تحقيقات ومقابلات

الرئيس لحود يستعيد أيام التحرير ويتحدّث لـ"العهد" عن لقائه الأخوي بالشهيد الأقدس
يسترجع رئيس الجمهورية الأسبق العماد إميل لحود في مقابلة مع موقع "العهد" الإخباري ذكرى تحرير الجنوب اللبناني عام 2000، ويتحدّث عن سيد شهداء الأمة الذي رفع اسم لبنان
حين نتحدّث عن عيد المقاومة والتحرير، سُرعان ما يحضر في مخيلتنا رئيس الجمهورية آنذاك فخامة العماد المقاوم إميل لحود. نجح الرجل وهو في سدّة الرئاسة الأولى في أن يكون له شرف حصول لبنان على هذا النصر الكبير في عهده. أرشيف الرئيس لحود ينضح بذكريات هذه المحطة الاستثنائية في تاريخ لبنان والأمة. يتحدّث عن هذه المناسبة من أعماق قلبه قبل لسانه، فيحضر صانع النصر سيد شهداء الأمة الشهيد السيد حسن نصر الله الذي تحوّل بشهادته إلى أسطورة، وفق ما يقول الرئيس لحود.
وفي مقابلة مع موقع "العهد" الإخباري، يغوص الرئيس لحود في وصف التحرير، الحقبة الأحب إلى قلبه. يشدّد على أنها كانت محطة تاريخيّة إذ كانت تتويجًا لتضحيات شبابٍ لبنانيّين، أتوا من خلفيّات مختلفة ومناطق مختلفة، وتدرّبوا مع سلاحٍ بسيط وإرادةٍ عظيمة، وقاموا بما كان يعتبره كثيرون مستحيلًا ونجحوا في طرد "الإسرائيلي" من أراضيهم.
ووفق الرئيس لحود، يُشكّل هذا الأمر عبرةً، تفيد بأنّ صاحب الأرض وصاحب الحقّ لا بدّ أن ينتصر، وكلّ احتلالٍ سيزول. يقول :"ما نتذكّره من تلك اللحظات ما فعله هؤلاء الشباب الذين قدّموا أغلى ما لديهم، حياتهم، ليتحقّق هذا التحرير، دون أن نغفل عن دور الأحزاب كلّها التي شاركت في مقاومة "إسرائيل"، وعلى رأسها حزب الله بقيادة أمينه العام الشهيد حسن نصر الله".
يعود الرئيس لحود إلى أيام ما قبل التحرير. يستذكر كواليس تلك المرحلة التي لا تزال محفورة، فيقول :" بدأ الأمر قبل أسبوع من الانسحاب بزيارة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن، بناءً على طلب غير مباشر من العدو "الإسرائيلي"، عبر الولايات المتحدة الأميركيّة التي طلبت ذلك من الأمم المتحدة، وكان الهدف إبلاغنا بقرب الانسحاب، في حين اهتمّت الأمم المتحدة بما سيكون عليه ردّ فعل بيئة المقاومة في حال حصل الانسحاب، في ظلّ خشية من أعمالٍ انتقاميّة، فأكّدتُ له أنّ هذا الانتقام غير وارد ولا صلة له بعقيدة المقاومة وأخلاقها وقيمها، والهدف تحرير الأرض لا الاعتبارات السياسيّة".
وفي صباح يوم ٢٥ أيّار من العام ٢٠٠٠، يتابع الرئيس لحود، توجّهتُ إلى الجنوب وزرت عددًا من البلدات، بدأتها بالناقورة وأنهيتها بالوزاني، وكنت حريصًا على المرور برميش التي تجمّع أهلها في الكنيسة، فطمأنتهم، وأوصيتهم ألا يخافوا من أحد، فالتشفّي لن يحصل، ومن ارتكب الجرائم سيحاسب في القضاء حصرًا، وهكذا كان.
لا ينسى رئيس الجمهورية تفاصيل ذلك اليوم الذي يتذكره كأنه بالأمس. يقول :"تابعت هذا اليوم العظيم من أرض الجنوب، وكان يومًا لن أنساه أبدًا"، لافتًا إلى "السجال الشهير الذي حصل بعد الانسحاب بينه وبين الولايات المتحدة الأميركيّة عبر وزيرة خارجيّتها مادلين أولبرايت التي رضخت بالحقّ لمطلبنا باستعادة ١٨ مليون متر مربع، يعود قسمٌ منها إلى البطريركيّة المارونيّة، واستكملنا الصراع من أجل استعادة مزارع شبعا، بعد الاعتراف السوري بأنّها لبنانيّة".
ووسْط كل الحملات التي تتعرّض لها المقاومة، يُشدّد الرئيس لحود على أنها تشكّل قوّة ردع في وجه العدوّ، لأنها اعتمدت على إرادة أفراد قبل أن تتطوّر مع مرور الأيّام، والثابت لديها هي العزيمة. ويُضيف " زاد هذا الشعور لديّ بعد الحرب الأخيرة التي لم تجعل بيئة المقاومة تتراجع عن إيمانها الراسخ، فهي ثابتة لا تتزعزع، ولن يتمكّن أحدٌ من القضاء عليها. ويُخطئ من يظنّ أنّه يمكنه نزع هذا الإيمان عبر "حرطقاتٍ" داخليّة، ولذلك ننصح الجميع بألا يدخلوا في هذه الدوامة لأنّها ستؤدّي إلى حرق المنزل بمن فيه".
من هو مستعجل في الداخل لتسليم سلاح المقاومة ينفّذ بشكلٍ واضح إرادة العدوّ
يتوقّف الرئيس لحود عند الاعتداءات "الإسرائيلية" اليومية. يلفت إلى أنه "من حين صدور قرار وقف إطلاق النار، نفّذ العدو "الإسرائيلي" آلاف الخروقات وأسقط عشرات الشهداء، غير آبه بالاتفاق وبمن يراقبه، في حين أنّ الدولة والمقاومة تلتزمان بالاتفاق". ويضيف :"حسنًا فعلت الدولة الممثّلة بالرئيس جوزاف عون، ومعه الجيش اللبناني البطل، حين أرست معادلة واضحة، مفادها أن لا نقاش في موضوع المقاومة قبل تنفيذ العدو "الإسرائيلي" لقرار وقف إطلاق النار والانسحاب وتسليم الأسرى، في وقتٍ تبقى المقاومة جاهزة للدفاع عن لبنان إذا وصلنا إلى مرحلة شبيهة بما مررنا به بين صدور القرار ٤٢٥ والتحرير، من هنا ضرورة بقاء المقاومة على جهوزيّتها، ومن هو مستعجل في الداخل لتسليم سلاح المقاومة ينفّذ، بشكلٍ واضح، إرادة العدوّ".
السيّد حسن كان إستراتيجيًا وستبقى المقاومة حيّة كشعلةٍ لا تنطفئ
لسيد شهداء الأمة مكانة خاصة في وجدان الرئيس لحود، حيث جمعتهما الكثير من المواقف الوطنية. يصف العماد المقاوم سماحة السيد الشهيد قائلًا فيه :"السيّد حسن كان إستراتيجيًا، وتمكّن من خلق معادلة استثنائيّة، وهو توّج التحرير بزيارتنا في قصر بعبدا، وهي واحدة من لقاءاتٍ ثلاثة جمعتنا به. كان الأول حين زرناه، وكنت قائدًا للجيش، للتعزية باستشهاد نجله هادي، وأكدنا له حينها أنّ من يقدّم ابنه على مذبح الشهادة فإنّما يعطي درسًا لا مثيل له، ولا يمكن أن يكون مصيره إلا الانتصار. وأذكر أنّ كثيرين انتقدوني لأنّني خرقت البروتوكول ورافقته بعد الزيارة إلى الباحة الخارجيّة للقصر الجمهوري، بعد لقاءٍ أخوي، وفعلت ذلك لأنّ المقاومة الممثّلة بهذا الرجل رفعت اسم لبنان، وتستحقّ أعلى درجات التكريم، وكانت الابتسامة على وجهَينا أصدق تعبير عمّا في قلبَينا".
يؤكّد الرئيس لحود أنّ مشاركته في تشييع السيد نصر الله كانت أقلّ الواجب تجاه إنسان عظيم يملك حضورًا يتجاوز مساحة لبنان إلى الحضور العالمي، وكان من واجب كلّ لبناني أن يودّع هذا الرجل الذي كان محبًّا لبلده وشعبه كلّه، وليس بيئة المقاومة فقط. وفي ذلك النهار تحوّل هذا الرجل إلى أسطورة، شاء من شاء وأبى من أبى، ونفتقده اليوم في ظلّ الإجرام الحاصل في لبنان وفلسطين" يُضيف لحود.
وفق العماد المقاوم، "لقد كانت لحظة أفتخر بها، على الرغم من حزن الخسارة، لكنّ التعويض كان في وجوه مئات الآلاف الذين شاركوا في وداع السيّد حسن الأسمى. وسنكون دائمًا في المكانَين والزمانَين المناسبَين وكلّنا فخر بموقعنا، على الرغم من محاولات تزوير التاريخ وتشويه سمعة المقاومة التي لن تتأثّر بالحملات، وستبقى حيّة كشعلةٍ لا تنطفئ في قلوب الوطنيّين الأوفياء".