اهلا وسهلا...
موقع العهد الاخباري

كانت البداية في 18 حزيران/ يونيو 1984 في جريدة اسبوعية باسم العهد، ومن ثم في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 أطلقت النسخة الاولى من جريدة العهد على الانترنت إلى ان أصبحت اليوم موقعاً إخبارياً يومياً سياسياً شاملاً

للتواصل: [email protected]
00961555712

المقال التالي "عربات جدعون" تغرق في غزة.. حين تتحوّل آلة الحرب إلى أداة استنزاف ذاتي

مقالات

كيف تفاعل الشعب المصري مع صواريخ
مقالات

كيف تفاعل الشعب المصري مع صواريخ "الوعد الصادق 3"؟

العلاقات المصرية الإيرانية .. كيف كسرت الحرب التابوهات الشعبية والرسمية
127

شكلت الحرب الأخيرة بين إيران والعدو "الإسرائيلي" محطة كاشفة لوجدان الشعوب العربية، وخاصة الشعب المصري الذي دعم إيران بشكل لا لبس فيه، وهلل لكل صاروخ إيراني يسقط في فلسطين المحتلة، ليذيق العدو من كأس المرارة نفسها التي يتجرعها العرب عند رؤية الدمار والقتل في غزة، ليشكل ذلك كشفًا للمكنون الوجداني المعادي للكيان والمناصر لكل من يحاربه، وكذلك كشفًا لتجذُّر القضية الفلسطينية في وجدان الشعوب.

وللدقة العلمية، فإن الشعوب ليست كتلة صماء، وإنما هي قطاعات متمايزة ثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وهو ما ينتج تمايزات وجدانية وانحيازات متباينة، والفارق بين الأحكام الانطباعية والأحكام التي تراعي الأغلبية لتطلق حكمًا يتسم بالعمومية، يكمن في التدقيق في هذه التمايزات وتشريحها.

وفي قضية معقدة ومتشابكة الأبعاد مثل قضية العلاقات المصرية الإيرانية، فإن الوصول لتقييم دقيق، يتطلب وضع عدة عوامل تحليلية تشمل أبعادًا تاريخية ودينية، وأبعادًا تراعي خصوصية الشعب المصري وسيكولوجيته.

وهنا يمكن استعراض موجز لهذه الأبعاد؛ من أجل فهم تطور انحياز الشعب المصري للمقاومة ولإيران، وهذا المستجد الإيجابي في المنطقة، والذي يشي بتطور استيعاب المخاطر الإقليمية والتهديد الوجودي لدول المنطقة، ويشي بفهم متأخر لخطاب المقاومة التي طالما حذرت وطالما مدت يدها للتعاون، وطالما خاطبت الشعوب وحرصت على توعيتهم، ولكن أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا.

أولًا: في سيكولوجية الشعب المصري

لا شك أن هناك اتفاقًا عامًّا على أن الشعب المصري من الشعوب المسالمة والمضيافة والمتسامحة في الأغلب الأعم من قطاعاتها باستثناء قطاعات مرتزقة ومأجورة، سواء سياسيًا لمنظمات تمويل خارجية أميركية وخليجية، وبعض قطاعات طائفية ارتهنت لخطاب تكفيري بعد فتح الباب على مصراعيه من قبل نظام السادات للانقلاب على الإرث الناصري ومقارعة الحركات السياسية اليسارية والناصرية التي تتشبث بالمقاومة وتعارض خيار "السلام" المزعوم.

ومن هنا، فإن معظم قطاعات الشعب المصري لا تعادي المقاومة وإيران، إذ إن التدين المصري بعمومه تدين سمِح، ولا يشكل الانتماء لمذهب آل البيت له عاملاً منفرًا، بل على العكس فهو عامل تقريب على خلفية شغف وعشق المصريين لآل البيت، وتشابه وجدانهم وعاداتهم مع المنتمين لهذا المذهب.

وإنما تأثر المصريون بحجم الدعايات التي شوّهت المقاومة والجمهورية الإسلامية، كما تأثرت قطاعات واسعة بالإعلام الحكومي الرسمي منذ عهد السادات، مرورًا بعهد مبارك، وشكلت القطيعة الدبلوماسية الطويلة حاجزًا كبيرًا، وتزايد التباعد مع سيل الدعايات التكفيرية ونجاحها في اختراق الثقافة المصرية لقطاعات لا يستهان بها.

ولكن أبرز الدعايات التي تأثر بها المصريون، لم تكن دعايات طائفية، وإنما دعايات تتعلق بمصداقية نظام الجمهورية الإسلامية في العداء للصهاينة وأميركا، وأن هذا الصراع هو "مسرحية" وأن إيران تحاول اختراق الشعوب ومد نفوذها وأنها داعمة لتنظيمات "الإسلام السياسي" التي تحاول قلب أنظمة الحكم.

ومنذ اندلاع "طوفان الأقصى"، ورغم تأثر قطاعات كبيرة بالدعايات المضادة لحركة "حماس"، فإن الشعب المصري رحب بـ"الطوفان"، كما تجاوب مع صواريخ حماس والجهاد التي دكت مواقع الصهاينة، وتطور الانحياز إلى مناصرة جبهات الإسناد والانحياز لحزب الله واليمن في مواجهاتهما البطولية مع الكيان، وكذلك ضربات إيران في "الوعد الصادق" الأول والثاني.

إلا أن الحرب الأخيرة وعملية "الوعد الصادق 3"، شهدت أكبر دعم وانحياز شعبي مصري لإيران وصمودها وضرباتها الحاسمة والقاصمة للعدو، فقد أنهت جميع الدعايات التي شككت في مصداقية العداء ومصداقية إيران في المواجهة.

وأعادت هذه الحرب الوعي لقطاعات شعبية، فبدأت تراجع نظرتها وتراجع التاريخ، لتكتشف دعم إيران لحركات المقاومة كافة، وتُراجع سلوك النظام الإيراني الذي يمد يد التعاون ولا يتدخل بالشأن المصري، والذي لم يحتضن المعارضات بالخارج على غرار النظام التركي والقطري على سبيل المثال.

ثانيًا: العوامل المؤثرة المساعدة:

ولا شك أن هناك عوامل كبيرة ساعدت المصريين على الدخول في هذه الحالة الجديدة، يمكن رصدها في المؤثرات في الرأي العام، سواء من قبل الإعلام، وخاصة الحكومي، أو بعض المؤثرين في الرأي العام من الأفراد ذوي الجماهيرية الكبيرة.

1- الإعلام الحكومي

رغم نفي بعض السياسيين والمعارضين لأهمية الإعلام الرسمي، فإن هذا النفي يعد من قبيل المكابرة، حيث يتأثر قطاع كبير من المصريين بالإعلام الرسمي بشكل كبير، وهذه الفئات الكبيرة التي تتأثر بخيارات النظام المصري وخطابه الإعلامي وجدت تقاربًا رسميًا بين نظام الرئيس السيسي وإيران وزيارات متبادلة ولهجة مختلفة ومتطورة نحو تطوير العلاقات واستعادتها. كما وجدت الجماهير لغة مختلفة من الإعلاميين المؤثرين والخبراء العسكريين الذين تستضيفهم الفضائيات.

2- بيان الأزهر

كما تأثر المصريون ببيان الأزهر القوي الذي أدان العدوان، وشكل دعمًا لإيران في مواجهتها، وللأزهر تأثير كبير في وجدان المصريين، ويشكل بوصلة لموقفهم.

3- المؤثرون على مواقع التواصل

كما كان للتغيرات الدراماتيكية لمواقف بعض المؤثرين على مواقع التواصل والفضائيات المعارضة تأثيرات كبيرة، فمواقف الإعلامي المعارض "معتز مطر" كانت مؤثرة، وكذلك مواقف "عبد الله الشريف" كانت صادمة لجماهيره  المعادية لإيران وخاصة على خلفيات طائفية، فكان لاعترافه بقوة إيران ومصداقيتها وشجاعتها، بالغ الأثر في قطاعات كبيرة، وهو ما استتبع حملة تكفيرية ضخمة هاجمته وكالت له الاتهامات.

ثالثًا: في تطور العلاقات

أيقنت إيران أن هناك ذرائع واهية تتحجج بها الإدارات المتعاقبة على حكم مصر لتمييع العلاقات وإبقائها دون المستوى، وإبقائها في حالة أشبه بالخصومة، مثل قضية التدخل في الشؤون الداخلية وتسمية أحد شوارعها باسم المتهم الأول في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات.

فقامت الجمهورية الإسلامية بالتعامل بحكمة ومسؤولية، وأوصلت الطمأنات اللازمة لمصر، وأثبتت مصداقيتها في عدم التدخل بشؤون الدول، ومؤخرًا غيَّرت اسم الشارع محل الذريعة، وأسمته باسم سيد شهداء الأمة الشهيد الأقدس والأسمى السيد حسن نصر الله.

وعلى الجانب المصري، فإن مصر التي رحبت بهذه الخطوة، تدرك حجم الخطر الوجودي الذي يشكله التمدد الصهيوني، وهذه الهجمة الأميركية لإعادة تشكيل "الشرق الأوسط"، وتجاهل أميركا للقوى التقليدية بلقاءات ترامب مع الخليج وتجاهل مصر، وكذلك قلب نظام الحكم في سورية بنظام عميل، وهو ما يغري بتكرار الأمر في مصر، لتحويل مصر من المهادنة التي لم تعد ترضي الغرور الأميركي والصهيوني إلى عمالة خالصة لتنفيذ مشروع "الشرق الأوسط الجديد".

وفي واقع الأمر، فإن مواقف مصر العملية رغم كل التحفظات على توجهاتها وعلاقاتها الفاترة بالمقاومة، لم ترقَ إلى درجة العداء والقطيعة، واختفظت دومًا بخيط رفيع، ولم تتجاوب مع الكثير مما طلب منها لتصفية القضية الفلسطينية واستهداف إيران واليمن وحركات المقاومة.

ورغم كامل التحفظات على خطابها الإعلامي وتقصيرها في حق غزة وتماهيها الرسمي مع الخليج، فإن المقاومة وإيران تدركان أن مواقف مصر متمايزة، وهو ما ينعكس على تصريحات قادة المقاومة وقادة الجمهورية الإسلامية، والتي سمعناها مؤخرًا بأن إيران تسعى لحسن الجوار ولا سيما مع مصر.

وتعلم مصر أن تقاربها مع إيران سيفتح عليها أبوابًا من الضغوط الأميركية والخليجية، وبعض الدعايات التكفيرية التي لا تطيق هذا التقارب، إلا أنه على الجانب الآخر تعلم مصر أنها معزولة ومنكشفة إستراتيجيًا، وأن بقاء حركات المقاومة وبقاء إيران قوية ومعادلة للقوة الصهيونية أمر لازم في التوازن الإقليمي، وأن مصر وإن كانت لا تجرؤ على الانحياز العلني لحركات المقاومة، فإنها يمكنها تعويض ذلك بمناصرة الدولة الإيرانية باعتبارها دولة عضو بالأمم المتحدة، وهو ما لا يجر عليها دبلوماسيًا ما يُحتمل جره عند إعلانها الانحياز لحركات يحلو للمجتمع الدولي وسمها بـ"الإرهاب" المزعوم.


لا شك أن هذا التقارب يصب في صالح البلدين وخاصة مصر؛ لأن إيران أثبتت أنها تعتمد على ذاتها مهما كان الحصار والعزلة، ولا شك أن المستجدات المتمثلة في تطور انحياز القطاعات الشعبية الواسعة من الشعب المصري هي بارقة أمل في عودة ثقافة المقاومة، بديلاً عن اليأس والانهزامية، كما أنها مستجدات كشفت عمق تجذر القضية الفلسطينية في وجدان الشعب المصري الذي يستعيد ذاكرته التاريخية مع كل مواجهة، وهي رسالة إلى اميركا و"إسرائيل" بفشل الرهان على توسيع "الاتفاقات الإبراهيمية" وجعل التطبيع أمرًا واقعًا يرافق "الشرق الأوسط الجديد" المتوهم، والذي ستكنسه إيران وحركات المقاومة ومعه انحيازات الشعوب الوجدانية المتنامية.

الكلمات المفتاحية
مشاركة