آراء وتحليلات
دروز سورية: بين الاشتباك والتوافق التركي "الإسرائيلي"
شبل العلي
شهدت الأيام القليلة الماضية تطوّرًا مهمًا ومفاجئًا على الساحة السورية، تمثّل بالهجوم الذي شنته الفصائل الإرهابية المسلحة مدعومة من قوات وزارة الدفاع سلطة دمشق على مدينة أشرفية صحنايا ذات الغالبية الدرزية الواقعة جنوب العاصمة السورية دمشق، ووفقًا لآخر التقارير فقد تمكّنت الفصائل من اقتحام المدينة بعد جولة من العنف استمرت 24 ساعة تخللها اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة بمشاركة الطيران المسير، وفي ما تضاربت التقارير حول الحصيلة النهائية للضحايا فقد تحدثت مصادر إعلامية عن سقوط 50 قتيلًا من القوات المحلية المدافعة، ومثله من الفصائل والقوات المهاجمة، وجاءت العملية بعد أقل من شهرين على أحداث الساحل التي شهدت ارتكاب مجازر مروعة بحق المدنيين، ذهب ضحيتها الآلاف من أبناء الطائفة العلوية على يد العناصر التابعة لوزارة الدفاع والأمن العام والفصائل الإرهابية.
تتأتى الأهمية الميدانية والسياسية لما جرى في أشرفية صحنايا وما تبعه من اعتداءات طاولت مناطق أخرى في محافظة السويداء باعتباره يشكّل أول اشتباك فعلي بين سلطة دمشق وأبناء الطائفة الدرزية التي بقيت قياداتها الروحية والسياسية مصرة على ربط الاندماج مع السلطة الجديدة بتحقيق مطالب وشروط تتعلق بطبيعة نظام الحكم وشكل الدولة، والمطالبة باللامركزية الإدارية وأخرى تتعلق بحقوق الإقليات إلى جانب مطالب اقتصادية ومعيشية.
تشير التحركات السياسية والميدانية والبيانات الصادرة من جهات دولية وإقليمية فاعلة في الملف السوري، وأيضًا البيانات الصادرة عن سلطة دمشق وعن القوى الفاعلة على الأرض في محافظة السويداء ومحيطها إلى أن الأوضاع ما زالت معقّدة للغاية، امتدادًا من مدينة جرمانا ووصولًا إلى محافظة السويداء، وربما كانت مرشحة لمزيد من التطورات. وتبدو سلطة دمشق المدعومة من تركيا وقطر على وجه التحديد في موقف محرج بعد الدخول "الإسرائيلي" على خط التوترات في تلك المنطقة مستغلًا حالة التفكك والاشتباك، في ما تمايز موقف الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط الذي يسعى لصيغة تصالحية بين سلطة دمشق والدروز في سورية تجنبهم الوقوف في وجه الدولة، وتقطع الطريق على "إسرائيل" للاستفراد بالملف الدرزي في سورية وربما لاحقًا المنطقة، لكن بعض التسريبات أشارت إلى أن لقاء الشرع ـ جنبلاط الذي زار دمشق مع لم يكن جيدًا.
سياسيًا، فإن هذه الأحداث تطرح احتمالين حول الاشتباك والتوافق الإقليمي حول سورية، وتحديدًا من قبل تركيا والكيان "الإسرائيلي"، وكلا الاحتمالين ممكن، وفقًا لقراءة ترتيب وتوقيت ما يجري.
الاحتمال الأول يتعلق باشتباك وصراع على النفوذ بين تركيا و"إسرائيل"، حيث تسعى تركيا عبر حليفها الجولاني (أحمد الشرع) والفصائل التابعة له والمدعومة من قبلها إلى التمدد جنوب دمشق، بهدف تثبيت سلطة الشرع في دمشق وإخراجها من وضع التهديد وضعف السيطرة بعد أن قامت "إسرائيل" بقصف مطاري حماة والشعيرات منذ شهر تقريبًا لقطع الطريق على بناء قواعد عسكرية تركية فيهما، في ما أعلن نتنياهو أنه لن يسمح بأي تواجد عسكري لسلطة دمشق وفصائلها في جنوب العاصمة، ويقصد بذلك محافظات ريف دمشق والقنيطرة والسويداء ودرعا، بينما لا تبتعد قوات جيش الاحتلال "الإسرائيلي" عن دمشق أكثر من 30 كم، وتتمركز في سفوح حبل الشيخ المطل على دمشق، ويقدم نفسه (أي نتنياهو) كحامٍ لدروز سورية على الرغم من رفض غالبيتهم لتلك الادّعاءات، وتحت هذا العنوان أصدر أوامره لجيش الاحتلال بتنفيذ ضربة عسكرية تحذيرية كما وصفها بجانب القصر الرئاسي في قاسيون، والحقيقة، أن نتنياهو يريد قطع الطريق برًا أمام تركيا وسلطة دمشق نحو الجنوب ونحو الدول العربية من هلال الأردن، وتأمين تواصل بري يحقق طموحاته التوسعية نحو الشرق حيث مناطق قسد والحدود العراقية، ووفقًا لهذا الاحتمال فإن نتنياهو يسعى للتحالف مع دول ما يسمّى الاعتدال العربي كالإمارات والسعودية ومصر والأردن، وهذه الأخيرة أصدرت مؤخرًا قرارًا بحظر جماعة الإخوان المسلمين في خطوة تعكس توجسًا من تمدد نفوذ سلطة دمشق وتركيا نحو الداخل الأردني والمنطقة العربية.
الاحتمال الثاني هو أن يكون ما يجري قد جرى التوافق عليه بين تركيا و"إسرائيل"، وهو احتمال وارد أيضًا إذا ما أخذنا بالاعتبار المفاوضات التي انطلقت بين الجانبين في العاصمة الأذربيجانية بضغط وإشراف من الولايات المتحدة بعد نحو شهر من زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض، حيث دعا ترامب خلالها علنًا إلى وجوب التوافق بين أردوغان ونتنياهو حول سورية، وما يدلل على هذا الاحتمال عوامل عدة من بينها، أن التدخل العسكري "الإسرائيلي" في الأحداث الأخيرة كان خجولًا قياسًا بالتهديدات التي أطلقها نتنياهو، وقد لاخظنا دخول قوات سلطة دمشق وفصائلها إلى جنوب دمشق وإلى أطراف السويداء دون تدخل قوي من جيش الاحتلال "الإسرائيلي" الذي اكتفى بتدخلات استعراضية لم يكن لها تأثير حقيقي، وعامل آخر اتضح مسبقًا من خلال الاتفاق الذي جرى في درعا، والذي تم بموجبه حل اللواء الثامن التابع لأحمد العودة وتسليم المحافظة لسلطة دمشق في ظل صمت وتجاهل "إسرائيلي" يتناقض مع ما أعلنه نتنياهو.
في المحصلة، إن ما يجري في الجنوب السوري وتحديدًا ما يستهدف الطائفة الدرزية له أهمية إستراتيجية في إطار الصراع على النفوذ ورسم المعادلات في المنطقة بعد زلزال سقوط دمشق، وسواء جرى تصنيفه كاشتباك أو توافق بين تركيا و"إسرائيل"، فهو لا يعكس بالتأكيد الخريطة النهائية للإقليم الذي من المرجح أن يشهد ارتدادات وتطورات كثيرة، وربما ما زالت المنطقة والعالم في بداية المسار الذي أوجدته حالة اللا استقرار الناتجة عن سقوط النظام السوري السابق، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار العديد من الملفات الساخنة في المنطقة من لبنان إلى اليمن، ومن الملف النووي الإيراني إلى التوترات في الداخل التركي، وليس آخرًا العدوان المستمر على غزّة، وكلّ ذلك في إطار صراع عالمي ملتهب ومتجدد.
الكيان الصهيونيتركياوليد جنبلاطالدروزسورية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
02/05/2025
وصفة الخراب الأمريكية للبنان
01/05/2025
ماذا يستفيد العراق من تفاهم أميركا وإيران؟
29/04/2025
كيف سقطت "F18" الأميركية في البحر الأحمر؟
التغطية الإخبارية
الصحة بغزة: 77 شهيدًا و 275 جريحًا حصيلة العدوان الصهيوني خلال 48 ساعة
قصف مدفعي صهيوني شمال شرقي مخيم البريج وسط قطاع غزة
آليات الاحتلال تطلق الرصاص بكثافة في حي التفاح شرق مدينة غزة
قوات الاحتلال تطلق الرصاص الحي وقنابل صوتية على فلسطينيين في بلدة عزون شرق قلقيلية
لبنان| السيد إبراهيم أمين السيد لرئيس الجمهورية: بيتك هو الوطن ولا تسمح لأحد أن يتأمر عليك في بيتك
مقالات مرتبطة

حرب الإبادة على غزّة متواصلة: استهداف النازحين في القطاع

الصحف الإيرانية: تعليق جولة المفاوضات النووية الجديدة وأطماع "تل أبيب" في سورية في واجهة الاهتمامات

تقدير "اسرائيلي": لعدم تنفيذ هجمات في اليمن في الوقت الراهن

شهداء وجرحى في عدوان "إسرائيلي" واسع هزّ سورية

واشنطن توجّه "رسالة واضحة إلى السوريين": "إسرائيل" هاجمت محيط القصر الرئاسي في دمشق

نتنياهو يزور باكو لدفع "التطبيع" والتوسط بين "إسرائيل" وتركيا

الصحف الإيرانية: مفاوضات نووية مرتقبة وتحديات إقليمية في ظلّ غطرسة ترامب

لأول مرة.. تركيا تنشر قواتها البرّية في الصومال

الولايات المتحدة أبلغت كيان الاحتلال: بدأنا الانسحاب من سورية

أذربيجان تتوسّط بين تركيا و"إسرائيل" لـ"منع التصعيد" في سورية

جنبلاط: بداية مرحلة جديدة ومستعد للذهاب إلى دمشق مجددًا.. من أهان النبي والإسلام يجب أن يحاسب

مورغان أورتاغوس: العنجهية الأميركية بدون قناع!

جنبلاط لأورتاغوس: الأميركية القبيحة

جنبلاط لـ"بني معروف": احذروا استخدام العدو لكم كإسفين لتقسيم سورية

الرئيس بري للموحدين الدروز: لعدم الوقوع في مفخخات العدو

"معاريف": "إسرائيل" تساعد الدروز السوريين لأنّها تريد منطقة منزوعة السلاح شمال الجولان

"هآرتس": الجبهة الدرزية في سورية على وشك الانفجار

"يديعوت أحرونوت": إجلاء جرحى دروز من سورية إلى الأراضي المحتلة

وزير الحرب الصهيوني وافق على دخول 600 درزي سوري إلى "إسرائيل"
