الانتخابات البلدية والاختيارية 2025

آراء وتحليلات

وصفة الخراب الأمريكية للبنان 
02/05/2025

وصفة الخراب الأمريكية للبنان 

عندما وصَّفت المقاومة الدور الأمريكي في الصراع الوجودي مع الصهاينة بأنه دور قيادي وليس دور وساطة، وأن العدوان أمريكي بالأساس، فهي كانت تفطن إلى حقيقة الدور الأمريكي، والذي لا يعبأ بخراب لبنان وجره مجددًا إلى حروب أهلية لتحقيق المصالح الأمريكية الجيوسياسية، وإن اتخذت واجهة إسرائيلية يمارس الكيان من خلالها دوره ككيان وظيفي ورأس حربة للاستعمار والهيمنة الأمريكية.

وقد اتخذت الممارسات الأمريكية في المنطقة منحى جديدًا من الناحية الشكلية مع تولي ترامب سدة الحكم في واشنطن، رغم أنه استمرار لمنحاها التقليدي من حيث المضمون والجوهر، وهذا المنحى يتمثل في خلع القناع والكشف عن الخطط والمؤامرات بصراحة ووقاحة تتناقض مع السياسة والقانون الدوليين.

وفي لبنان، تتجلى الوقاحة الأمريكية في أوضح صورها مع لقاءات المبعوثة الأمريكية لإدارة ترامب، مورغان أورتاغوس، مع المسؤولين اللبنانيين وهي ترتدي قلادة عليها "نجمة داود" الصهيونية، ومع تصريحاتها العلنية والمستمرة حول نزع سلاح المقاومة، رغم معرفتها العميقة بحساسية هذا الملف وخطورته، وبأن مجرد مناقشته من غير المسموح أن يتدخل بها أي طرف خارجي، وأنها حكر على الحوار الداخلي وفي إطار ظروف وتدابير خاصة تتعلق بالتفاهم على إستراتيجية دفاعية، ولا سيما مع إعلان الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عن خطورة هذا الملف وأن سلاح المقاومة خط أحمر.

وفي واقع الأمر، تشكل تصريحات أورتاغوس واجهة لتوصيات الصهاينة في أميركا، وعلى رأسهم تحالف "فاندنبرغ"، الذي أصدر توصيات لإدارة ترامب، تثبت الممارسات الأمريكية أن الإدارة ملتزمة بها وتنفذها بشكل حرفي.

ويضاف إلى ذلك ما يوصي به ديفيد شينكر، أحد أبرز الصهاينة الأمريكيين والذي يكرس سياساته كدبلوماسي، وقلمه ككاتب وخبير إستراتيجي، للتحريص على المقاومة ولا سيما حزب الله.

وهنا لا بد من إلقاء الضوء على تحالف "فاندنبرغ"، وتوصياته التي تحمل وصفة الخراب للبنان وكذلك رؤية ديفيد شينكر التي تتضافر مع هذه التوصيات، مع رصد الشواهد العملية التي تؤيد تنفيذ هذه المخططات على الأرض، ومنها استمرار العدوان الصهيوني على لبنان، وأخطره المتمثل في عدوان الضاحية الأخير:

تحالف "فاندنبرغ":

هذا التحالف هو عبارة عن مجموعة أسسها ويرأسها إليوت أبرامز، بعد وقت قصير من تولي إدارة بايدن، إلا أن التحالف لا يضم شخصيات من الحزب الديمقراطي، وإنما يضم ٧٥ شخصية بين مسؤولين سابقين وخبراء، إمّا منتمين إلى الحزب الجمهوري أو غير منتمين لأي حزب، وأبرامز هو شخصية معروفة من معسكر المحافظين الجدد، ومن ضمن أعضاء التحالف  شخصيات من مراكز دراسات مقربة من حزب الليكود الإسرائيلي مثل "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، ومراكز دراسات أخرى تتلقى التمويل من شركات السلاح. 

وأصدر التحالف سلسلة شاملة من التوصيات لترامب، صدرت في 16 صفحة بعنوان "صفقات القرن: حلّ الشرق الأوسط"، وهذه التوصيات تدعو إدارة ترامب إلى الاستفادة من كل عناصر القوة الأميركية من أجل منع إيران التي تعد "التهديد الأكبر للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط والسبب وراء أغلب المشاكل الأمنية في المنطقة"، (بحسب تعبير التقرير)، من امتلاك قنبلة نووية. 

ويقول التقرير إن "إسرائيل" حليفتنا الأساسية في المنطقة، ويجب أن تزودها واشنطن بكل الأسلحة التي تحتاجها من أجل مساعدتها على الانتصار في الحرب ومنع التصعيد على نطاق أوسع"، وتدعو التوصيات واشنطن إلى الإبقاء على وجودها العسكري في كل من العراق وسورية، وتعليق كل المساعدات للجيش اللبناني "حتى يثبت استعداده للوقوف بوجه حزب الله". 

وفي ما يخص لبنان تحديدًا، ينبغي ذكر نص التقرير الأصلي بسبب خطورته، ولأن هناك شواهد تقول، إنه يطبق بالفعل، وإن المبعوثة الأمريكية "أورتاغوس" تكاد تنفذ ما فيه من إملاءات، إذ يقول تقرير فاندنبرغ التحريضي نصًا: "الحزب المدعوم من إيران راسخ في جوانب حاسمة من المجتمع والحكومة اللبنانية، ويستخدم هذه القوّة في جهوده لزعزعة استقرار "إسرائيل" وفرض النفوذ الإيراني في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. وعلى السياسة الأميركية أن تتعامل مع لبنان باعتباره دولة أسيرة لإيران ما لم تضعف قبضة الحزب.. إنّ انتخاب رئيس جديد، منعه الحزب لمدّة عامين، يشير إلى وجود أمل أن تؤكّد الدولة اللبنانية نفسها وتستعيد سيادتها من الحزب وإيران. ولكنّ هذا الأمل لن يصبح حقيقة إلا إذا حافظت الولايات المتحدة على سياسة صارمة وحازمة ضدّ نفوذ الحزب وإيران".

ويوصي التقرير بأن "تراجع أميركا متطلّبات تمويل القوات المسلّحة اللبنانية، وأن تفرض متطلّبات أكثر صرامة تقضي بالاستقلال التامّ عن الحزب. وحتّى يتمّ اعتبارها مستقلّة تماماً عن سيطرة الحزب ونفوذه، يجب على الولايات المتحدة أن تعلّق كلّ التمويل للقوّات المسلّحة اللبنانية، على أمل أن يؤدّي إضعاف إسرائيل للحزب إلى تشجيع القوّات المسلّحة اللبنانية على تأكيد استقلالها في وقت قريب جداً".

وهنا لا بد من الالتفات إلى تنسيق الخطط بين أميركا و"إسرائيل"، حيث يمكن رصد الانتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار، والعدوان على الضاحية للمرة الثالثة، في إطار هذا الضغط ومحاولات استدراج الحزب لخيارات صعبة، إما بالرد وبالتالي الوقيعة مع الدولة والجيش، وإما بالصمت وبالتالي تسييد صورة مغلوطة عن أن الصبر الإستراتيجي هو ضعف، وبالتالي تشجيع الدولة على نزع السلاح وتزيين الفتنة لها.

وصفة ديفيد شينكر للخراب

ديفيد شينكر، شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى في عام 2019، في إدارة ترامب الأولى، والتقى وقتها مع المسؤولين اللبنانيين في جولة تحريضية على سلاح المقاومة، أي مارس دور المبعوثة أورتاغوس نفسه حاليًا، وشينكر شغل منصب كبير مستشاري وكيل وزارة الدفاع للسياسة الخاصة بالشؤون السورية والأردنية واللبنانية والإسرائيلية والفلسطينية، واللافت أنه في سنة 2010، اقترح شينكر أن تراجع أميركا تقييم المساعدات العسكرية المقدّمة للبنان، وذلك بسبب حزب الله.

ومؤخرًا نشر شينكر مقالًا في معهد واشنطن بعنوان "ليس هناك وقت أفضل لنزع سلاح حزب الله"، يحرض به على نزع سلاح المقاومة انطلاقًا من قراءة له بأن حزب الله وإيران في "أضعف حالاتهما"، ويوصي بمقاله بالإقدام على هذه الخطوة أيًا كانت التداعيات، حيث يقول نصًا: "ومما لا شك فيه أن "حزب الله" سيحاول التأجيل والتسويف في مسألة نزع سلاحه، على أمل الحفاظ على قدراته المتبقية. وإذا أصرت الحكومة على موقفها ووسعت نطاق جهودها ضد الحزب، فقد تندلع اشتباكات عنيفة. ومع ذلك، وعلى الرغم من المخاطر، فإن اللحظة الراهنة قد تكون الفرصة الأنسب لنزع سلاح "حزب الله" -سواء بموافقته أو دونها".

وهنا، لا بد من القول، إن الإشارات الصادرة من الدولة تبدو حريصة على تجنب هذه الفتنة، ولكنها تعكس أيضاً حجم الضغوط الأمريكية والصهيونية، وأن هناك في الكواليس والعلن دفعًا نحو هذه الفتنة، وعلى الدولة هنا تقع مسؤولية مواجهة أميركا ولو بإقناعها بأن المقاومة جادة في خطوطها الحمراء، وأنه يتعين تجنب الخلط بين الصبر الإستراتيجي والضعف، وأن الاستقرار ليس له إلا طريق واحد وهو الانسحاب الإسرائيلي وترك لبنان لأهله وقواه السياسية للاتفاق ومناقشة مستقبل لبنان وإستراتيجيته الدفاعية بعيدًا عن وصفة الخراب الأمريكية والممارسات الصهيونية التكميلية للمؤامرة.

لبنانالولايات المتحدة الأميركية

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة