مقالات مختارة
اليوم الثاني للبابا في لبنان روحاني وشعبي بامتياز
الشيخ الخطيب للبابا: لسنا هواة حمل سلاح، ومؤمنون بالدولة، لكننا في غيابها اضطُررنا إلى الدفاع عن أنفسنا
رلى إبراهيم - صحيفة الأخبار
من عنايا إلى حريصا فساحة الشهداء، وصولًا إلى بكركي، غصّت الطرقات منذ ساعات الصباح الأولى باللبنانيين التّواقين إلى استقبال البابا لاوون الرابع عشر. وفي ما طغى البروتوكول الرسمي على نشاطات اليوم الأول، اتّخذ اليوم الثاني طابعًا روحيًا بامتياز.
ولعلّ الحدث الأبرز كان اللقاء المسكوني والحواري بين الأديان في ساحة الشهداء، الذي جمع الحبر الأعظم برؤساء الطوائف في لبنان، إذ تحوّلت الخيمة المُقامة خصيصًا لذلك إلى ساحة عابرة للطوائف جسّدت التنوّع اللبناني، بحضور منشدين من جوقات: "سيستاما بيروت ترنّم" ودار الأيتام الإسلامية ومؤسسة الإمام الصدر.
هناك، استمع البابا إلى كلمات رجال الدين الترحيبية والمؤيّدة لرسالة السلام التي يحملها، في ما استغلّ نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ علي الخطيب، المنبر لإيصال صوت الطائفة الشيعية. فقال: "لسنا هواة حمل سلاح، بل مؤمنون بضرورة قيام الدولة، لكننا في غيابها اضطُررنا إلى الدفاع عن أنفسنا في مقاومة الاحتلال الذي غزا أرضنا".
وفي ظلّ إسقاط الاحتلال "الإسرائيلي" في الجنوب من كلمات الرسميين وغيرهم، شدّد الخطيب على ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية "المهتزّة في هذا الوطن المُثقَل بالجراح بسبب العدوان "الإسرائيلي" المستمر"، طالبًا من البابا "وضع قضية لبنان بين يديه بما يملكه من إمكانات دولية، لعلّ العالم يساعد البلد على الخلاص من أزماته المتراكمة وفي طليعتها العدوان "الإسرائيلي" وما خلّفه ويُخلّفه من تبعات على الوطن".
أمّا مفتي الجمهورية، الشيخ عبد اللطيف دريان، فشدّد على العيش المشترك واحترام الحريات الدينية وحقوق الإنسان، مؤكدًا على "عدم التدخّل في الخصوصيات، فدستور لبنان يحمي حق الطوائف في ممارسة شرائعها الدينية". وقال شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز، سامي أبي المنى، إن "الحرب هزيمة للجميع والعنف لا يجلب السلام".
بدوره، ركّز البابا في كلمته على السلام والمحبّة والتسامح بين الأديان، مشيرًا إلى "أهمية الحوار في شرق أوسط تنظر إليه الإنسانية أحيانًا بقلقٍ وإحباط أمام صراعاتٍ مُعَقّدة ومُتَجذّرة عبر الزمن". وأكّد أن "شعب لبنان يبقى بدياناته المُختَلفة"، فـ"الخوف وانعدام الثقة والأحكام المُسبقة ليست لها الكلمة الأخيرة، في ما الوحدة والشراكة والمصالحة والسّلام أمرٌ مُمكن".
اليوم الثاني للبابا في لبنان لم يخلُ من الرسائل إلى الرهبانيات ورجال الدين، كما إلى الشباب. فخلال لقائه الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والعاملين في الرعويات في مزار سيدة لبنان في حريصا، حثّ الموجودين على التمسّك بفروض الصلاة والمحبّة والتواضع، وعلى ضرورة مرافقة الشباب ومنحهم حضورًا ومساحة في الحياة الكنسية.
غير أن الأبرز في حديثه كان تركيزه على دور الكنيسة ورسالتها في "دعم التعليم والالتفات إلى المحتاجين الذين لا مال لهم وهم في أوضاعٍ شديدة". ففي حين ترتفع الأقساط المدرسية في المدارس الكاثوليكية وغيرها بشكل جنوني، طلب البابا اعتماد "خيارات مهمّة تقوم على المحبّّة السخية لكي ترتبط دائمًا تنشئة الفكر بتربية القلب".
وذكّرهم بأن "المدرسة الأولى هي الصليب وأنّ معلّمنا الوحيد هو المسيح". أمّا الرسالة الثانية، فكانت للشباب الذين يوليهم الحبر الأعظم الاهتمام الأكبر على اعتبار أنهم يجسّدون المستقبل. ففي خطوة لافتة، اختار التخلّي عن الزجاج العازل حتّى يكون على تماس مباشر مع آلاف الشباب الذين احتشدوا لاستقباله أمام الصرح البطريركي، طالبًا إطالة وقت تجوّله بينهم وإلقاء التحية عليهم.
ثم ألقى كلمة تمحورت حول دور الشباب في بناء المستقبل وتغيير واقع البلد، مطمئنًا إياهم إلى أن "الحب قادر على معالجة جراح الجميع".
وقال: "مباركون من يحملون السلام ويصنعونه، فهؤلاء هم أبناء الله". كما أعرب عن ثقته بـ"ازدهار لبنان وشموخه مجدّدًا كالأرز"، داعيًا الشباب إلى "أن يكونوا مصدر الأمل الذي تنتظره هذه البلاد". وشدّد على أن "لا سلام من دون عدالة ولا عدالة من دون تسامح". من جهته، أشار البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى أن "شبابَنا يتطلّعون إلى بناء لبنان جديد يحتضن تعدّدَ انتماءاتِه الدينيّة والثقافيّة ويكون فيه التنوّع غنى لا انقسامًا".