عربي ودولي
أثارت "خطة السلام" التي أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا جدلًا، وأظهرت تباينات بين إعلان واشنطن عن قبول كييف بالخطة ونفي الأخيرة صحة ذلك وحديث الرئيس الأوكراني فولودمير زيلينسكي عن مواجهة بلاده "خيارًا بالغ الصعبوبة"، فيما أبدت روسيا استياءها لعدم استشارة الولايات المتحدة لها بشأن الخطة، في وقت كشفت فيه وكالة "رويترز" للأنباء عن تعرّض أوكرانيا لضغط أميركي للموافقة على الخطة في مهلة هي أقل من أسبوع.
وأكّد الرئيس الأوكراني؛ فولوديمير زيلينسكي، في كلمة له الجمعة 21/11/2025، أنّ بلاده "تمرُّ بواحدة من أصعب لحظات تاريخها، وتواجه خيار فقدان الشريك الرئيس أو كرامتها".
وأوضح أنّ "أوكرانيا تواجه خيارًا بالغ الصعوبة، إمّا القبول بـ28 نقطة صعبة أو مواجهة شتاء قاسٍ للغاية"، في إشارة إلى النقاط التي تضمّنتها "خطة السلام" الأميركية التي تقضي بتنازل كييف عن أراضٍ وتقليص حجم جيشها ومنع انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" ضمن بنود أخرى، وذلك ما يعتبر من مطالب روسيا.
وقال زيلينسكي: إنّه "لن يخون المصلحة الوطنية لأوكرانيا"، وإنّه "قدّم جوابه حين أقسم قبل سنوات أنْ يدافع عن سيادة البلاد وحقوق الأوكرانيين"، مضيفًا أنّه "لن يسمح لروسيا باتهام أوكرانيا بعرقلة عملية السلام"، ومتعهّدًا بـ"طرح بدائل من الخطة الأميركية".
وأتت تصريحات زيلينسكي عقب يوم من إعلان البيت الأبيض بأنّ "مسؤولين كبارًا في إدارة الرئيس ترامب عقدوا اجتماعًا مع مسؤولين أوكرانيين الأسبوع الماضي لبحث "خطة سلام" ينبغي أنْ تكون مقبولة لأوكرانيا ولروسيا".
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض؛ كارولاين ليفيت، للصحافيين في واشنطن، إنّ "وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو والمبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف شاركا في هذه الاجتماعات"، مضيفةً أنّ "الإدارة تجري "محادثات جيدة" مع طرفَي الصراع حول سبل إنهاء الحرب".
في غضون ذلك، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرَين مطّلعين قولهما، إنّ "أوكرانيا تواجه ضغوطًا من واشنطن للموافقة على إطار اتفاق لـ"السلام" مع روسيا أكبر ممّا واجهته في جهود التفاوض السابقة، وهي ضغوط تتضمّن تهديدات بوقف تزويدها بالمعلومات الاستخبارية والأسلحة".
وقال أحد المصدرين اللذين تحدّثا شرط عدم الكشف عن هويتيهما، إنّ "الولايات المتحدة تريد أنْ تُوقِّع أوكرانيا على إطار للاتفاق بحلول الخميس المقبل".
مسؤولون أميركيون: أوكرانيا قبلت غالبية البنود
وفي ظل اتهام واشنطن بأنّها وَضعتْ اتفاقًا لا يراعي مطالب أوكرانيا، دافع مسؤولون أميركيون عن الخطة، كاشفين عن أنّها "وُضعتْ بعد مشاورات مع الأمين العام لمجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني؛ رستم أوميروف".
وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى، أمس الخميس: "وُضعتْ هذه الخطة فورًا بعد مناقشات مع رستم أوميروف؛ أحد كبار أعضاء إدارة الرئيس زيلينسكي، والذي وافق على غالبية بنودها بعد إجراء تعديلات عدة عليها وعرضها على الرئيس زيلينسكي".
لكنّ أوميروف قال اليوم، في منشور على "تلغرام"، إّنه لم يوافق على الخطة، بل إنّه لم يناقش بنودها من الأساس، مشدّدًا على أنّ بلاده "لن تقبل اتفاقًا ينتهك سيادتها".
وقال: "خلال زيارتي للولايات المتحدة، كان دوري فنّيًا يقتصر على تنظيم الاجتماعات والتحضير للحوار. لم أُقدّم أيّ تقييم، ناهيك عن الموافقة على أيّ نقاط. هذا ليس من صلاحياتي ولا يتوافق مع الإجراءات".
في سياق متصل، نقل موقع "أكسيوس" الإخباري الأميركي عن مصدر مطّلع قوله، إنّ "زيلينسكي ناقش مع نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس "خطة السلام" الأميركية".
روسيا: الخطة قد تشكّل أساسًا لحل نهائي
وفي تعليق له، أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مساء الجمعة، أنّ "الخطة الأميركية بشأن التسوية الأوكرانية قد تشكّل أساسًا لحل نهائي"، مؤكّدًا أنّ "واشنطن طلب مرونة من الجانب الروسي ونحن مستعدون لذلك".
وقال بوتين، خلال اجتماع مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الروسي: "قد تشكّل خطة السلام الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب أساسًا لتسوية نهائية في أوكرانيا"، مشيرًا إلى أنّ "موسكو تسلمت نسخة من الخطة الأميركية عبر قنوات الاتصال الثنائية".
وأوضح أنّ "الولايات المتحدة لم تناقش خطة السلام مباشرة مع روسيا، نظرًا إلى معارضة كييف لها"، قائلًا: "هذا النص لم يناقش معنا بالتفصيل. ويمكنني تخمين السبب. أعتقد أنه واحد. لم تتمكّن الإدارة الأميركية حتى الآن من الحصول على موافقة الجانب الأوكراني. وأوكرانيا تعارض ذلك".
وأضاف بوتين: "أعتقد أنّ السبب واحد: يبدو أنّ أوكرانيا وحلفاءها الأوروبيين ما زالوا متوهمين بإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في ساحة المعركة".
وتابع الرئيس الروسي: "بعد محادثات ألاسكا، كان هناك توقف معين من الجانب الأميركي. ونعلم أن هذا يرجع إلى رفض أوكرانيا الفعلي لخطة السلام التي اقترحها الرئيس ترامب. أعتقد أن هذا هو بالضبط سبب إصدار النسخة الجديدة، وهي في الأساس خطة محدثة مكونة من 28 نقطة".
من ناحيتها، أعلنت روسيا، على لسان المتحدث باسم الكرملين،؛ ديمتري بيسكوف، عن أنّ "الولايات المتحدة لم تستشر الكرملين" بشأن الخطة.
وقال بيسكوف، في تصريحات اليوم، إنّ "روسيا لم تتسلّم المسودة رسميًا بعد"، مؤكّدًا أنّه "لم تتم مناقشة حقيقية بشأن هذه النقاط" مع موسكو، معتبرًا في الوقت نفسه أنّه "ينبغي لكييف اتخاذ قرار مسؤول" وأنْ "تفعل ذلك الآن".
بيد أنّه أشار إلى أنّ "روسيا ما زالت منفتحة على مزيد من المفاوضات، لكنّها رفضت التعليق علنًا على الاقتراح الأميركي كي لا تُعرِّض المحادثات للخطر".
في غضون ذلك، أفادت وكالة "رويترز" بأنّ "أوكرانيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا تعمل على اقتراح مضاد للخطة الأميركية للتسوية السلمية".
وأشارت الوكالة إلى أنّ "دولًا أوروبية أخرى ستشارك أيضًا في إعداد مشروع الاتفاق".
من جانبها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي؛ كايا كالاس، للصحافيين في بروكسل، إنّ "هذه لحظة خطرة للغاية بالنسبة إلى الجميع".
وأضافت كالاس: "نريد جميعًا أنْ تنتهي هذه الحرب، ولكن كيفية نهايتها مهمة. ليس لروسيا أيّ حق قانوني على الإطلاق في الحصول على أي تنازلات من البلد الذي "غزته"، وفي نهاية المطاف، فإنّ شروط أيّ اتفاق هي ما تقرّره أوكرانيا"، وفق تعبيرها.
وتقضي خطة ترامب، المكوّنة من 28 بندًا، لإنهاء الحرب في أوكرانيا بأنْ تتخلّى كييف عن أراضٍ لروسيا، وأنْ تعترف الولايات المتحدة "فعليًا" بشبه جزيرة القرم ومناطق أوكرانية أخرى سيطرت عليها موسكو باعتبارها أراضيَ روسية، إلى جانب قيود صارمة على حجم الجيش الأوكراني.
وتنطوي الخطة كذلك على منع أوكرانيا على الدوام من الانضمام إلى "الناتو"، مع فرض سقف على قوام قواتها المسلحة عند 600 ألف جندي، على أنْ يوافق الحلف على عدم نشر قوات هناك أبدًا.
وتشير الخطة إلى رفع العقوبات المفروضة على روسيا تدريجيًا ودعوة موسكو للعودة إلى مجموعة الدول الصناعية الـ8 الكبرى، وتجميع الأصول الروسية المجمدة في صندوق استثماري تحصل واشنطن على بعض الأرباح منه.
ومن مطالب أوكرانيا الرئيسة الحصول على ضمانات قابلة للتنفيذ تعادل بند الدفاع المشترك لحلف شمال الأطلسي لردع روسيا عن شن هجوم جديد، لكنّ الخطة لم تتناول هذا المطلب إلا في سطر واحد بالقول دون تفاصيل "ستحصل أوكرانيا على ضمانات أمنية قوية".