مقالات مختارة

ناصر قنديل - صحيفة البناء
لا يبدو توسيع نطاق الحرب في أوكرانيا نحو مواجهة مع الغرب هدفًا روسيًا، كما لا تبدو إيران وقوى المقاومة في وضعيّة الحديث عن توسيع الحرب أو شنّ حرب، لذلك يصبح الحديث عن توسيع الحرب وتصعيدها مرهونًا بالسؤال عن نوايا وقدرات أميركا و”إسرائيل”، وعلى جبهة أوكرانيا قطعت أميركا أشواطًا على طريق الانسحاب من الحرب والتسليم بالنصر الروسيّ بل الذهاب إلى تسويق هذا النصر والدعوة للتأقلم معه تفاوضيًا في صياغة أيّ اتفاق يُنهي الحرب. والحديث هنا محصور بدقة ماذا عن قرار أميركيّ "إسرائيلي" بالحرب على إيران؟.
المانع الأول أمام قرار الحرب هو تردّي الأوضاع الداخلية في أميركا و”إسرائيل”، حيث يواجه دونالد ترامب وضعًا اقتصاديًا صعبًا وعجزًا صعبًا وخطرًا في الموازنة، ما يرتّب حاجة ماسة للحفاظ على الاستقرار الخارجيّ وعدم التورّط في الحروب. وهذا قبل اندلاع أحداث كاليفورنيا التي توسّعت نحو تكساس وربما تتوسّع نحو ولايات أخرى مثل أريزونا، والولايات الثلاث كانت حتّى عام 1848 جزءًا من المكسيك، ويتمركز فيها أميركيّون من أصول لاتينيّة هي في الحقيقة امتداد للسكان الأصليين الذين تمّ تهجيرهم نحو الجنوب عبر المكسيك وإليها، ويعودون بصفة عمالة مهاجرة، لكنّهم هنود حمر يعودون إلى أرض الأجداد، بما يجعل المواجهة التي بدأت ولا يعلم أحد متى وكيف تنتهي، شكلًا من أشكال انتفاضة السكان الأصليين في وجه المستوطنين البيض الذين يمثّلون عصب الترامبيّة وعمودها الفقريّ، ولكن بمفعول رجعيّ، وفي “إسرائيل” شيء مشابه في المواجهة التي تهدّد بحل "الكنيست" وانهيار الحكومة، حيث نوعان من المتديّنين يتواجهون، جماعة ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش من جهة وجماعة "الحريديم" من جهة مقابلة، بما طغى على الانقسام السابق الحاكم بين العلمانيين والمتدينين، بحيث صار معسكر الحرب في وجه معسكر اللاحرب، ومعسكر اللاحرب هو “الإسرائيليّون” الأوائل، ومعسكر الحرب يعتمد على "الإسرائيليين" الوافدين، بعد إعصار وزلزال سببه الطوفان، وفتح الأسئلة الوجوديّة، تمامًا كما فعل التراجع الأميركي على الساحة الدولية في إحياء النزاعات الداخلية وتفعيل ديناميكية انفجارية وانشطارية.
المانع الثاني أمام الحرب هو غياب القدرات اللازمة لخوضها، بعدما قالت المعلومات التي حملتها الحرب الأميركية مع اليمن والحرب الإسرائيلية مع جنوب لبنان وغزّة، أن الرهان على القوّة النارية في غير محله، والحرب الأميركية على اليمن خير مثال، ومضمون وقف إطلاق النار الذي أجبرت عليه واشنطن وقدّمت فيه تنازلات جوهريّة، يكفي للاستنتاج بأن ما كان مصمّمًا لردع إيران، كما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب انتهى بردع أميركا، كما قال اتفاق وقف النار الذي أنهت عبره واشنطن إسنادها لـ”إسرائيل” وواصل اليمن بموجبه إسناد غزّة، والذي خرجت بموجبه واشنطن من منازعة السيادة في البحر الأحمر مع اليمن، بالتسليم بالسيادة اليمنيّة وقبول الحياد الأميركي نحوها في أحسن الأحوال، بينما تكفلت حروب “إسرائيل” مع جنوب لبنان وغزّة بإنهاء أي أوهام على قدرات “إسرائيل” في الحرب البرية، بعدما فشلت كلّ فرق الجيش البريّة في إحداث اختراق في جبهة لبنان، وبعدما قالت حرب غزّة المستمرّة إن الجيش يفقد العديد البشريّ اللازم، وإنه ينزف، وإنه لا يجد استجابة من الاحتياط ولا يلقى قبولًا في دعوات التطوّع، وإن الروح القتالية لوحداته بما فيها وحدات النخبة تتراجع.
بالمقابل تبدو التسويات بعيدة، وتحتاج حدثًا دراماتيكيًا قد تحمله مفاجآت الانهيارات الداخلية الأميركية والإسرائيلية، عندما يصبح وقف الحرب ضرورة للتفرّغ للداخل، ولو بثمن صعب، ورغم أن هذا قد يحدث فجأة إلا أنّه يصعب التنبؤ بموعد حدوثه، وحتّى حدوثه تبدو شروط التسويات فوق طاقة الأطراف على تقديم التنازلات، وانطلاقًا من أوكرانيا لا يمكن توقع تراجع روسيّ بينما الميدان يقول عكس ذلك، ويصعب توقع تراجع أوكراني مع تدفق المال والسلاح من أوروبا بما يغري بالبقاء في حال الحرب، ومع وجود دعم استخباري أميركي من وراء ظهر ترامب، وربما لإحراجه وإرباكه، والحال أشدّ تعقيدًا في توقع تراجع ترامب أمام إيران بعدما تراجع في ملفي الصواريخ والتحالفات الإقليمية وقبل بإخراجهما من التفاوض ولم يتبق له إلا التخصيب مدخلًا لتحقيق توازن مع مكاسب إيران التفاوضية، بينما لا يبدو نتنياهو قادرًا على التخلي عن شعارات لخوض الحرب وقبول اتفاق ينهيها مع بقاء سلاح المقاومة، إلا إذا وفر له الأميركي مخرجًا مناسبًا، بمثل ما قد يُخفي كلام ترامب لنتنياهو عن علاقة وقف الحرب بالمساعدة في ملف إيران دون أن يوضح كيف؟.