نقاط على الحروف

بصمات الأصابع المبتورة والعيون ذات البصيرة
الانتخابات البلدية والاختيارية اختبار أول بعد حرب 2024 وبعد اختبار الصمود العظيم لبيئة المقاومة خلال وبعد تلك الحرب
لَعلّي لا أكون مبالغًا إن قلت إنّ ما يجمع بين حزب الله وبيئته لم يجمع من قبل بين حزب وبين بيئته على مر تاريخ الأحزاب في العالم. ربما لأن حزب الله ليس حزبًا بالمعنى الأكاديمي أو الاصطلاحي للحزب، فيكون أقرب إلى تعريفه بـ"الأمة" كما وصفه الشهيد الحاج محمد عفيف، أمة سياسية عسكرية اجتماعية ثقافية إنسانية، أمة الإنسان كما يجب أن يكون وكما من حقه أن يكون، إنسانًا حرًّا شريفًا ثائرًا على الظلم والعدوان ولو كان خياره الأخير في الحياة الخيار الكربلائي العاشورائي إن لزم الأمر.
ما يربط بين حزب الله وبيئته أكبر من كونه رابطًا سياسيًّا، هو في الأصل رابط عقائدي، وكلمة عقائدي هنا أوسع من عقيدة دينية، أو حتى ونية، هي عقيدة التزام بحزب الله بكل تجلياته ومظاهره، وعلى رأسها وأولها عقيدة التحرر الإنساني، كما يجب أن كون عليه الإنسان في حياته.
وفي قولنا إن بيئة حزب الله بيئة إنسانية توسعةٌ لهذه البيئة لتنطلق إلى خارج لبنان، لكن موضوع مقالنا الحالي هو البيئة الحاضنة الأقرب، بيئة الحزب اللبنانية، التي هي خزان هذا الحزب، ومنبع رجاله الذين منهم القادة والمجاهدون والشهداء والجرحى والأسرى.
اختبر حزب الله بيئته في مواقف كثيرة خلال الأعوام الأربعين الماضية، وفي كل اختبار كانت هذه البيئة على قدر ما توقعته القيادة وأكثر، وعلى نتيجة هذا الاختبار بنى الحزب كثيرًا من مواقفه السياسية بل وحتى العسكرية الجهادية، وأي بيئة حزب في العالم كانت مثل بيئة حزب الله؟
واختبرت بيئةُ حزب الله حزبَها، فكان في كل مرة كما توقعتْ أن يكون وأكثر، عسكريًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، وأي حزب في العالم كان مثل حزب الله لبيئته؟
ولسنا اليوم في وارد ضرب الأمثلة وتقديم نماذج عن الاختبارات المتبادلة بين حزب الله وبيئته، إذ يكفينا نموذجًا الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت يوم أمس في بيروت والبقاع، فبعد كل حملات الكذب والتهويل والدجل السياسي والإعلامي ومحاولات شق العلاقة بين حزب الله وبيئته، وصولًا إلى إنفاق الأموال -الإنفاق المستمر منذ سنوات طويلة- لتشويه صورة حزب الله أمام جمهوره وأهله وبيئته، بعد كل هذا شاهدنا يوم أمس بحر اللون الأصفر يتمدد في صناديق الاقتراع حبًّا ودعمًا وتأييدًا لحزب الله ومرشحيه ولوائح مرشحيه وأصدقائه، دون تشطيب، والذي لم يستطع "أن يبصم بالعشرة" كما يقول النشيد، بصم بما تبقى من أصابع كفّيه المبتورة، بصمةً لا تزول، والذي لم يستطع أن يقرأ أسماء مرشحي لائحة المقاومة بعد أن فقد عينيه في عملية البايجر الإرهابية، بصم على هذه الأسماء ببصيرته التي لم تخدعه يومًا.
والانتخابات البلدية والاختيارية اختبار أول بعد حرب 2024، وبعد اختبار الصمود العظيم لبيئة المقاومة خلال وبعد تلك الحرب، الصمود المليء صبرًا وبصيرةً، وهو -أي اختبار الانتخابات اختبار صغير أمام اختبار العام القادم، اختبار الانتخابات النيابية، ويومها لبيئة حزب الله كلام جديد آخر.