خاص العهد
في سابقة تمسّ جوهر دولة القانون، يظهر وزير العدل عادل نصار وكأنه فوق التشريعات التي أقسم على احترامها. فبدلًا من أن يكون الحارس الأول للشرعية، تحوّل إلى الجهة التي تتخطى حدودها الدستورية وتفرض التزامات لا أساس لها في أي نص، معلنًا عن تعاميم تستبدل دور السلطة التشريعية بإملاءات فردية، بحماية من رئيس لجنة العدل والإدارة النيابية جورج عدوان، في اعتداء واضح على الدستور وتجاوز فاضح للصلاحيات.
وعليه، تقدم عدد من المحامين بطعن أمام مجلس شورى الدولة لطلب وقف تنفيذ التعميمين 1355 و1438 الصادرين عن وزير العدل، عادل نصّار، والموجهين إلى كتّاب العدل، وذلك نظرًا للمخالفات التي وردت فيهما، إذ تبيّن أن التعميمين تخطّيا حدود الصلاحيات والإجراءات والأصول الدستورية التي يفترض أن تضبط عمل المؤسسات العامة في لبنان.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر قانونية مطلعة أن التعميمين فرضا موجبات جديدة، ما يطرح مسألتين فرعيتين:
أولًا: مدى صلاحية الوزير في فرض إلزامات جديدة على كتّاب العدل، ثانيًا: تأثير هذه الإلزامات على المحامين.
وأوضحت المصادر لموقع "العهد" الإخباري أن التعميمين ألزما كتّاب العدل القيام بمهام غير منصوص عليها في القانون، كالتثبّت من مصادر الأموال، والتدقيق في وجود السماسرة وأرقامهم الضريبية، وهي أمور لا يمكن فرضها عبر تعميم إداري. فالتعميم في القانون الإداري يهدف إلى إعادة التأكيد على نصوص قانونية أو شرحها، لا إلى فرض موجبات جديدة على المكلّفين.
نصّار، وتحت عنوان "تعميم"، تجاوز القانون، وتعدّى على صلاحيات السلطة التشريعية المخولة وحدها تعديل القوانين، على ما أوردت المصادر، إذ إن موجبات كتاب العدل محددة في القانون 337/94 الذي يحدّد مهامهم وواجباتهم. فالقانون يفرض عليهم توثيق العقود والتثبت من الهوية، لكن التعميم ألزمهم بالتحقق من مصادر الأموال والتدقيق في مدى انسجامها مع مهنة أصحابها، وكأن كاتب العدل تحول إلى قاضي تحقيق أو نيابة عامة مالية، وهو ما يشكل تعديلًا غير مشروع لموجباته القانونية، ولا يمكن أن يتم إلا بواسطة قانون صادر عن المجلس النيابي.
مجلس الوزراء يصدر المراسيم وليس وزير لوحده
وتبرز مخالفات أخرى، بحسب المصادر، منها أن أي مرسوم تنظيمي متعلق بتطبيق قانون كتّاب العدل يصدر عن مجلس الوزراء، لا عن وزير العدل وحده، وبعد استشارة مجلس كتّاب العدل. كما أن نظام مجلس شورى الدولة يفرض الحصول على استشارة مسبقة منه قبل إصدار أي نظام تنظيمي. وبالتالي، هناك ثلاث مخالفات واضحة: لم يصدر التعميمان عن مجلس الوزراء، لم تُستشر نقابة كتّاب العدل، ولم تُطلب الاستشارة المسبقة من مجلس شورى الدولة.
تضاف إلى ذلك مخالفة المادة 6 من قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، التي تمنح "هيئة التحقيق الخاصة" صلاحية النظر في مصادر الأموال. أما منح وزير العدل كتّاب العدل صلاحية التثبت من مصادر الأموال فيُعد تدخلًا في مهام الهيئة، وهو أمر لا يمكن فرضه بتعميم.
وتتعلق إحدى النقاط الأساسية الواردة في التعميمين بموضوع لوائح العقوبات، إذ إن التعميم الأول منع كتّاب العدل من توقيع أي مستند أو معاملة لأي شخص وارد اسمه على لوائح العقوبات المحلية أو الدولية. أما التعميم الثاني فحدد خمس معاملات واردة في المادة الخامسة من قانون مكافحة تبييض الأموال، ومنع كتّاب العدل من إجرائها لأي شخص مدرج على لوائح العقوبات. وهذا يشكّل إلزامًا جديدًا يحتاج إلى تعديل تشريعي.
مخالفات
كما أن وزير العدل التزم بعقوبات دولية من دون وجود نص قانوني يسمح بذلك، إذ إن لوائح العقوبات المحلية أو الدولية لا تصبح نافذة إلا بقانون.
وقد حاول الوزير الإيحاء بأن التوجه يقتصر على لوائح العقوبات المحلية ولوائح مجلس الأمن، إلا أن التعميم التوضيحي قد أشار إلى "إعلامات هيئة التحقيق الخاصة"، ما يفتح الباب أمام إدراج أسماء إضافية خارج أي نص محدد، خصوصًا أن الهيئة تلتزم عمليًا بعقوبات "OFAC" الأميركية.
كما أن إنشاء "لائحة عقوبات محلية" بقرار إداري يشبه إصدار "بلاغ بحث وتحرّ"، وهو أمر غير جائز قانونًا، إذ إن أي لائحة من هذا النوع تستوجب نصًا تشريعيًا صادرًا عن السلطة التشريعية.
وفقًا للمصادر، فقد قدم المحامون الطعن على أساس المساس بموقعهم المادي والقانوني والمعنوي وبامتيازاتهم.
ومن أبرز المخالفات، تعارض التعميمين مع المادة 5 من قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب لعام 2015، التي تمنح المحامين استثناءً واضحًا في كيفية تطبيق موجبات هذا القانون، وتُلزمهم بتطبيقها وفق آلية تحددها نقابة المحامين. كما أن التعميم تناول موضوع تأسيس الشركات، وهو عمل لا يتم قانونًا من دون محامٍ، وبالتالي فإن منع الأشخاص الواردين على لوائح العقوبات من تأسيس الشركات، من دون نص قانوني، يعطل دور المحامي.
تجاوز التشريعات النافذة
وتؤكد هذه الوقائع أن وزير العدل تجاوز التشريعات النافذة. ومن الدلائل على ذلك:
أولًا: إقرار الوزير نفسه بعدم قانونية التعميمين حين طلب في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 23 تشرين الأول تعديل أحكام قانون كتاب العدل، ما يشكل اعترافًا صريحًا بأن التعميمين لا يستندان إلى أي أساس قانوني.
ثانيًا: بيان رئيس لجنة الإدارة والعدل جورج عدوان الذي أقر بوجود إشكالات في التعميمين ولكنه حاول حماية الوزير، ووعد بإصدار تعميم جديد لتصحيحها، إلى حد المحاولة لمنع تقديم الطعون، وهو ما يعدّ تدخلًا في عمل القضاء وتجاوزًا لمبدأ فصل السلطات، إذ لا يحق لأي سلطة تشريعية أو لجنة نيابية منع أي متضرر من اللجوء إلى القضاء.