مقالات
عميد متقاعد في الجيش اللبناني
مع اقتراب انتهاء المهلة التي وضعتها الحكومة اللبنانية للجيش اللبناني، لرفع تقريره المتعلّق ببند حصرية السلاح جنوب الليطاني، ومع انتظار الجميع كيف يمكن أن يكون شكل هذا التقرير وتفاصيله والخطوات التنفيذية له على الأرض، تتابع وحدات العدوّ "الإسرائيلي" اعتداءاتها واغتيالاتها بوتيرة وبوحشية لا تختلف بتاتًا عن تلك التي طبعت اعتداءاتها قبل وقف إطلاق النار الأخير منذ عام وشهر تقريبًا، وحيث لا يبدو أن هناك أفقًا لإنهاء هذه الاعتداءات، مع ميل "إسرائيلي" أوسع -يروج له نتنياهو بوقاحة- لمتابعة العدوان ورفع مستواه إلى حرب أوسع، يبدو أن الجيش اللبناني، وبتعاون واضح وكامل مع المقاومة، يقترب من إكمال تقريره حول تنفيذ مهمّة حصرية السلاح -فعليًا- جنوب الليطاني.
فكيف يمكن مقاربة هذا التعارض بين المسار العملاني المتقدم لتنفيذ الجيش اللبناني مهمته بحصرية السلاح، وبين المسار العدواني "الإسرائيلي" الطامح لإكمال عملية نزع سلاح حزب الله في كامل الأراضي اللبنانية؟
من ناحية سياسية، يمكن القول إن أهداف العدوّ "الإسرائيلي" هي أبعد من نزع سلاح حزب الله، لتصل إلى فرض تطبيع كامل مع لبنان، يحاول العدو اليوم وعبر الفقرة السياسية - الاقتصادية التي استطاع فرضها على عمل لجنة "الميكانيزم"، إيجاد هيكلية معينة لسلوك هذا التطبيع، مستعينًا بأوراق الضغط التي يلعبها بقوة وبدعم أميركي فاعل: ربط إعادة الاعمار باتفاق سياسي، ومتابعة الاعتداءات مع فصلها عن عمل "الميكانيزم" وحصرها فقط بمستقبل سلاح حزب الله وبنيته العسكرية.
من ناحية عسكرية وميدانية، ومع اكتمال حصر السلاح جنوب الليطاني بالجيش اللبناني وبالأجهزة الرسمية - الأمنية الأخرى، هناك عدة نقاط يجب الإضاءة عليها وهي:
أولًا: تعتبر منطقة جنوب الليطاني بقعة التأثير الأكبر على العدوّ "الإسرائيلي"، دفاعًا أو هجومًا، وذلك للأسباب التالية:
- جغرافيًا، هي الأقرب مع ارتباط ميداني مباشر، الأمر الذي يشكّل فرصة عملياتية مناسبة للتدخل ضدّ العدو، بريًا أو عبر إطلاقات صاروخية ومسيرة مباشرة.
- عمليًا، تركزت البنية العسكرية الأساسية لحزب الله في منطقة جنوب الليطاني، الأمر غير المتوفر شمال الليطاني وخاصة حتّى مدينة بيروت، وذلك بسبب عدم وجود جدوى عسكرية كاملة منها بنفس مستوى البنية العسكرية الموجودة جنوب الليطاني، أو بسبب عدم توفر إمكانية العمل لتحضيرها بسرّية وبسهولة كما توفر ويتوفر ذلك للعمل جنوب الليطاني.
أمام هذه المعطيات، حيث تفرض نفسها وبقوة، الأهمية الأكبر والقدرة الأكثر تأثيرًا لسلاح المقاومة جنوب الليطاني مقارنة مع شماله، يمكن القول إن حصرية السلاح جنوب الليطاني تعتبر - عمليًا - مرحلة أساسية وكافية لتطبيق قرار الحكومة حول حصرية السلاح بشكل عام، ويمكن القول فعلًا حينها إن المقاومة قدمت كلّ التسهيلات الأساسية للجيش اللبناني تطبيقًا لقرار حصرية السلاح؛ خاصة أن هناك نقطة مفصلية ومهمة تفرض نفسها دائمًا وبشكل طبيعي وهي:
بوجود الاحتلال ومع استمرار الاعتداءات "الإسرائيلية"، وحتّى لو تم نزع سلاح المقاومة من كامل الأراضي اللبنانية، وحتّى لو استطاعت "إسرائيل" فرض منطقة أمنية عازلة وواسعة وخالية من أي سلاح نوعي، حتّى مع الجيش اللبناني، ستبقى المعادلة الطبيعية لمقاومة الاحتلال موجودة وبقوة لأنها عقيدة وروح وقرار والتزام، وستبقى موجودة، وبقوة، إمكانية الحصول على أسلحة نوعية ومؤثرة على العدو، تمامًا كما تم الحصول عليها قبل التحرير عام ٢٠٠٠ وبعده وصولًا إلى كلّ الحروب والمواجهات مع العدوّ "الإسرائيلي".