اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي نائب الرئيس الإيراني يلتقي رئيس الوزراء الروسي: تعزيز التعاون في مختلف المجالات

خاص العهد

انتخابات نقابة المحامين: مشهد إقصائي يطيح بالميثاقية
خاص العهد

انتخابات نقابة المحامين: مشهد إقصائي يطيح بالميثاقية

89

لم تكن انتخابات نقابة المحامين مجرّد استحقاق نقابي اعتيادي، بل تحوّلت إلى نقطة اشتباك سياسي وميثاقي عميقة، بعدما أفرزت مجلسًا نقابيًّا خاليًا تمامًا من أي تمثيل إسلامي، مع 11 عضوًا مسيحيًّا وعضو درزي واحد، في سابقة لم تشهدها النقابة منذ أكثر من عقد. 

هذا المشهد غير المسبوق أعاد طرح الأسئلة حول معنى الشراكة، وحدود الديمقراطية، ومدى احترام القوى السياسية لمبدأي المناصفة والميثاقية عندما تكون هي الطرف الأكثر استفادة من كسرها.

قراءة نتائج الانتخابات تكشف أن ما جرى كان عملية إقصاء واضحة، وليس مجرد خسارة انتخابية. فالاتّجاه التصويتي داخل الشارع المسيحيى كان شبه موحّد، ولم تُحترم التحالفات السياسية التي أُعلنت قبل الاقتراع، سواء من قِبل القواعد الحزبية أو من القوى التي دخلت هذه التفاهمات.

وتُظهر المعطيات، أن الشعارات التي رُفعت لم تكن موجّهة نحو بناء توازن نقابي، بل نحو تعزيز محور واحد، فحتّى القوى التي شاركت في لوائح تحالفية وجدت نفسها أمام قواعد تصوّت في اتّجاه مخالف لقراراتها، تحت تأثير خطاب تعبوي عالي النبرة.

المفارقات الرقمية تكشف حجم الاضطراب داخل المشهد: فوارق صوتية متناقضة، تحالفات غير قابلة للصرف، واندفاعات انتخابية قلبت الحسابات، فضلًا عن أن الأحزاب التي كان يُفترض أن تتعاون في اللوائح، وخصوصًا ضمن البيئات المسيحية، شهدت انزياحات واسعة، حيث تقدّم بعض مرشحيها على بعض في مكان، وتراجعوا بشكل كبير في مكان آخر، في مؤشر إلى أن المزاج الانتخابي انجرّ باتّجاه التجييش الطائفي أكثر من الالتزام السياسي.

ورغم غياب التمثيل الإسلامي داخل مجلس النقابة بشكل كلي، كان حضور قضية الجنوب في خطاب عدد من المرشحين أحد المستويات البارزة في المعركة. فقد نجح خطاب يتناول الاعتداءات "الإسرائيلية" وأوضاع الجنوب في استقطاب جزء مهم من المحامين الشيعة، خصوصًا في انتخاب مركز نائب النقيب، حيث حقّق أحد المرشحين قفزة غير مألوفة تجاوزت الألف صوت مقارنة ببقية أعضاء لائحته.

وهذا يدلّ على أن المزاج الشيعي كان حاضرًا وفعّالًا، لكنّه لم يكن قادرًا على صنع اختراق كامل بسبب المعادلات العددية داخل النقابة، وغياب تحالفات حقيقية تترجم هذا الوزن.

إحدى أبرز الإشكاليات التي فجّرتها الانتخابات هي المفارقة بين الخطاب والممارسة لدى بعض القوى. ففي حين تتمسّك هذه القوى بالمناصفة والتوازن الطائفي في كلّ مؤسسات الدولة، وصولًا إلى تعطيل التعيينات على مستوى وظائف بسيطة، فإنها لا تجد حرجًا في التخلي عن هذه المبادئ عندما تكون الأكثرية في صالحها داخل النقابات.

النتيجة التي أفرزتها الانتخابات تشكّل خرقًا واضحًا للميثاقية التي تبنّاها كبار نقباء المحامين سابقًا، والتي كانت تُراعي التمثيلات كافة داخل المجلس النقابي.

وتتّجه المخاوف اليوم إلى إمكانية انعكاس هذا السلوك على نقابات أخرى، مثل الأطباء والمهندسين والصيادلة وروابط الأساتذة. فالقوى التي شعرت بالإقصاء قد تعمد إلى خيارات تصعيدية، بينها: الدعوة لإنشاء نقابة محامين في الجنوب على غرار نقابة الشمال - الدفع نحو اعتماد النسبية داخل نقابة بيروت، بحيث يحصل كلّ مكوّن على حجم تمثيله الفعلي والتشدد في الالتزام بالمناصفة داخل النقابات الأخرى كردّ فعل على ما حصل.

الحلّ السياسي والميثاقي لا يحتاج إلى تنظيرات جديدة، بل إلى عودة إلى ما كان معتمدًا لعقود، أي إشراك جميع المكوّنات الروحية في مجلس النقابة بما يعكس هوية الوطن وتركيبته. كما أن استمرار الخطاب الوطني الذي لامس قضايا الجنوب يجب أن يتحوّل من خطاب انتخابي ظرفي إلى التزام فعلي وبرنامج عمل جدي بعد الانتخابات.

بناءً على ما تقدم، فإن أكثر ما يثير القلق هو فضلاً عن أن الطائفة الشيعية لم تحصل على أي تمثيل في النقابة منذ 14 عامًا، فإن المجلس الحالي أتى خاليًا من أي تمثيل للطوائف الإسلامية الكبرى في لبنان (السنة والشيعة)، وهو أمر يصفه كثيرون بأنه غير لائق بحق شريحة كبيرة من شركاء الوطن. ومع ما أفرزته الانتخابات الأخيرة، يبدو أن الأزمة لم تعد تقنية أو نقابية فقط، بل باتت أزمة ميثاقية وسياسية بامتياز، تهدّد صورة النقابة ودورها كمرآة للعدالة والتوازن الوطني.

الكلمات المفتاحية
مشاركة