اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي هل ترتبط الاحتجاجات ضد "سلطة" دمشق بزيارة الوفد الأميركي لها؟

نقاط على الحروف

العربية والحدث: المشهد
نقاط على الحروف

العربية والحدث: المشهد "الإسرائيلي" الأكثر وضوحًا

244

كاتبة من لبنان

في زمان ليس ببعيد، كانت متابعة الإعلام العبري وما يصدر عنه من دعايات صهيونية وجميع صنوف البروباغندا "الإسرائيلية" يستوجب رصد القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية "الإسرائيلية" المعروفة، وكان يتوجَّب على المتابع إمّا إتقان اللغة العبرية بحيث يتمكّن من الرصد المباشر لما يُبثّ عبر إعلام العدو، أو الاعتماد على الترجمات التي قلّما كانت توجد على مدار الساعة وتكتفي بنقل الأخبار والمواد الإعلامية الأساسية.

في أيامنا هذه، لم يعد كلّ هذا الجهد ضروريًا، فقد وفّرت محطات عربية هذه الخدمة إذ جنّدت نفسها كأبواق للدعاية "الإسرائيلية" وتكرّست كإعلام عبري ناطق بالعربية. على رأس قائمة هذه القنوات، تأتي قناتا الحدث والعربية، وميزتهما أنّهما أحيانًا تتفوّقان على الإعلام "الإسرائيلي" نفسه في خدمة الدعاية الصهيونية، وفي صناعة البروباغندا الخادمة لما تريده "إسرائيل". 

تحت عنوان الإعلام، تنتهك كلّ من القناتين وبطريقة شائنة أبسط القواعد المهنية والأخلاقية، في سبيل الترويج لما يريده "العدوّ"، بالاعتماد على تقارير إخبارية توصل رسائله وتسوّق لما يريد بثّه من دون أدنى اعتبار وطنيّ أو أخلاقي ولو على سبيل حفظ ماء الوجه أمام جمهور عربي وازن لم يزل يحسب "إسرائيل" عدوًّا. تطول لائحة الأمثلة والشواهد على ما يتخطّى تورّط "العربية" و"الحدث" في جرم التماهي مع الصهاينة، ويصبح في كلّ فقرة إخبارية أكثر انغماسًا في المعسكر المعادي للإنسانية وقضايا الأمّة. ويمكن تفنيد هذه الارتكابات تحت عنوانين عريضين: الدعاية والتحريض. 

في الدعاية
تحرص قناة العربية ومعها قناة الحدث على بثّ كلّ ما يخدم الدعاية "الإسرائيلية" ويروّج لها، عبر نقل كلّ شاردة وواردة يبثّها "الإسرائيلي" وتقديمها كمسلّمات وحقائق، لا كمادة إعلامية وردت على لسان العدوّ. على سبيل المثال: "لا مفرّ من العمل بقوّة في لبنان"، هو عنوان تقرير أوردته قناة الحدث، قدّمت فيه أقوال وزير الحرب "الإسرائيلي" يسرائيل كاتس كمنطلقات بديهية تمنح "إسرائيل" حقّ العدوان على لبنان. أما "العربية" فقد خصّصت للاحتفاء بعيد الاستقلال في لبنان تقريرًا تحت عنوان "سيادة مكبّلة بسلاح غير شرعي"، مادة إعلامية مستخلصة بالكامل من مستنقع تشويه المفاهيم الذي يُعدّ سلاحًا فتاكًا في خضمّ الحرب الإعلامية ضدّ فكرة المقاومة، لا سلاحها فقط. ومعًا، نقلت القناتان عن مصدر مجهول قوله إن اجتياح لبنان برًّا لم يعد محل تساؤل "هل سيحصل"، وبات في مرتبة "متى سيحصل"، بمعنى أنّه حتميّ. وأغفلتا بالطبع حقيقة الخسائر التي تكبّدها واقعًا العدوّ الصهيوني في المعارك البريّة طوال ٦٦ يومًا من المحاولات التي شهدت عليها قرى الحافة المقاتلة. 

وفي إطار الدعاية أيضًا، وعلى مدار الساعة، تستضيف شاشتا القناتين المذكورتين متحدثين صهاينة من مختلف الرتب والصفات، لينقلوا مباشرة ما يريد كيانهم قوله، من دون واسطة محرّري غرف الأخبار؛ فتستضيف العربية ممثّلًا عن مكتب نتنياهو مثلًا لتبرير اغتيال السيد هيثم الطبطبائي، باعتباره "ليس رئيس منظمة إنسانية"، وبالتالي يُقدّم قتله وكأنه أمر طبيعي! 

ومع كلّ عدوان ترتكبه "إسرائيل" على الأراضي اللبنانية، تتسابق القناتان إلى الترويج لما يقوله العدوّ حياله، حرفيًّا: قصف بيوت المدنيين يصبح في لغتهما الإخبارية استهداف منشآت لحزب الله، واغتيال الشبان على الطرقات يصير مجرّد عمل روتيني تقوم به "إسرائيل" لحفظ أمنها!

تُنقل التهديدات "الإسرائيلية" عبر الشاشتين المنغمستين في مستنقع التصهين بشكل يجعلهما أداتين أساسيتين في الضخّ الإعلامي الهادف إلى التهويل والترهيب. تارة تحكي العربية عن حشد غير مسبوق لجيش العدوّ عند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة واستعدادات لاجتياح قريب، وطورًا تقوم الحدث برسم سيناريوهات جهنمية لما ستفعله "إسرائيل". وجميع ذلك يصبّ في خانة محاولة سلب إرادة القتال من نفوس أهل المقاومة.

في التحريض
على صعيد موازٍ، تجتهد قنوات التصهين ولا سيّما القناتان المذكورتان في التحريض على المقاومة، وتهدف بذلك إلى تقليب الداخل اللبناني ضدّها (أي ضد المقاومة)، والترويج الاستباقي للذرائع التي يروّج لها العدوّ لتوسيع وتكثيف عدوانه. 

وفي هذا السياق، أوردت قناة الحدث تقريرًا إخباريًا يتحدّث عن أن حزب الله قد نقل ثقله اللوجستي والعسكري إلى البقاع، وبالتالي تتعمّد الحدث تعبيد الطريق الصهيوني لتكثيف العدوان على البقاع، وتحاول في الوقت نفسه إثارة قلق سكان منطقة البقاع وتحريضهم بشكل مباشر ضدّ المقاومة. والمضحك في الأمر أنّ جهل معدّ التقرير بحقيقة أهل البقاع وروحهم الثورية الباذلة لم يسمح له بالخجل الذي ينبغي أن ينتاب أيّ عاقل وهو يحرّض أهل الأرض ضدّ مقاومتهم! ولأن أعلى أهداف "الإسرائيلي" اليوم هو الجمهورية الإسلامية في إيران، تتولّى العربية بشكل خاص التحريض ضدّ إيران، وترتكب فعلًا مسيئًا للعقل بالدرجة الأولى فتجتزئ وتحوّر كلام المتحدثين الإيرانيين بما يخدم المصلحة الصهيونية. مثلًا، يتحدّث السيد علي أكبر ولايتي، مستشار الإمام الخامنئي، في الشؤون الدولية، عن أنّ الاعتداءات الصهيونية تظهر أنّ وجود حزب الله بات أهم من الخبز اليومي، والمقصود واضح ومباشر، فتعنون العربية "إيران: حزب الله أهمّ من خبز لبنان". العنوان موجّه إلى فئات تمتعض لا من المقاومة وحسب، بل من كلّ من يدعمها ويساندها. وما تتوخاه العربية من تحوير على هذه الدرجة من السطحية والاستخفاف بالعقول، هو التحريض ضدّ إيران، عبر تظهيرها وكأنها قوّة لا تهتمّ بمعيشة اللبنانيين وبخبرهم، مع العلم أنّ الجمهورية وعلى مرأى العدوّ قبل الصديق، حرصت في كلّ مصيبة تلمّ باللبنانيين من مختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم على مدَ يد المساعدة والعون، من دون مِنّة، وشاحنات صهاريج المازوت تشهد! وهنا، لا تنسى قناة الحدث نقل حديث وزير الخارجية القوّاتي متوجَّهًا إلى نظيره الإيراني: "سيادتنا أهم من الخبز والماء". وتكفي لفظة السيادة على لسان القواتيّ رجي إلى إثارة موجة من الضحك! 

وفي سياق التحريض أيضًا، يبدو ألّا عمل للقناتين أهمّ وأجدى من محاولة سلخ الناس عن مقاومتهم، وفي سبيل إنجاز هذا الوهم، لا يكاد يمرّ يوم دون أن تبثّ العربية أو الحدث ما من شأنه ترهيب الناس، بالوحشية "الإسرائيلية"، وإقناعهم أن سبب العدوان هو وجود سلاح المقاومة! 

بكل الأحوال، لم يكن متوقّعًا في أيّ يوم من الأيام أن تصطف قناة كالعربية أو الحدث في معسكر الشرف المقاوم، فهما حتّى في أكثر القضايا وضوحًا كالإبادة التي يرتكبها الاحتلال في غزّة، اصطفتا في معسكر العدوّ من دون تمويه. ومن طبيعة دورهما كأدوات "إسرائيلية"، ناطقة بالعربية، أن تواصلا التمترس في معسكر العدوّ دون أيّ قناع أو ادّعاء للحياد. إلّا أنّ ثمة شيئًا غاب تمامًا عن ذهنيتهما الغارقة في التصهين: شيء يُدعى الشرف المهنيّ، فما يرتكبه هذا الإعلام ليس فقط خيانات وطنية وأخلاقية وإنسانية، بل خيانة لشرف مهنة وُجدت لتخدم قضايا أمّتها، وما خدمت إلّا العدا!

الكلمات المفتاحية
مشاركة