خاص العهد
تشهد الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في العمليات الفدائية والاشتباك، في ظل استمرار الضغوط الأمنية "الإسرائيلية" من جهة، وازدياد حالة الاحتقان الشعبي الفلسطيني من جهة أخرى.
تأتي عملية الطعن قرب مستوطنة "عطيرت" شمال الضفّة، وما تلاها من ردود فعل "إسرائيلية"، لتؤكد أن المعادلات القائمة منذ سنوات بدأت تتعرض لاختبارات ميدانية متسارعة.
في هذا السياق، يقدّم خبير الشؤون "الإسرائيلية" إسماعيل مسلماني، في مقابلة مع موقع "العهد" الإخباري، قراءة موسّعة حول العملية وتداعياتها وسياقها الأوسع داخل الضفة.
يرجّح مسلماني أن العملية التي وقعت قرب مستوطنة "عطيرت" شمال الضفة الغربية ليست حدثًا معزولًا، بل تأتي في سياق طبيعي نتيجة الاقتحامات اليومية المتكرّرة، وخصوصًا في المناطق الشمالية من الضفة التي تشهد منذ أشهر تصعيدًا ملحوظًا، مثل طوباس وجنين ونابلس. فالمناطق التي تتعرض لضغط ميداني مستمر غالبًا ما تكون مرشحة لظهور ردود فعل فردية أو مجموعاتية، سواء على شكل عمليات طعن أو دهس أو اشتباكات مسلّحة.
وبحسب ما نقلته التقارير الأولية، فإن العملية نُفّذت على يد فتى فلسطيني قام بطعن جنديين "إسرائيليين"، ما أدى إلى إصابتهما بجروح طفيفة، قبل أن يُطلق الجيش "الإسرائيلي" النار عليه ويقتله في المكان. وعلى الفور، شرعت القوات "الإسرائيلية" بإغلاق الطرقات المحيطة بالمستوطنة، وفرض حصار على عدد من القرى المجاورة، إضافة إلى الدفع بتعزيزات عسكرية نحو المنطقة، وهو أسلوب ينسجم مع المقاربة الأمنية "الإسرائيلية" التي تُفضّل الرد السريع والميداني بهدف منع امتداد الحدث أو تكراره.
ويشير الخبير إلى أن هذا النوع من الإجراءات، وإن كان يبدو في الظاهر جزءًا من "سياسة أمنية احتوائية"، إلا أنه على الأرض يعمّق حالة التوّتر في شمال الضفّة، ويضاعف من الضغوط على القرى الفلسطينية التي تعاني أصلًا من قيود مشدّدة في الحركة، والاقتحامات الليلية، والاعتقالات المتكرّرة، ووجود حواجز متغيرة تُربك حياة السكان. وبالتالي فإن أي حادث لو كان فرديًا سرعان ما تتسع دائرة نتائجه لتطال مناطق أوسع.
ويرى الخبير أن العملية الأخيرة، إضافة إلى العملية الأخرى التي وقعت خلال الساعات نفسها في مدينة الخليل عبر دهس مجموعة من الجنود، تشكّل مؤشرًا واضحًا على ارتفاع مستوى الاحتقان الشعبي. فالضفّة الغربية، منذ اندلاع الحرب في غزّة وبعدها، تبدو كأنها تعيش على حافة انفجار. العمليات الفردية أصبحت، برأي الخبير، “وسيلة احتجاجية” لدى بعض الشبان الذين يشعرون بانسداد أفق الحل السياسي، وبأن الاحتلال والاستيطان يرسّخان السيطرة على الأرض ولا يتركان مجالًا لأي مسار تفاوضي أو تسوية.
وفي المقابل، تعتمد "إسرائيل" نهجًا أمنيًا صارمًا، يخلط بين الرد الفوري على أي حادث وبين استثمار الحوادث نفسها لزيادة القبضة العسكرية على المناطق الفلسطينية. فكلّ عملية، سواء كانت طعنًا أو دهسًا أو إطلاق نار، تتحول إلى مبرر لتوسيع الاعتقالات، أو تثبيت نقاط عسكرية إضافية، أو زيادة الضغط على القرى التي تُصنّفها "إسرائيل" "بيئات محتملة للعمليات". وهو ما يجعل الصراع في الضفّة يدخل في حلقة متصاعدة: ضغط يؤدي إلى ردود فعل فردية، وردود فعل تؤدي إلى مزيد من الإجراءات الأمنية، ما يخلق مناخًا قابلًا للانفجار في أي لحظة.
ويوضح الخبير أن الضفّة الغربية قد تكون مقبلة على مرحلة أكثر اشتعالًا، إذ إن تزامن عملية الخليل مع عملية "عطيرت" خلال ساعات قليلة يعكس مستوى الاحتقان المتراكم، ويكشف أن البيئة العامة باتت قابلة لانتشار موجات فردية من العمليات، ما يعيد إلى الأذهان ظروف ما قبل اندلاع الانتفاضات السابقة، حين كان الضغط اليومي يولّد انفجارًا يصعب احتواؤه بوسائل أمنية.
ويخلص الخبير إلى أن ما يجري اليوم في الضفّة لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي العام، ولا عن تأثير الحرب في غزّة، ولا عن سياسات الاحتلال التي تواصل، من وجهة نظره، تعزيز الاستيطان والاقتحامات وإغلاق المساحات السياسية أمام الفلسطينيين. وفي ظل هذه المعادلة، تظل احتمالات التصعيد قائمة، وقد تُفتح أبواب مرحلة جديدة من المواجهة إذا استمرت الظروف الميدانية والإنسانية على وتيرتها الحالية.