خاص العهد
تلعب المرأة دورًا حاسمًا في تشكيل ملامح المجتمع وبناء أجياله، فهي المربية الأولى التي تُغرس في حضنها القيم، وتتشكل من خلال رؤيتها ووعيها شخصية الإنسان. ومن موقعها داخل الأسرة وخارجها، تحمل المرأة مسؤولية لا تقتصر على الرعاية والعطاء، بل تمتد إلى صناعة الوعي وحماية الهوية الثقافية والأخلاقية للمجتمع.
وفي مسيرتها هذه، تستمد النساء الكثير من الإلهام من شخصية السيدة فاطمة الزهراء (ع)، التي قدّمت نموذجًا راقيًا للمرأة الرسالية القادرة على الجمع بين دورها العائلي ومسؤوليتها الاجتماعية، وعلى تحويل حضورها إلى مصدر نور وتغيير ووعي.
وبهذا الصدد، تقول مديرة مركز سكن للإرشاد الأسري، الأستاذة أميرة برغل، إن شخصية السيدة فاطمة الزهراء (ع) تشكل مصدر إلهام كبير لكل امرأة في مواجهة التحديات المعاصرة، إذ إنها (ع)، تشكل في هذا الزمن، الغالب عليه التفاهة والابتذال، نموذجًا للمرأة القدوة لا الأداة، المرأة الحرّة المحافظة على الجوهر والكرامة والممتلئة بطاقة الخَلق والتربية والتغيير، فلقد كانت الزهراء(ع) النموذج الأكمل للهوية الإسلامية للمرأة الإنسان الأنثى التي جمعت بين البيت والرسالة، دون تضاد.
وتردف في حديثها لموقع "العهد": "لم تكتفِ سلام الله عليها بالعبادة في محرابها بل كانت الزوجة الصالحة والأم الحانية والمُثقفة الواعية والناشطة السياسية المدافعة عن الحق والرافضة للظلم، وفي خطبتها الفدكية، دافعت عن الحق السياسي والاجتماعي وعلّمت النساء كيف يكون الموقف، في زمن السكوت والهيمنة الإعلامية والثقافية، أشرف أشكال التعبير".
دور المرأة في بناء الجيل الجديد
تؤكد برغل أن المرأة هي المربية الأولى للإنسان، فمن حضنها، كما قال الإمام الخميني (قدس)، يعرج الرجال. وإن القيم التي يمكن للمرأة، خصوصًا الأم والمربية الفاطمية، نقلها للجيل الجديد، كثيرة، أهمها في زماننا: الإيمان بالله وتنمية الشعور بالانتماء للهوية الدينية الراسخة، والصدق في القول والفعل والأمانة في نقل الوقائع، والحياء والعفة المنطلقين من الإحساس بالعزة والكرامة، والرحمة والتسامح والعطف، خصوصًا تجاه الضعفاء والمحتاجين، وتحمّل المسؤولية وتقدير الجهد وحب خدمة الناس والمجتمع، والكرامة والحرية الواعية التي ترفض مخالفة القيم، وحبّ الوطن والثبات على مقاومة الظلم ورفض الذل.
صمود النساء الفاطميات
إن النساء الفاطميات، الملتزمات بخط الزهراء (ع)، يقدمن للمجتمع الإنساني نموذجًا متميزًا للصمود في زمن الحروب والشدائد، بحسب برغل، من خلال دروس الصبر والمسؤولية والوعي السياسي والصمود والدور المحوري للمرأة، في كيفية تحمّل المسؤوليات العائلية والاجتماعية، في غياب الرجال، من دون أن تنهار. بالإضافة إلى نقل القيم والبصيرة إلى الأبناء وصناعة الأبطال، كما فعلت الزهراء (ع) مع الحسنين(ع)، وتوعية الأمة ونقل الحقيقة ومقاومة الرواية المزورة، كما فعلت زينب ابنة الزهراء(عليهما السلام) في كربلاء، وتحمّل تبعات الحرب وتحويل الألم إلى وعي وإعادة فهم الواقع وبناء المستقبل بصبر وثبات وعدم انكسار، إلى جانب دعم الجبهات في الخطوط الخلفية بكل ما تتطلبه من حاجات تموينية وتغطية إعلامية وخدمات صحية وتمريضية.
العمل النسائي
في سياق آخر، ترى برغل أن للعمل الجماعي النسائي والمؤسساتي أثرًا كبيرًا في تنشئة جيلٍ واعٍ ومثقف، فالإنسان يتأثر بشكل كبير بالجماعة التي يعيش ويتفاعل معها، لذا يمكن للمؤسسات النسائية أن تلعب دورًا محوريًا في إعداد جيل واعٍ ومثقف عبر خطوات عملية متكاملة تشمل البناء: الفكري، والتربوي، والأخلاقي، والثقافي، كإعداد برامج تعليمية حول: الهوية، العقيدة، الأخلاق، المهارات الحياتية، الفتن المعاصرة، بلغة واقعية، بعيدًا عن التلقين الجامد، وتأهيل الكوادر النسائية الواعية المدربة على أساليب التربية السليمة والقادرة على احتواء الفئات الشبابية وتنظيم منتديات فكرية للفتيات، ودوائر نقاش تعالج قضايا الشباب بلغة منفتحة، مع تقديم أجوبة متزنة تجمع بين العقل والنصّ. إلى جانب تحويل القيم إلى تجارب حيّة عبر استخدام المسرح، القصص، الأفلام القصيرة، والأنشطة التفاعلية لزرع المفاهيم.، بالإضافة إلى ربط الفتيات بنماذج نسائية حقيقية من: الأمهات والمجاهدات والناشطات القدوة.
وتشير إلى أهمية التنسيق مع إدارات رسمية وخاصة لإطلاق مبادرات توعوية واجتماعية عبر المدارس والجامعات والكشاف والجمعيات الأهلية توفر فرص للفتيات لممارسة العمل التطوعي الإنساني والتدرب عليه، والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لتطوير محتوى رقمي جذّاب، يخاطب الجيل الجديد بلغته من دون التنازل عن القيم والمبادئ، عبر منصات تواصل توعوية، وفيديوهات قصيرة، وبودكاست، وتطبيقات تعليمية.
التجمع الفاطمي
لذا، تشدد برغل ختامًا على أن التجمع الفاطمي، بما له من رمزية عالية بانتسابه إلى المرأة الأكمل في عالم الوجود، وبما يتضمن من فعاليات ثقافية وتربوية وفنية ورقمية، يعدّ من أهم الأنشطة الملهمة القادرة على استنهاض الطاقات النسائية، في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة، متمنية التوفيق للمنظمات والقائمات على هذه الفعالية المباركة، موجهة كل التحية للمشاركات فيها.