن ما يراهن عليه كارلسون هو إبعاد المزيد من المحافظين عن الاتفاق اليهودي–المسيحي الذي نشأ خلال العقد المنصرم، ودفعهم باتجاه معسكره اليميني "الأضيق"".