اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي شقيقة الأسير اللبناني حسين كركي لـ"العهد": على الدولة ألّا تتجاهل معاناة الأسرى

خاص العهد

المرأة الفاطمية.. وعيٌ يصنع الصمود ورسالة تحمي الأجيال
خاص العهد

المرأة الفاطمية.. وعيٌ يصنع الصمود ورسالة تحمي الأجيال

35

في زمن تتسارع فيه التحولات وتتداخل الأزمات الثقافية والسياسية والاجتماعية، تبرز الحاجة إلى استلهام نماذج قادرة على إعادة تثبيت الوعي. وفي قلب هذه الحاجة، يسطع نموذج السيدة الزهراء (ع) بوصفه حضورًا رساليًا فريدًا.

إنّ الحديث عن دور المرأة في صناعة الوعي والصمود لا يكتمل إلا باستحضار السيدة الزهراء (ع)، التي تحوّلت في لحظة تاريخية حرجة إلى صوت الحق ورسالة النور. ومن هذا النبع الروحي العميق، تستلهم المبلّغة الإسلامية والمتخصصة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الحاجة ملاك سبيتي، رؤيتها لدور المرأة، إذ تضعنا أمام قراءة للنموذج الفاطمي، الذي لم يكن حدثًا عابرًا في التاريخ، بل مشروع وعي متكامل أسّس لفهمٍ جديد لدور المرأة ورسالتها.

وفي ضوء هذا الفهم، تُطرح رؤية عميقة لموقع المرأة المقاومة اليوم وكيفية مشاركتها في صناعة الصمود، لا بوصفها تابعًا، بل شريكةً في إنتاج المعنى والموقف والوعي.

تقول الأستاذة في الإرشاد الديني الأسري الحاجة ملاك سبيتي، لموقع "العهد"، إن السيدة الزهراء (ع) تمثل نموذجًا سياسيًا ثقافيًا متقدمًا للمرأة في لحظة التحول التاريخي، لا بوصفها شخصية احتجاج عاطفي، بل بوصفها فاعلًا في حماية المعنى والرسالة بعد انكسار التوازن السياسي والأخلاقي في الأمة، فحضورها جاء في لحظة فراغ خطير، حيث أصبح السكوت إعادة إنتاج للانحراف، فمارست دور الشاهد والمُسمّي للانحراف لا المتكيّف معه.

وفقًا لسبيتي، هذا النموذج يقدّم للمرأة المعاصرة مرجعية في كيفية التعامل مع الاختلالات الكبرى: فهم بنية الأزمة، تشخيص مواضع الانحراف، وعدم الارتهان لمنطق الغلبة أو الأكثرية، فالزهراء (ع) لم تساوم على الحق بحجة المصلحة، ولم تؤجل الموقف بحجة الظرف، بل أسست لقاعدة مفادها أن الصمت في لحظات التحريف هو مشاركة فيه.

وتتابع: "في الواقع المعاصر، حيث تتعرض القيم للتفكيك والوعي للتضليل، تصبح شخصية الزهراء (ع) نموذجًا للمرأة التي تمارس دورها في الصراع على المعنى، لا على المكاسب. امرأة تدرك أن معركة الهوية لا تُحسم بالسلاح فقط، بل بالموقف الواعي والكلمة المؤسسة للوعي الجمعي، وتقوم بالتكليف دون تسرّع أو اشتراط برؤية نصر آني"، مردفة: "فهي المرأة الحاضرة في كافّة الميادين من بنت ارتقت لأم أبيها، الى زوجة تنجلي هموم زوجها إذا نظر إليها، وأم أشعلت جذوة الثورة لأجل الحق مهما كلّفت التضحيات في قلوب أطفالها، دون أن تقصّر بأدوارها الولائية والاجتماعية والتثقيفية والسياسية بل كانت أيقونة نضاليّة".

وتشدد، في هذا السياق، على أن دور المرأة في بناء الجيل يتجاوز الوظيفة التربوية التقليدية إلى دور استراتيجي في تشكيل الوعي الجمعي للمجتمع. فهي الرافعة الأولى لمنظومة القيم، ومن خلالها يتشكل تصوّر الجيل عن الكرامة، والانتماء، ومعنى المسؤولية في زمن الفوضى القيمية وتسييل المعايير.

ترى سبيتي أن أخطر ما تنقله المرأة للجيل ليس السلوك الظاهر، بل طريقة فهم الواقع: هل يُفهم بوصفه قَدَرًا أم مسؤولية؟ هل تُفسَّر الأحداث بمنطق الضحية أم بمنطق الفاعل التاريخي؟ من هنا، تتحول المرأة الواعية إلى عنصر تحصين ثقافي يمنع إنتاج أجيال ممزقة نفسيًا أو منزوعـة البوصلة. وحين تمتلك المرأة وعيًا رساليًا، فإنها تسهم في بناء جيل قادر على الصمود الفكري قبل الصمود الميداني، جيل لا يستهلك الخطاب، بل يفهمه، ولا ينجرّ خلف السرديات الجاهزة، بل يسائلها ويعيد تموضعه داخلها بوعي ومسؤولية.

صمود النساء الفاطميات في الحرب

تلفت سبيتي إلى أن التجربة الفاطمية أثبتت أن النساء في زمن الحرب لسن عنصرًا تابعًا، بل هن جزء من معادلة الصمود الشامل. صمودهن لم يكن مجرد تحمّل للألم، بل ممارسة واعية لدور حفظ التماسك الاجتماعي ومنع انهيار المعنى تحت ضغط الفقد والخسارة.

ومن أهم الدروس، بحسب سبيتي، أن الحرب الحقيقية لا تقتصر على الجبهة العسكرية، بل تمتد إلى الجبهة النفسية والثقافية. وقد أدّت النساء الفاطميات دورًا محوريًا في تاريخ المقاومة ولا تزال في حماية الذاكرة الجماعية، ومنع تشويه السردية، وتوعية الأبناء على فهم التضحيات ضمن سياقها الرسالي لا كأحداث عبثية أو خسارات مجانية، فالفارق عقائدي بين الخسارة والتضحية وبين الانتصار العسكري والنصر الإلهي عبر القيام بالتكليف.

وتؤكد المبلغة الإسلامية أن هذا الصمود النسوي الواعي منع الحرب من أن تنتج مجتمعًا مكسورًا من الداخل، وحوّل الألم إلى وعي، والخسارة إلى مفهوم التضحية وتحمّل المسؤولية. وهي معركة لا تقل أهمية عن أي مواجهة ميدانية، لأنها تحدد شكل المجتمع بعد انتهاء الحرب.

المرأة المقاومة تلعب دورًا فاعلًا في المجتمع

المرأة المقاومة اليوم ليست مطالبة بالاستنساخ أو الاستنزاف، بحسب سبيتي، بل بتحديد موقعها الوظيفي في معركة الوعي. فالدور الفاعل يبدأ من فهم المرحلة، وتشخيص أدوات الهيمنة الناعمة، والمساهمة في تفكيك خطاب التهويل والتطبيع واليأس. ويتجسد هذا الدور في تثبيت الوعي داخل الأسرة، وفي المجال التربوي والإعلامي والمجتمعي، بحيث تصبح المرأة عنصر توازن يمنع الانزلاق نحو التفكك أو العنف الداخلي. فهي قادرة على تحويل الحدث من صدمة إلى وعي، ومن خوف إلى موقف، ومن انفعال إلى مشروع صبر منظم.

وتختم: "بهذا المعنى، تتحول المرأة المقاومة إلى شريكة في صناعة المستقبل، لا مجرد مستجيبة للأحداث. دورها ليس ثانويًا ولا تجميليًا، بل تأسيسي في حماية المجتمع من الانهيار القيمي، وفي إعداد جيل قادر على حمل المعركة بأدوات الوعي كما بأدوات المواجهة".

الكلمات المفتاحية
مشاركة