لبنان
في أعقاب إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وُلدت ما تُعرف بـ "لجنة الميكانيزم" كآلية تنسيق تقنية تهدف إلى خفض التصعيد ومتابعة الترتيبات الأمنية على الحدود الجنوبية للبنان. إلا أن الأداء الميداني لهذه اللجنة سرعان ما كشف عن "فجوة مشروعية" عميقة، حيث تحوّل دورها تدريجيًا من التنسيق إلى التدخل الضاغط، وبروز ممارسات تمس بجوهر السيادة وحرمة الدستور، ما طرح تساؤلات ملحّة حول مخاطر هذا الدور المخترع، ومسؤولية المؤسسات اللبنانية في مواجهة تجاوزات تتخطى حدود الرصد التقني لتصل إلى حد الإملاءات الأمنية والقضائية. ومن هنا، تواصل موقع العهد الإخباري مع الباحثة في مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير سهام محمد، للاطلاع على تفاصيل ورقة قانونية أعدّها المركز تحت عنوان "لجنة الميكانيزم: فجوة المشروعية والدور المخترع".
في البداية، شرحت الباحثة سهام محمد أنّ "لجنة الميكانيزم أُنشئت بعد إعلان وقف إطلاق النار، واعتُبر من الناحية النظرية أنّ اللجنة قادرة على المساعدة في خفض التصعيد، وأنّ دورها يمكن أن يتمثّل في متابعة الترتيبات التي خرج بها اتفاق وقف إطلاق النار، ولا سيما ما يتعلّق بالأمن على الحدود بين لبنان وشمال فلسطين المحتلة، وانسحاب الجيش "الإسرائيلي"".
وأوضحت أنّ "اللجنة، وفقًا للمعطيات، تؤدي دورًا تقنيًا فقط، كونها آلية تنسيق غير مُلزِمة. ومن حقّ لبنان، في حال حصول أي إشكال، أن يمنع اللجنة من الاجتماع إذا شعر بأنّ عملها لا يتطابق مع سيادته".
وذكرت سهام محمد لموقع "العهد"، أنّ "ما بدأنا نراه مع الانتهاكات "الإسرائيلية" والتمدد في النقاط المحتلة يتنافى مع الاتفاق، وأصبح للجنة تلقائيًا دور وظيفي سياسي، كأنّ مهمتها تأمين التحرك "الإسرائيلي" بشكل غير مباشر، ما يعني أنّها تتخطّى دورها التقني".
وقالت: "أفضل توصيف قانوني يمكن وضعه للجنة هو أنّها إطار تنسيقي غير مُلزِم، لا تتمتع بشخصية معنوية عامة، ولا يمكنها اتخاذ قرارات بمعزل عن إرادة لبنان أو حتى الدول الراعية للاتفاق"، مؤكدة أنّ اللجنة "لا تمتلك أي سلطة تقريرية تنفيذية، بل هي مجرّد آلية تنسيق".
وذكرت الباحثة في القانون الدولي أنّ "على مستوى التجاوزات، هناك انتهاكًا لمبدأ أساس يرتبط بالدستور اللبناني والقوانين اللبنانية، وحتى بالقضاء اللبناني، كالتعدّي على حرمة المسكن"، مشيرة إلى أنّ "اللجنة تضغط على قيادة الجيش عبر إرسال معلومات من الطرف "الإسرائيلي" أو أطراف أخرى في اللجنة بشأن وجود أسلحة، بهدف دفع الجيش إلى نزعها، كما ترسل من يراقب من قبلها".
ولفتت إلى أنّ "اللجنة تضع نفسها في موضع يحول دون الوثوق بها؛ إذ تنحاز إلى الجانب "الإسرائيلي"، ولم يعد دورها تقنيًا، بل تحوّل إلى خدمة واضحة للكيان الصهيوني".
وعن الإجراءات القانونية التي يمكن أن يتّخذها لبنان تجاه لجنة الميكانيزم، أشارت الباحثة سهام محمد لموقع العهد الإخباري إلى أنّ الورقة القانونية التي أعدّتها "وضعت آليات قانونية يمكن للبنان استخدامها؛ إذ لا يكفي الاكتفاء بالقول، إنّه لا يمكن الوثوق باللجنة، أو أنّها تنتهك الاتفاق وتتخطّى دورها وتتدخّل في الشأن السيادي اللبناني".
وأضافت الباحثة في القانون الدولي: "يجب حصر أي إجراء أمني أو عملية تفتيش بإذن قضائي لبناني".
ومن الآليات القانونية التي يمكن للبنان اعتمادها في مواجهة لجنة الميكانيزم، أوضحت سهام محمد لموقع العهد الإخباري أنّه "يجب عدم السماح للجنة بالتدخّل في عمليات التفتيش أو في محاضر الجيش".
وأكّدت على "ضرورة توثيق الانتهاكات "الإسرائيلية" للسيادة اللبنانية، بحيث تتولّى جهة رسمية لبنانية هذا التوثيق وتقديمه إلى الجهات الدولية"، مشدّدة على "تعزيز الخطاب القانوني السيادي في مواجهة محاولات التسييس التي تسعى لجنة الميكانيزم إلى فرضها".
وفي الختام، أوضحت الباحثة في القانون الدولي سهام محمد أنّ "إشكالية لجنة الميكانيزم تكمن في انزلاقها من التنسيق التقني إلى التدخّل في الشأن السيادي، ويبدو أنّ عمل اللجنة تجاوز دورها المنصوص عليه"، لافتةً إلى أنّ "اللجنة تفتح الباب أمام تآكل تدريجي للسيادة اللبنانية تحت غطاء قانوني، في حين أنّها تفتقر إلى المشروعية في عملها وتدخلها والحياد".